كتبت ـ شيخة العسم:
اقتحم “فيسبوك” وسواه من وسائل التواصل الاجتماعي حياتنا فجأة، دخل شبكة علاقاتنا الاجتماعية المعقّدة والمتشابكة أصلاً، رافقنا إلى المدارس والمعاهد الجامعات، لم يتأخر عن نزهة أو رحلة أو مشوار تسوق، ولج غرف نومنا دون أن يطرق الباب، وأخيراً أو قبل ذلك أو أثنائه ذهب بصحبتنا إلى مواقع العمل ودون إذن مسبق.
البعض اعتبره دخيلاً وضيفاً ثقيلاً وأوصد الأبواب بوجهه، وعدّ التعامل معه ضرباً من الانقياد الأعمى لتكنولوجيا لا ترحم، يُطيل السهر ويعطّل سير العمل ويلهي عن الدراسة، ولا يمكن وصفه بوسيلة لنهل المعلومة والتثقّف، وآخرون ذهبوا مذهباً آخر، فـ«فيسبوك” وسيل العصر للتعامل مع الآخر، وتقريب المسافات، وسرعة وصول المعلومة وسهولة الحصول عليها، وقبل كل ذلك متاحة عبر وسائط متعددة والخدمة مجانية.
بنظرة بسيطة تستشعر أن دعاة المذهب الثاني يشكلون الشريحة الأوسع وغالبيتهم من الشباب، وهذا أمر طبيعي بالنظر إلى ميل الشباب الدائم لكل جديد، وشغفهم وتلقفهم لكل منتج يطرحه الغرب، ولكن هل تؤثر هذه الوسيلة الترفيهية ـ الوسيط التواصلي ـ على العمل؟ ما مدى تأثر إنتاجية الموظف وهو يعمل ولا يغفل عن فتح صفحة “فيسبوك”؟ هل صحيح أن موظف القرن الحادي والعشرين لا يستطيع العمل ويكثُر تململه بمجرد غلق الـ«فيسبوك”؟.
الخلاصة أن الموظف المدمن على “فيسبوك” مشغول بـ«اللايكات” و«الشيرات” غافلاً عن طوابير المراجعين، وهؤلاء ينتظرون بصبر ولسان حالهم يقول “مشان الله مشينا”.
«فيسبوك أنيسنا الوحيد خلال ساعات العمل الطويلة، ولا يمكن أن نمضي 8 ساعات كاملة بين الأوراق والملفات دون فواصل منشّطة” هكذا بررت فاطمة طلحة العاملة بمكتب محاسبة استخدامها المفرط لـ«فيسبوك” خلال ساعات العمل.
لا تزال العديد من الانتقادات توجّه لشبكة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، وما يرافقها من سلوكيات تنم عن سوء استغلال محتويات الإنترنت، وبات يؤثر على جوانب حياتية عدّة طالت مردودية وإنتاجية العامل، ونافس “فيسبوك” ووسائل الاتصال الأخرى مثل “تويتر” و«بلاك بيري” في نيل نقمة أرباب العمل وغضبهم.
شبكة الإنترنت ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها في معظم الوظائف والأشغال، وأحياناً يتعطّل العمل في حال غياب الشبكة، ولكن استخدام “فيسبوك” حكاية أخرى، فهي لا تتعدّى كونها وسيلة ترفيه وتسلية ومضيعة للوقت على حساب عمل مطلوب إنجازه.
هذه الحالة لم تغب عن أرباب العمل، ووقفوا حائرين حيالها، فقطع الخدمة صعب، ومراقبة التزام الموظفين بعدم استخدامها مهمة أصعب، ويقول رئيس قسم مشتريات بإحدى الشركات الخاصة محمد حسن “الأمر لم يعد يطاق”، مضيفاً “وسائل الاتصال تجعل من الموظف قليل التركيز وضعيف الإنتاجية ومضيّع للوقت”. وينصح حسن مدمني “فيسبوك” “لا يجوز تعطيل العمل على حساب فيسبوك”، ويضيف في حيرة “بالمقابل لا نستطيع منعه من استخدامها فالنت موصول بكمبيوتره لضرورات العمل، المسألة معقدة وصعبة”. بضغطة زر واحدة وتخرج من صفحة “فيسبوك” وتعود لعملك، كيف يمكن مراقبة هذه الظاهرة؟ يتساءل أرباب العمل ويقولون “الحل بوضع مراقب على كل موظف”، مستدركين “لكن من يضمن لك ألا يستخدم المراقب نفسه لـ«فيسبوك”.
إدمان “فيسبوك” بالعمل وجد من يبرّره، ويجد فيه وسيلة لجمع المعلومات ذات الصلة بالعمل، وهؤلاء هم المدمنون أنفسهم، وهنا نجد أنفسنا بحاجة إلى محكّم ثالث للفصل بالقضية.
بعض المدمنين لا ينكرون استخدام “فيسبوك” خلال ساعات العمل، ويذهب بعضهم إلى أكثر من ذلك، أميرة صالح العاملة بإحدى المكتبات الخاصة تقول “عادة ما أفتح الفيسبوك بمجرد تشغيل جهاز الكمبيوتر فور وصولي العمل، لمجرد أن عملنا يتطلب أحياناً التواصل مع بعض الشخصيات”.
وبخصوص تأثير الدردشة المفرطة على العمل ترد أميرة “كل العمال الذين يسهل احتكاكهم بشبكة الإنترنت لا يفوتون الدردشة عبر “الفسيبوك”، وتستدرك “لا أذكر أن ذلك عطّل من العمل يوما أو أخّل به”. ويقول عبدالله حسين الموظف بمؤسسة خاصة “لا أستطيع العمل إلا وصفحة الفيسبوك مفتوحة”، ويضيف “الفيسبوك بالنسبة لي وللعديد من زملائي بالعمل، محفّز كبير يكسر روتين ساعات الفراغ، ولا يؤثر على العمل مادامت الدردشة تتم قبل إنجاز المهام أو بعدها”.
تصف الأخصائية الاجتماعية فاطمة العريض الإقبال على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بـ«السلوك الإدماني”، بعد أن “صار جزءاً لا يتجزأ من الإدمان على شبكة الإنترنت بصورة عامة، ما يهدّد الفرد بفقدان منصب عمله بعد توتر علاقاته المهنية مع مرؤسيه”. وتضيف العريض “الإدمان سلوك لا يمكن السيطرة عليه، رغم إدراك الفرد لنتائجه السلبية على مجمل حياته”، دون أن تغفل أن “الشخص المتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي يكتفي في البداية ببعض الوقت، ويصاحب حالات الدردشة نوع من الشعور بالارتياح النفسي لديه”.
ولكن و«مع تكررعمليّة التصفح تزيد ساعات الإدمان على الفيسبوك من خلال ما توفّره تلك التقنية من وسائل التسلية والترفيه، وتزيد ساعات الجلوس أمام صفحته بازدياد عدد الأصدقاء، وتتولد حينها في نفس الشخص حاجة ملّحة تزيد مع مرور الوقت حتى يفقد السيطرة على سلوكياته”.
وارتبط جهاز الكمبيوتر حسب العريض بموقع “الفيسبوك” عند كثيرين، من أجل الشعور بالمتعة وإشباع الفضول والرغبة في تحسين المزاج، و«في حال منع عنه الفيسبوك يشعر بالقلق والتوتر الشديد وأحياناً قلة النشاط، ما يؤثر على مردودية العمل”.
وتختم بنصيحة “أتلقى تغريدات ورسائل كثيرة عبر هذه الوسائل من أصدقائي، وأنصحهم دوماً أن وقت العمل لا يجوز استغلاله وتضييعه لمصالح شخصية أو لغرض التسلية”.