عواصم - (وكالات): عززت الولايات المتحدة وفرنسا الإجراءات الأمنية لحماية مصالحهما في العالم في مواجهة غضب المسلمين الذي قد يشتد إثر نشر مجلة “شارلي ايبدو” الفرنسية الساخرة أمس رسوماً كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد.
وتركز تلك المخاوف خصوصاً على الغد إذ يخشى أن تخرج تظاهرات احتجاجية عقب الصلاة في البلدان الإسلامية التي تصاعدت فيها مشاعر العداء للغرب منذ أسبوع إثر بث مقتطفات من الفيلم المسيء للإسلام الذي انتج في الولايات المتحدة، وحمل عنوان “براءة المسلمين”. وأعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن الولايات المتحدة تتخذ “إجراءات حازمة” لحماية سفاراتها في العالم، نافية أن تكون واشنطن علمت مسبقاً بالهجوم الذي استهدف القنصلية الأمريكية في بنغازي في 11 سبتمبر الجاري. وبعد أسبوع من أعمال العنف المناهضة للأمريكيين في العالمين العربي والإسلامي، أضافت كلينتون التي تشرف على أكبر شبكة دبلوماسية في العالم “أننا بصدد اتخاذ تدابير قوية لحماية موظفي سفاراتنا وقنصلياتنا في العالم اجمع”. وحذت فرنسا حذو الولايات المتحدة بعدما نشرت أسبوعية شارلي ايبدو الفرنسية الساخرة أمس رسوماً كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد تناولت فيها الجدل الذي أثاره فليم “براءة المسلمين” المسيء للإسلام. واعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في باريس تعزيز الأمن في السفارات الفرنسية عبر العالم، وصرح لإذاعة فرانس انفو “بطبيعة الحال أرسلت تعليمات لاتخاذ احتياطات أمنية خاصة في كل البلدان التي يمكن أن تحصل فيها مشاكل”. وستغلق السفارات والقنصليات والمدارس الفرنسية في نحو 20 بلداً إسلامياً، لكن الناطق باسم وزارة الخارجية فيليب لاليو اعتبر أن ليس هناك “خطراً محدقاً بأي مؤسسة” فرنسية.
وفي باريس تعززت الإجراءات الأمنية حول المبنى الذي يوجد فيه مقر مجلة شارلي ايبدو التي نشرت في عددها الصادر امس رسوما كاريكاتورية مسيئة للاسلام. وصرح رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك ايرولت لإذاعة ار.تي.ال “نحن في بلد يضمن حرية التعبير وحرية رسم الكاريكاتور أيضاً”، لكنه أضاف “إذا شعر البعض حقاً بأنهم تعرضوا لإساءة في قناعاتهم واعتقدوا أن القانون قد انتهك، فبإمكانهم اللجوء إلى المحاكم”. من جانبه اعتبر فابيوس أن شارلي ايبدو في “الوضع الراهن” تصب “الزيت على النار”.
من جانبه، أعلن وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس أن حرية التعبير بما فيها رسم الكاريكاتور هي “حق أساس” يصونه القانون. وأضاف أن “حرية التعبير حق اساسي وحرية رسم الكاريكاتور جزء من هذا الحق الأساس”. من جهة أخرى قررت الحكومة الفرنسية حظر تظاهرة مقررة بعد غد السبت في باريس احتجاجاً على الفيلم الأمريكي المسيء للإسلام.
وأوضح ايرولت “لن نتسامح مع أي تجاوزات” في حين تخللت تظاهرة خرجت السبت الماضي قرب سفارة الولايات المتحدة في باريس أعمال عنف أوقف خلالها 150 شخصاً. وأفاد مصدر قضائي أن جمعية قدمت شكوى أمام النيابة العامة في باريس ضد مجلة شارلي ايبدو بتهمة “الحض على الكراهية”. وأضاف المصدر نفسه أن النيابة العامة فتحت من جهة ثانية تحقيقاً حول تعرض موقع المجلة على الإنترنت للقرصنة ما أدى الى عدم التمكن من الدخول إليه. وقد رفعت الشكوي على شارلي ايبدو باسم منظمة تسمى الجمعية السورية من أجل الحرية التي تقول إن مقرها في الدائرة 20 في باريس. واعتبرت الجمعية أن شارلي ايبدو “قررت صب الزيت على النار من خلال نشر رسم كاريكاتوري للنبي محمد”، كما جاء في نص الشكوى. وقد نشرت المجلة الساخرة في نوفمبر 2011 عدداً خاصاً عنونته “شريعة ايبدو” أعلنت فيه النبي محمد “رئيس تحريرها”، ما أثار موجة احتجاجات وأحرقت مكاتبها وتعرض موقعها على الإنترنت إلى القرصنة. وتهز عدة بلدان من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا وأوروبا منذ أسبوع موجة من أعمال العنف ضد الولايات المتحدة بعد بث مقاطع من الفيلم الأمريكي المسيء للإسلام على موقع يوتيوب. وتواصلت التظاهرات الاحتجاجية أمس في أماكن عديدة حول العالم، خاصة في آسيا. ودعا الرئيس الأمريكي باراك اوباما العالم الإسلامي إلى العمل مع الولايات المتحدة من أجل ضمان أمن مصالحها ورعاياها في العالم.
من جانبها، وصفت صحيفة “اوسيرفاتوري رومانو” الصادرة عن الفاتيكان نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للرسول في أسبوعية شارلي ايبدو الفرنسية بانها “تصب الزيت على النار”.
في غضون ذلك، انتقد زعماء مسلمون وعرب الرسوم المسيئة باعتبارها إساءة جديدة لدينهم لكنهم حثوا مواطنيهم على تفادي العنف والاحتجاج سلميا. ووصفت الجامعة العربية الرسوم بأنها “استفزازية ومشينة” وقالت في بيان إنها يمكن ان تؤدي إلى زيادة تعقيد الموقف المشتعل في العالمين العربي والاسلامي منذ إطلاق الفيلم المسيء للنبي. وفي القاهرة، أدان شيخ الأزهر الرسوم المسيئة للرسول. وقال شيخ الأزهر أحمد الطيب في بيان “إن الأزهر يعبر عن كامل رفضه وكل المسلمين لإصرار المجلة الفرنسية لنشر الكاريكاتورات المسيئة للاسلام ورسوله، رسول الإنسانية”.
وأضاف الطيب في بيانه الذي بثته وكالة انباء الشرق الأوسط الرسمية “تلك الأفعال التي تشعل الكراهية باسم الحرية مرفوضة تماماً، الحرية يجب أن تتوقف حينما تؤثر على حريات الآخرين”. كما استنكر مفتي الجمهورية علي جمعة الرسوم الفرنسية الساخرة داعياً في الوقت نفسه إلى “عدم الاستجابة الى هذه الاستفزازات”. وفي لبنان قال رجل الدين السلفي البارز الشيخ نبيل رحيم إن هذا سيزيد من غضب الناس ويزيد التوتر الذي بلغ مستوى خطيراً بالفعل. واتهم الضالعين في هذا بمحاولة إثارة صدام بين الحضارات وليس حواراً. وفي تونس أدانت حركة النهضة الإسلامية التي تقود الحكومة الرسوم الساخرة واعتبرتها عدواناً على النبي محمد. وحثت الحركة المسلمين على تجنب الوقوع في فخ نصبته أطراف مريبة لإحباط الربيع العربي وتحويله إلى صراع مع الغرب وصراع بين المسلمين. وقال مسؤول بالكنيسة القبطية الارثوذكسية في مصر إن هذ استفزاز متعمد. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه أن “بعض القوى العالمية” تريد تصعيد العنف في مصر حتى لا تتطور البلاد اقتصادياً.