كتب - جعفر الديري:
أمر متوقع أن ترفض مجمل النساء الإفصاح عن أسمائهن الحقيقية وهن يدلين بدلوهن في هذا الموضوع الشائك، وهو “سلطة المرأة في بيتها”، والتعليلات التي يسقنها للاستبداد بالزوج والأبناء.
إن حديثاً مثل هذا، تجده بعض النساء وليس كلّهن، أمراً محرّماً، لا يمكن الوقوف حتى عند عتباته، فكيف بالدخول إلى أجوائه؟! ذلك أنه يمسّ أخصّ خصوصيات الحياة الزوجية.
إن الزوجات يخشين من سوء الفهم، فلكل منهن أسبابها التي تدفعها للإيمان بقدرتها على إدارة دفة البيت، وتهميش الزوج تماماً، دون أن تعنى بتحذيرات أصحاب الخبرة والمختصين، وبما يكتب ويبث يومياً من قضايا كبيرة تتسبب بها المرأة المتسلّطة.
وإذا لم يكن من حق كاتب هذه السطور أن يبدي رأيه بهذا الخصوص، فلا يعني ذلك أن لا نذكر بديهيات يدركها جميع الناس، وهي أن البيت أشبه بالسفينة، متى أدارها ربانين غرقت، وأن العقل والدين والعرف تحكموا بأن القوامة للرجل في بيته وعلى زوجته وأبنائه، وأن الزوجة يمكن لها القيام بدور المستشار على أكمل وجه، وهو دور لا يمكن للرجل أن يتخطاه على كل حال.
في هذا الاستطلاع نتعرف على جملة من آراء نساء يؤمن بالسلطة المطلقة للزوجة في البيت، وبعدم أهلية الزوج لإدارته، حتى أنّ بعضهن كشفن أنهن يضعن هذا الأمر كشرط للقبول بمن يتقدم لخطبتهن.
ولكي لا نبخس الرجال حقوقهم، فتحنا لهم باب التعليق على ما ورد من آراء. فإلى الاستطلاع التالي...
لا تجد أم علي وهي سيدة في أواخر الأربعينات، بأساً حين تهمّش زوجها، إلى الدرجة التي تعامله فيها كأحد أبنائها، وترجع ذلك لإيمانها بعدم أهليته للعب دور الزوج فهو “ضعيف لا يعي شيئاً ولا يمكن الاعتماد عليه للقيام بأي عمل”.
أم علي، تؤمن بأهمية الزوج وأنه يشكل وزوجته قطبي الرحا في البيت الذي يجب أن يستقر من أجل الأبناء. “لكن ماذا أفعل وقد أثبت لي منذ السنوات الأولى من زواجنا أنه إنسان ليس بالكفؤ. ورغم أني أحترمه كإنسان طيب ووديع وكريم، إلا أنني اضطررت للعب هذا الدور بدلاً عنه، حين شعرت بأن الأمور ستفلت من يدي”.
وتضيف أم علي: يؤنبني ضميري أحياناً عندما أصرخ في وجهه أمام أبنائه، لكنني والحمد لله، لا تخرج مني مثل هذه السلوكيات إلا نادراً، وأحافظ ما أمكنني على صورته أمام أبنائي وأبنائه، لكنه بالمقابل لا يعنى بذلك، فكثيراً ما يضطرب أمامي لأتفه الأمور، فهل ألام عندما أخرج عن طوري؟ ألست امرأة أخاف على حاضر أبنائي وبناتي ومستقبلهن؟! كيف لا أحكم زوجي وأسرتي بالحديد والنار وأنا أشعر وكأني لوحدي في بحر هائج؟!.
أشباه الرجال
من جانبها تشير الشابة خديجة “...” إلى وجود أزواج، يفضلون الزوجة المتسلطة؛ ربما لأنهم تربوا في محيط كانت فيه الأم عماد البيت وكل شيء فيه يتصل بها، أو ربما بسبب عقدة نفسية في تيار اللاوعي، وربما لأسباب أخرى نجهلها.
لكنها شخصياً لا تقبل بزوج على هذه الشاكلة، فهي لن تربط بسوى زوج واحد في حياتها “زوج يحقق لي الاستقرار والطمأنينة، ولا أعلم كيف لفتاة تتزوج برجل على هذه الشاكلة؛ أن تشعر معه بالاطمئنان؟!”.
كما وتؤمن خديجة بأن الجدّات “عشن في سعادة مع رجال أشدّاء، كانوا نعم الأزواج، رغم شدّتهم مع زوجاتهم. كانوا رجالاً بما في الكلمة من معنى، يملأون أعين نسائهم، إلى الدرجة التي لا تستطيع الخروج فيها من البيت دون استئذان”.
وتواصل خديجة: ربما لا يقبل كثيرون كلامي هذا؛ لكنني جلست مع إحدى الجدات الأرامل، وكانت تتحدث عن زوجها بحب واحترام كبيرين. كان إنساناً شديداً، لكنه أيضاً محب لزوجته وكريم، كان لا يقبل منها كلمة تنال منه ولو صغرت، لكنه أيضاً كان لا يقبل بأن ينال أحد من كرامتها ولو بشطر كلمة. يوفر لها كل شيء ولا يبخل عليها بإشباع أي حاجة، ولو سمع بأن أحداً أياً كان نال منا لانقلب وحشاً، لا يبقي ولا يذر.
امرأة مريضة بالوهم
غير أن لدى صباح رأياً مختلفاً، فهي لا تؤيد السلطة المطلقة للمرأة في بيتها، لكنها أيضاً، لا تؤيد السلطة المطلقة للرجل، وتجد صباح أن السلطة مجرّد وهم في عقل الرجل والمرأة، لا يخلف سوى تعاسة للطرفين.. “ أعني أن الرجل أو المرأة يتسلطان على من؟! إما على بعضهما وإما على أبنائهما، والنتيجة لاشك ضياع الأبناء. فقد يغفر الزوج خطايا زوجته وهي بالمثل، لكنهما لا يغفران لبعضهما إن نال أبنائهما شيئاً. وقد قرأنا كما شاهدنا وسمعنا أن مآسي حقيقية تسبب بها الآباء والأمهات بسبب الاستبداد”.
وتضيف صباح: من نافلة القول أن سلطة المرأة في بيتها هي نوع من الاستبداد، وهذا الطفل الذي لا يترك له مجالاً لإبداء رأيه، سيعاني كثيراً، وسيعاني أبواه أيضاً عندما يجدان شخصيته وقد انقلبت إلى ضعيفة ليس لها قرار، أو عنيفة متشددة لا تقبل لأحد رأياً! فمن المسؤول هنا؟! أليس الأم؟!.
وتواصل صباح: اتقي الله يا امرأة! اتقي الله في كبدك التي تمشي على الأرض؟ لا يمكنك أن تحكمي بيتك بالحديد والنار، وتهمّشي زوجك. ولو كنت تخافين عليهم فعلاً، لرغبت في إسعادهم، وليس بالتشدد معهم لأن والدهم لا شخصية له، إنما هي رغبتك بالاستبداد، ستنقلب عليك وعلى أسرتك!.
الرجل ضعيف أمام الجمال
بالمقابل يتمنى أحمد وهو شاب مقبل على الزواج، يتمنى على فتيات اليوم أن يعين جيداً أن الحياة الزوجية أنبل من أن تحصرها الزوجة في بيت يضمّ زوجاً وأبناء، وإنما هي “المجتمع نفسه”، ولو أن كل زوجة وجدت زوجها ضعيفاً أو متراخياً فحولته إلى قطعة أثاث في البيت، لانتهى المجتمع إلى الحضيض.
أحمد يتذكر بهذا الشأن ما حدث لأحد جيرانه، الذي ارتبط بزوجة دون رضاه، لا يحترمها ولا تحترمه، فأنجب منها طفلاً، فقرر الاستمرار معها في حياته، رغم أنها تكشفت له عن رغبة عنيفة في الاستبداد، وقلة عقل، وهو اليوم يدفع ثمن هذا التسلط، فبناته غير سعيدات في بيت أزواجهن لأنهن اتخذن سبيل أمهن، كما إن أبنائه ليسوا بالسعداء أيضاً لأنهم نشؤوا ضعافاً، إذ إن صورة أبيهم الزوج المهزوز كانت حاضرة دائماً أمامهم.
ويتساءل أحمد: لماذا تستبد المرأة في بيتها وهي تعلم يقيناً أنّ كل شيء بيدها؟! لماذا تغضب زوجها وتدفعه للتعب النفسي، وهي تعلم أنها بما أعطاها الله من حسن ودلال؛ قادرة على إلانة أكثر الرجال شدّة. لماذا تفعل ذلك، في حين أن أقوى الرجال لا يستطيع مقاومة المرأة إن أرادت شيئاً؟ أمر غريب حقاً، فإذا كن يستطعن نيل ما يردن بالكلمة الطيبة واللسان الحلو، لماذا يخربن بيوتهن، ويخلقن العقد في نفوس أبنائهن. لماذا؟!.
صورة نمطية تهشمت
بينما يرى المتقاعد أبو خليل أن الصورة النمطية التي عشنا عليها هي أن يكون الرجل هو رب البيت والقائد لكل من فيه، لكن هذه الصورة لا تنطبق على كثير من المجتمعات خصوصاً الغربية منها، “ما يدلل على وجود كثير من الأعراف والبديهيات في حياتنا بحاجة إلى إعادة نظر”.
الخطورة في هذا الأمر تتمثل -حسب أبو خليل- في تزعزع كيان الأسرة بمجرد رمي حجرة في الماء الراكد، موضحاً أن البيت الذي ينشأ وفق هذه الصورة النمطية يختل تماماً، متى حاولت الزوجة كسر التابهوات التي عاشت عليها الأسر البحرينية. وإلا فما الضير في أن تحكم المرأة بيتها طالما أن هناك توافقاً بين الزوج والزوجة؟!. إن المعتمد هنا هو حكمة المرأة وعقلها، وليس العرف المسؤول عن كثير من مآسينا. أتذكر أني كنت أتحدث يوماً مع صديق عن سلطة الرجل، وكان يتحدث عن سلطته في بيته وأن زوجته لا تنطق حرفاً في حضرته، حين وصلني صوت زوجته غاضباً، فاعتذر لي وذهب متوتراً إلى زوجته التي لا حول ولا قوة له أمامها!.
ويؤكد أبو خليل أنّ معظم الرجال الذين يرفضون سلطة المرأة على البيت، واقعين تحت سلطتها، متسائلاً: لا أعلم لماذا يقبلون ذلك في الخفاء، ويرفضونه علناً؟! لا شيء يخجل في هذا الأمر، فالمرأة قادرة على إدارة دفة بيتها أكثر من الرجل. أنا كرجل لا أقدم شيئاً على وظيفتي، أما زوجتي فكل ما تفكر فيه رغم وظيفتها بيتها وأسرتها، فمن الأحق بالقيادة، الرجل الذي يضع المعاش نصب عينيه أم المرأة التي تضع أبنائها نصب عينيها؟!.
ويستدرك أبو خليل: بلى.. أنا كرجل أرفض أن تعامل المرأة زوجها بترفع واستخفاف، فهو رجل له احترامه كإنسان قبل كل شيء، كما إنه يعيش مع أبناء، يرغب في أن يرى احترامه في أعينهم، وليس من العدل أن تنزله الزوجة منزلة دونها، حتى الرجل الإمّعة يجب أن تعامله باحترام ولا تبخس من حقه شيئاً.