أحمــــــــــــــد جاســـــــــــم



أجزم أن الكثير من القوانين المدرسية تدفع بتحجيم الإبداع وخلخلة الحوافز النفسية وتبطئ الحركة وتنويم الهمة والنشاط لدى الأطفال، ولعل المسؤولين والتربويين سيسمون ذلك بالنظام والقانون وبدون ذلك العبث والفوضى، وحقيقة أن كثيراً مما نعتقده عبثاً هو صميم الإبداع، خذوا مثلاً حياً على ذلك، فقد كنا (أنا وزوجتي) نحث ابننا جاسم على الحركة والنشاط حتى يزيد لياقته البدنية، فلما فتحت المدرسة أبوابها استبشرنا خيراً بأنه سينطلق ويركض في باحات المدرسة في الصباح وفي الفسحة وحصص الرياضة وبين الحصص، فإذا بالقانون المدرسي يمنع الركض في غير حصة الرياضة!!!، وما إن يصل الطلبة في المدرسة في الصباح حتى يُحبسوا في الصالة الرياضية، ليجلسوا مؤدبين!! وقانون آخر يقول بأن الحذاء يجب أن يكون أبيض فيه خط لا بتجاوز سمك الإصبع الواحد!! تعجبوا وتحوقلوا واضربوا الأكف فوق بعض.
مثل هذه القوانين تتكرر في صور أخرى، أذكر أن أحد المدراء كان يرفض تلحين الدرس واستخدام الإيقاع بحجة الفوضى، وقانون آخر يقول يجب أن ينجز الطالب عشرة مواضيع في التعبير وعشرة في الإملاء خلال الفصل ولا أدري ما الفرق بين العشرة والتسعة؟! وأنه يمنع أن يرسم الطالب في الدرس في دفتر التعبير! وقانون آخر يطلب من الطلبة يوحدوا لون (جاكيت الشتاء)، وأكثر ما تتكسر فيه صخرة الإبداع هو ما يسمى بالإجابة النموذجية، حيث تكثر هذه الآفة في مواد اللغة العربية والتربية الإسلامية والتربية الوطنية، فإذا جاء الطالب بإجابة مغايرة صحيحة تنقص الدرجة لأن جهل الكثير من المدرسين يمنعهم من فهم عقلية الطفل المبدع.
هذه الأمثلة وغيرها تذكرني بقصة مسرحية قصيرة كتبتها ذات يوم ومثلت بعنوان (حكاية الزعيم سيطور) ألخصها لكم في الأسطر التالية:
كان هناك زعيم مغرور يُسمى سيطور، ذات يوم دخل قرية فوجد هواءها نقياً بديعاً فاغتاظ من ذلك وطلب من الأهالي ألا يتنفسوا لمدة يوم كامل! حتى يتفرد هو بالهواء، فسمع الناس البسطاء كلامه فماتوا جميعاً، ثم ذهب إلى قرية أخرى جُل أهلها من العلماء المفكرين، وقريتهم في غاية التطور والعمران، فحسدهم وأصدر أوامره بأن يمنع الجميع من التفكير، فنفذ الناس كلامه وانتشر الجميع بعد فترة وساد الجهل وأغلقت المدارس أبوابها، وانتشرت الأمراض حتى وصل العدو واحتل القرية فهرب سيطور حتى دخل قرية وسكن في برج عاجي رفيع، وفي الصباح اكتشف آلاف الطيور تحوم فوق قصره فاغتاظ لذلك وأمر باصطياد وقتل جميع الطيور، وبعد برهة اختفت تغاريد الطيور فحزنت الأشجار كثيراً وقررت ألا تعطي الناس الثمر حتى اختفت الثمار ومات الناس جوعاً، ثم غادر سيطور إلى قرية أخرى وفي الطريق اعترضته صخرة كبيرة فأمر بتحطيمها، وكانت هذه الصخرة تحميهم وتحجز عنهم تدفق مياه النهر لكن أحدهم لم ينبس ببنت شفة، ونفذوا أوامره فإذا بالماء يهجم عليهم ويغرق الجميع بمن فيهم سيطور.
هكذا كانت حكاية الزعيم المغرور سيطور.. وهكذا كان حال الشعب الصامت المدحور.. وكذا الدائرة على الظالم والساكت تدور.