يبدو أن أحدث جولة من العقوبات الدولية المفروضة على إيران - والتي تستهدف صادراتها النفطية أساساً - أصبحت الأكثر إضراراً باقتصاد الجمهورية الإسلامية مقارنة بالعقوبات السابقة.
وحسب البيانات المتوفرة، فإن صادرات النفط الإيراني تراجعت منذ أن فرض الاتحاد الأوربي حظراً على عمليات التأمين على ناقلات النفط الإيراني. وقد أثبتت الأيام أن هذا النوع من الحظر يسبب أضراراً لاقتصاد طهران، لأن أكثر من 90% من ناقلات النفط في العالم مغطاة بسوق لندن للتأمين.
ومن جانبهما، توقَّفت كل من دول الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية، اللتين تستهلكان على التوالي نسبة 18% ونسبة 19% من صادرات الخام الإيراني عن شراء النفط من طهران. وفي نفس الوقت وضعت أكبر 3 دول مستهلكة للنفط الإيراني، وهي الصين واليابان والهند، سياسات جديدة لضمان التدفق السلس للنفط إليهما.
تراجع الواردات
تواجه اليابان وضعاً صعباً بسبب تعرضها لضغوطات تمارسها الولايات المتحدة لتقليص واردات النفط الخام من إيران. وفي الوقت ذاته، تحتاج اليابان إلى النفط بشدة خاصة بعد أن أغلقت غالبية محطات الطاقة النووية في أعقاب زلزال فوكوشيما وكارثة التسونامي في مارس 2011.
وكانت طوكيو أصدرت قانوناً في 20 يونيو الماضي توفر على أساسه احتياطيات مالية لصندوق تأمين وطني لما يصل إلى 7.8 مليار دولار من أجل توفير التغطية التأمينية للناقلات التي تنقل النفط الإيراني. وفي حين صعدت الواردات النفطية بنسبة 60.5% في يونيو، لايزال المراقبون يعتقدون أن اليابانيين سيقلصون وارداتهم النفطية من إيران.
وفي هذا الصدد، يتوقع بنك باركليز الاستثماري، الذي يتخذ من بريطانيا مقراً له، أن تقلص اليابان وارداتها من النفط الإيراني بحوالي 120 ألف برميل في اليوم، وذلك مقارنة بالكمية المعتادة التي تزيد على 350 ألف برميل في اليوم، لكونها تتجه إلى زيادة وارداتها من دول أخرى في الشرق الأوسط.
أما الهند، وكذا اليابان- حصلت على فترة إعفاء من الحظر، فتبحث استيراد النفط الخام الإيراني باستخدام مزيج من التأمين المدعوم من قبلها ومن إيران معاً.
وفي هذا الشأن علق كبير الاستشاريين بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، فريبوز غادار”تستطيع الحكومة الإيرانية توفير التأمين للشحنات التي ترسلها ولكن لا أحد يثق في الحكومة الإيرانية في هذا المجال. والسؤال هو ماذا سيحدث عندما تدخل السفينة ميناءً ما والسلطات المختصة هناك تطلب تأميناً مقابل حدوث أضرار محتملة؟”.
وحسب المراقبين، فإنه من المحتمل أن تدفع القيود التي فرضها الاتحاد الأوروبي إيران إلى بيع نفطها بأسعار مخفضة لجذب المشترين الذين يخشون العقوبات الدولية.
وفيما يخص الصين التي تشتري 20% من صادرات النفط الإيراني - علاوة على كونها أكبر المشترين من إيران- فقد حصلت على فترة إعفاء من الحظر كذلك.
وقال المحلل الاقتصادي بمؤسسة “كيه بي سي” الاستشارية في بريطانيا، صمويل سيزوك “من الملاحظ إن العقوبات قلصت قائمة زبائن إيران فعلاً وجعلت تضطر إلى التعامل مع عدد محدود من المشترين، وخاصة الصين”.
وأضاف “لهذا فإن اعتماد الإيرانيين على الصين ازداد كثيراً مما يزيد من تأثرهم بما يحدث هناك مستقبلاً، هذا علاوة على أنه يعزز من القوة التفاوضية لدى بكين ومن ثم فرض الشروط التي تريدها على طهران”.
تطوير وتحديث المنشآت
وبسبب أهمية وضع إيران كواحدة من أكبر الدول المنتجة للنفط، فإن أي تقليص حاد في صادراتها النفطية يضع ضغوطات كبيرة على الأسعار. وفي هذا الخصوص، يقول رئيس قسم السلع بمؤسسة “هيرمس” في بريطانيا، كولن أوشيا “أعتقد أنه مع مرور الوقت سترجع كميات النفط في السوق العالمية إلى مستواها المعتاد”.
وسواء اضطرت طهران إلى منح المزيد من الخصومات السعرية كي تحافظ على مستوى صادراتها إلى الدول الآسيوية أم لا، فإنه من الواضح أن العقوبات الدولية تسبِّب ضرراً قوياً بعوائد النفط التي تدخل الميزانية.
وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلنتون ذكرت في كلمة لها في يونيو الماضي، ونقلاً عن الوكالة الدولية للطاقة، أن تراجع صادرات النفط الإيراني سيكلف البلاد خسائر تصل إلى 8 مليارات دولار كل 3 أشهر.
ولاشك أن هذه الخسائر تخلق المزيد من المشكلات لصناعة النفط والغاز في إيران والتي تعاني بالفعل من نقص مزمن في الاستثمارات. يشار إلى أن التهديد بمزيد من العقوبات والشروط غير الجذابة التي طرحتها طهران تسببت في مغادرة الشركات الغربية إيران وترك قطاع الطاقة للإيرانيين قليلي الخبرة في هذا المجال.
ومع أن طهران تتطلع إلى مساعدة الصينيين، فإن وزير النفط الإيراني اتهم إحدى الشركات الصينية بالتسبب في تأخير الحصول على المعدات اللازمة والعمل في تطوير بعض المنشآت.
ويرى المراقبون أنه كلما تشددت الولايات المتحدة أكثر في العقوبات، ازداد تأثر البنية التحتية اللازمة لإنتاج النفط، ما يلقي بالمزيد من التحديات على طهران ومدى قدرتها على تعويض خسائرها الراهنة.