كتبت - عايدة البلوشي:
إن ضياع “الهوية” أزمة حقيقة يعيشها مجتمعنا العربي، أزمة تكبر وتتمدد بين الحين والآخر، تتمثل في تشتت هويتنا القومية والوطنية من قبل بعض الشباب نتيجة سلوكيات دخيلة.
إن الهوية ليس نتاج عوامل مؤقتة أو عابرة أو سطحية، وإنما نتاج جذور طويلة وبعيدة في الزمان والمكان، وبالتالي فإن من يتصور أن تلك الهوية أو بتعبير آخر “الخصوصية” يمكن أن تزال أو تمحى بفعلِ مستجدات والحياة العصرية وهي من طبائعِ الزمن والتجديد، يكون واهماً.
في هذا التحقيق نقف عند قضية الهوية، ونسلط الضوء على أزمتها لدى الشباب، ونتعرف على مفهوم الهوية وانعكاساتها على الثقافة، وأسباب ضياعها...
يعتقد سمير عبدالله أننا اليوم في أمس الحاجة إلى وقفة صريحة مع قضية الهوية التي باتت تتراجع دون إدراك منا.
ويضيف عبدالله أن قضية الهوية ليست بالأمر السهل كما يظن البعض، فنحن نتحدث اليوم عن فكر وثقافة وحضارة. لذا يجب أن نهتم قليلاً بهذا التراجع، ومن ثم نسعى جادين إلى تعزيز مفهوم الهوية، وكما قال مستشار جلالة الملك لشؤون الإعلام نبيل الحمر إننا “عندما نتحدث عن المستقبل يجب أن نضع الشباب في الحسبان كونهم قادة المستقبل والهوية، فهي مزيج من الهوية الوطنية والقومية، فالقومية امتداد للهوية العربية وتراكم لخبرات وثقافات شعوب سبقتنا اقتبسنا منهم وأثروا فينا، كما إنها انتماء لبقعة ما من الأرض ومن خلالها تتشكل هويتي”، وهو يعني أننا يجب أن نهتم بجيل الشباب من جميع النواحي والمجالات ولاسيما الهوية على أن نعزز هويتهم الوطنية وأيضاً الهوية القومية العربية.
منهج دراسي بعنوان «الهوية»
من جانبه يتساءل نبيل محمد: أين نحن من الهوية الوطنية والعربية والإسلامية؟ وأين بعدنا التاريخي وماذا عن تراثنا؟ كل هذه التساؤلات نطرحها كشباب ونريد تعزيز هويتنا وسط حبل يتموّج بين نخلتين والحياة السريعة.
ويردف محمد: كثيراً ما نلقي باللوم على فئة الشباب لعدم اعتزازهم بالهوية البحرينية أو العربية من خلال اتجاههم للغرب وسلوكياتهم وتشبههم في كثير من الأحيان بهم، وأعتقد أن اللوم لا يقع على الشباب؛ فماذا قدمتم للشباب ليعززوا قوميتهم؟! إن الطالب يدرس لـ12 سنة المناهج المختلفة، ولا يوجد مقرر واحد خاص بالتراث البحريني؟ أين الفعاليات التراثية والشعبية القديمة في سبيل الاهتمام بالتراث والماضي؟!
البداية من الأسرة
فيما تعرب فاطمة سعيد عن سعادتها بطرح هذا الموضوع، من حيث أن وسائل الإعلام من صحافة وتلفزيون وإذاعة لا تهتم كثيراً بمثل هذه الموضوعات التي تعزز الماضي، خصوصاً مع تطور الحياة والابتعاد عن الهوية الوطنية سواء من خلال تقليدنا للغرب في اللبس والطعام والسلوكيات وحتى اللغة.
وتضيف سعيد: أن كثيراً من الأسر تفضّل إدماج أبنائها في المدارس الخاصة ليتعلموا اللغة الإنجليزية، دون أدنى اهتمام باللغة العربية! وشخصياً شاهدت العجب في عين مدرس أجبني بإحدى المدارس الخاصة حين لاحظ الطفل الذي لا يعرف التحدث باللغة العربية!. إذ إن هناك مصطلحات لا يعرف الطفل وحتى الشاب معناها تدعوك للتساؤل أبحريني هو أم عربي؟! بل وجدنا أمهات الجيل الجديد يرفضن ثوب “النشيل”، كما إنهن عودن أبناءهن على الأكلات السريعة دون تكليف أنفسهن بتعريفهم بأكلاتنا الشعبية القديمة. ورغم هذا يتباهين أمام العالم بأن أبناءهن يتحدثن الإنجليزية!.
وتؤكد سعيد أن العربية أو القومية أو الوطنية ليست مجرد شعارات، ولا مصطلحاً يكتب في شهادة الميلاد، بل يجب علينا أن نعزز قوميتنا من خلال الحديث باللغة العربية، والابتعاد عن المصطلحات الأجنبية مثل “hi –ok “، متسائلة: لماذا لا ينطق الغرب لغتنا العربية؟! ولماذا تقليدهم في كل شي؟! أليس لنا كيان وفكر ووطن وأرض وعادات وتقاليد؟!
إن الهوية تعني انتماءنا وإصرارنا على التشبث بها مع تقبلنا للآخرين، حين نمتزج مع الحضارات الأخرى، ونتعرف على ثقافتهم، وهذا لا يشكل خطراً على هويتنا خصوصاً إذا كانت جذورنا ثابتة.
وتشدد سعيد على الأسرة الاهتمام بقضية الهوية، وعلى الحكومات أن تضع استراتيجية واضحة المعالم للشباب، كونها ستقود المستقبل، لكي تكون هويتنا أكثر قوة لمواجهة التحديات المقبلة، كما قال مستشار جلالة الملك.
الاهتمام بالبرامج التراثية
من ناحيتها تبين منى إسماعيل أنها ليست ضد التطور، بل التقليد الأعمى للغرب في كل شيء، فنظراً لتطور الحياة وتغييرها يمكننا السير مع أوتارها بالتوازي، فيمكن لشبابنا ارتداء الملابس الغربية مع الحفاظ على الثوب البحريني وثوب النشل للفتيات، خصوصاً في المناسبات. يمكننا التمتع بالأكلات الغربية مقابل التعرف على أكلاتنا الشعبية، يمكننا العمل على برامج تلفزيونية حديثة ذات طابع متطور يتحدث بلغة العصر، مقابل الاهتمام بالبرامج التقليدية التي تتحدث عن الماضي ليتعرف الشباب على حياة الأجداد.
وتضيف إسماعيل: كانت تلك البرامج التلفزيونية رائعة تعلمنا منها الكثير مثل “حزاوي الدار” “البيت العود”، فلماذا لا تتكرر هذه البرامج؟ لذا يمكن القول إنه شتان بين الهوية والتطور، فالتطور شي والهوية أمر آخر. يمكننا الحفاظ على الهوية وتعزيزها مع مواكبة تطور الحياة وذلك هو المطلوب.
مفهوم الهوية يتغير
بدورها تؤكد الباحثة الاجتماعية أمينة السندي أن مفهوم الهوية يتغير مع الزمن، خصوصاً مع الجيل الحالي الذي أخذ يترجم كل ما يأتيه من الغرب سواء المصطلحات والطعام واللغة والسلوكيات والعادات والتقاليد، دون أدنى اهتمام أو التفات إلى مفهوم الهوية البحرينية والعربية.
وتضيف السندي: يعيش الطفل بين أحضان المربية ليتعلم منها الثقافة الغربية والسلوكيات والعادات والتقاليد الجديدة والدخيلة، بالتالي تصبح هذه عاداته وتقاليده منذ طفولته حتى المراهقة والشباب وإلخ..، وهو ما يشكل خطراً حقيقاً في الواقع وله أبعاد سلبية، حيث إن هذا الطفل الذي سيصبح رجلاً في المستقبل سيعلم أبناءه العادات الدخيلة التي تعلمها، بالتالي تنتقل هذه العادات لتضيع الهوية العربية وتحتل مكانها الثقافة الغربية التي لا تمت بصلة للثقافة البحرينية.
وتتابع: ضمن السلوكيات أيضاً تعليم الطفل اللغة الإنجليزية لتصبح لغة الأم لديه. وهنا لا ننكر أهمية الثقافات واللغات الأخرى، بل علينا أن نعلم الطفل لغته العربية ليعتز بها، فنحن لا نود رؤية طفل بحريني بشهادة الميلاد؛ لا يعرف العربية. والملاحظ أن الأطفال اللذين ينخرطون في المدارس الخاصة التي لا تهتم باللغة العربية، تخرج لغتهم العربية الطفل ركيكة أو ضعيفة.
وتؤكد السندي على تعزيز الهوية البحرينية بالدرجة الأولى والهوية العربية من خلال عدة أمور في مقدمتها؛ المحافظة على ارتداد اللبس الشعبي خصوصاً في المناسبات، تفعيل دور وسائل الإعلام ونقل التراث القديم إلى الأجيال الجديدة وبث برامج لها علاقة بالماضي كمسلسل البيت العود وحزاوي الدار، استخدام المصطلحات البحرينية القديمة ليتعرف عليها أبناؤنا، ففي الواقع أبناؤنا اليوم لا يعرفون كثيراً من المصطلحات البحرينية الجميلة. كما إن على وزارة التربية والتعليم بهذا الجانب إدخال مناهج دراسية تتحدث على القومية والهوية وكيفية المحافظة عليها، وتنظيم مؤتمرات وفعاليات تعزز هذا المفهوم، وتخصيص ركن خاص في المنزل على أن يكون بأثاث البحريني القديم، تعريف أطفالنا بالألعاب الشعبية القديمة. بذلك نستطيع الحفاظ على الهوية البحرينية والعربية مع مواكبة التطور والتكنولوجيا، فلا نجعل الحضارة الغربية تطفو على التراث العربي الأصيل، ويكون تعزيز مفهوم الهوية العربية بمشاركة جميع الجهات منها الأسرة وعدم رمي الطفل في أحضان المربية لتتعلم عاداتها وتقاليدها، وإعادة النظر في المناهج الدراسية وإدخال الموضوعات أو المقررات التي تعني بقضية الهوية، والاهتمام بالفعاليات التي تعزز الهوية البحرينية والعربية، إلى جانب تفعيل دور وسائل الإعلام.
التوازن بين الهوية والانفتاح
ويعلق د. كمال الغريب من قسم الإعلام بجامعة البحرين: على كل منا أن يعتز بهويته العربية والقومية، أمّا الاطلاع على الثقافات من لغات وملبس وطعام فأمر طبيعي، ما لم يخرج عن نطاق المعادلة هي أن نأخذ أفضل ما لدى الآخر ونترك ما لا يناسبنا.
ويضيف: أن التعرف على ثقافات الشعوب أمر مطلوب، لكن يجب أن تسبقه المحافظة على عاداتنا وثقافاتنا، فإذا كان الهدف من الثقافة الدخيلة سحق أو محو الثقافة الأصيلة فهنا تكمن الخطورة، لذا نرى أن تبادل الثقافات مطلوب، لكن المرفوض الهيمنة على الشعوب.
ويتابع د. الغريب: لقد أكد رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة أن “الغزو الثقافي مخدر اخترعناه لتبرير تقاعسنا عن خدمة الثقافة والهوية..) وليس معنى ذلك أنه غير موجود، لكن علينا أن نعمل من جهتنا على أن لا تعدو هذه الثقافات حيزها، وعلينا أيضاً أن ننتج ثقافتنا ونصدرها بهدف نشر الثقافة. فالمطلوب من الشباب العربي ليس التصدي للثقافات، بل الاستفادة منها بقدر الإمكان، مع الحفاظ على الهوية، بخلق توازن بين هويته والانفتاح على الثقافات الأخرى. علينا أن نزرع الاعتزاز بالهوية العربية ونغذي في أطفالنا القومية والوطنية، بمشاركة جميع الجهات بدءاً من الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني. وعلينا أيضاً التعامل بوعي مع وسائل الإعلام، إذ ليس كل ما تبثه يطابق عاداتنا.