فاطمــــة محمــــد

قبل الولوجِ بلُبِ الموضوع، يجب أن أخُطَ هذه العبارة بالتحديد “هكذا نحن البشر نعشق ما لا نملك.. بانتظارِ اللاشيء”، حسناً للعبارة السالفة معنى مدسوس بصلبِ أي إنسانٍ كان، بصياغةٍ أسهل نحنُ لا نرى ما أمامنا بل ما وراء ذلك الأمام بعتباتٍ تبعدنا عن الواقع، فنظلُ نشقى ونطلب وندعو ونسأل فقط من أجل ذلك الشيء غير المملوك، سواء أكان شيئاً نتوق له من الماديات أو المعنويات فهما سواء بمفهوم الرغبةِ الممنوعة، وظيفة كانت أم مركزاً أم مالاً أم طموحاً أم لقاءً، والأهم بالممنوعاتِ أجمع ذلك المسمى بالحاءِ والباء.
جميلٌ كان أخضر العينين يتوسطهما بؤبؤٌ ينثر لون الشمس الأصفر بنفحةِ الصحراء، طويل القامة عريض المنكبين أشعث الشعر ناعمَ التمرد، لن أبالغ إن قلت إنه نظيف القلب بحقٍ يفوق الحق ذاته، طفل يلعب بكراتٍ من على سطح جنانِ السماء بداخله رجل يخلق للمبادئ أسساً ومناهج، به خفة دمٍ لا بأس بها، أتعلمون كيف هو مذاقُ السكر من بعدِ رجيمٍ قاسٍ بالشدة، هكذا كان هو يبري آلامَ القدر ويؤمنُ بأن الرجل خلق لأجل سعادة المرأة لا غير، فالأخيرةُ بالنسبةِ له هي تعلو المحاسنَ برتب فظيعة. لأكن صريحة بكلمتين هو بحرٌ أخضر، وهل من أحدٍ لا يهوى هذا اللون الأخير، وهو لونُ الحياة..!!
الحكاية وما فيها أن هذا الشاب السالف الذكر تعرف على إحدى الشابات، استلطفها وبادلته اللطف بالفكر والشقاوة بآنٍ واحد، جامعة شطرين من أجمل أنصاف الحياة، فالمرأةُ إن كانت ذا فكرٍ نابض فهي مقبولة ولكن إن امتزج ذلك الجمال العقلي بشقاوةِ القلب الأحمر، فهي جاذبيةٌ رائعة، ولكن ستكون خطرة بانزلاق الشهوات إن كان امتلاك تلك المرأةُ بنطاقِ الممنوعية لا المشروعية.
كانت تحكي له عن عالمٍ آخر تؤمن به وهو مغاير عما نعيشه من واقع، وهو عالم الأرواح، حيث إنها ترى بأن الناس خلقوا أرواحاً قبل أن يكونوا أجساداً، وبالتالي قد تلتقي الروح بنصفها المكمل وتتواءم معه وهي لم تعرفه أشد المعرفة، ليس ما تعنيه هنا إعجاب التأقيت، لا بل ما يقصد به بأن الحب والإعجاب ليس وليد العشرةِ أو إطالة المعرفة وتوطيد العلاقة، إنما لقاءٌ ما بعد غربةٍ طويلة من البحث والتعب بعالم مليء بالبشر، فالروح تعرف روحها المقابلة بلقاءٍ واحد لا كمسلسل من اللقاءات.
التواصل القلبي والروحي، لا يبنى بكثرة الأيام ولا بالوقت المديد، التواصل الروحي هو تعادلٌ للروح، هو مرادفٌ للقلب. تتبين من أول اللقاءات أولى الكلمات والردود، فالروح تخاطب الأرواح بلغتها الخاصة، وتتعلق بحبلِ من الورود الصفراء، فإن عشَقَت روحك روحاً فاعلم أنها انتقت متاعها الأخير وملاذها الأزلي، لا تخدع نفسك فتقول سوف أعشق من جديد. وأحبه مع الوقت، وسوف تتجدد قلبيات تلك الروح، لا صدقني أنت كاذب، فالإنسان محتال ذو وجهين أمام ظاهره الجسدي وباطنه الروحي، يكذب بحرفة، كذباً متتالياً، فإن لم تلتقِ روحك بتلك الروح المقصودة بالشريك فهو ليس عديلك القلبي صدقني، كلنا نعلم ونصمت، فذلك المسمى بالصمت بدواخلنا يبكي أحياناً يحتاج لانتشاله من بؤرة النوم، يحتاج للتبني للتغني به، لا للتأني. وهكذا توالت الحوارات بينهما واجتذبته بثقافةٍ مختلفة عن العالم الواقعي، ثقافةُ الجمال، توطدت علاقتها أكثر وأكثر فباتت الشقاوة الحمراء تخرج منها لتغريه أكثر من دون قصد منها أبداً. فقط لراحةٍ أهداها إليها وهو لا يعلم بأنه جميلٌ أخضر، فدائماً ما تردد له كم أعشق الأخضر، وصدفة يشاء القدر لتكون عيناه خضراء البصيرة، فأسمته بداخلها الأخضر، فكلما تنطق له أحب الأخضر تقصده بــأحبك. الغريبُ أنهما تعاهدا منذُ البداية بأنهما صديقان بعمق، لا حب يوازي الغزل هنا بتاتاً، ولكن ما يُدس بين ثوانيهما من غيرةٍ حامية وعبارات سامية، واهتمام يوزن بثقلِ الحب وحده، واشتداد النقاشات والجدالات الكثيرة فيبتعدون ويعودون باحتراقٍ يفوق سابقه، وما يضحك بالأمر أنهما بعد كل هذه الأمور يقولون لبعضهما نحن أصدقاء فقـــط. سؤالي إليهم هل تعد الصداقة باللفظ أم بالتصرف؟ يتحدثون ويتعاملون كالأحباب بكل معاني الكلمات، إلا أنهم لا يتلفظونها بل يمارسونها بالخفاء عن أنفسهم يجهرون بحروف الصداقةِ لفظاً لا ممارسة. ولكن لنكن واقعيين نقرأ بالعقل لا الجهل، تلك الشقية المثقفة تكبر الأخضر الجميل بأربع سنوات!! فلا تراه حبيباً تحتمي تحته بل حبيباً تتسلى بوقته، ليس لعباً منها بل فعلاً تأنس معه وتتنفسه كالخليل بالثواني، ودائماً ما كان يكرر أمام مسمعها لا أكترث بالعمر ولا أؤمن به أساساً فهو رقمٌ لا أكثر، فتخيلي أننا لم نخترع الأرقام والتقيت بك هكذا، فهل سوف نؤمن بالكبر والصغر إن كنت صغيرة بالشكل والقلب!! وظاهراً يوحي شكلي بأنني أفوقك عمراً وأنت الصغيرة.. فتصمت حينها ولا تجيبه بشيء..
لم يكن حباً أو صداقة، لا أدري هل هما بصدد خلقِ مصطلحٍ جديد باللغة؟ ربما نعم فليس للغةِ نطاقٌ يذكر. ولا أعلم حتى أحكم بنفسي بهذا الصدد، هل العمر هنا يعد فعلاً عاملاً للفراق؟ وعدم صحة العلاقة! هل من المحرم عرفاً أن تتزوج هذه المرأة المذكورة بذاك الرجل!! وهل هما كاثنين قد يتقبلان هذا الأمر!! لا أعتقد فالرجل خلق رجلاً يكبر فلا يكبر، يظل طفلاً مهما طار الزمان، وتكبر المرأة قبله فتسبقه بالسن حتى ينفر منها جسداً ويهوى الصغيرة، لا أنتقص أو ألوم الرجل بشيءٍ هنا، بل أنطق بنهج خالق رب السماء، فقد خلق الرجل بهذه الطريقة، والدليل أن في الجنة ينعم الرجل بحوريات الجنة، وكلهن صغيرات بعمر الجمال بعمر بداية العشرينات، حيث إن الرجال بالجنة بعمر الثلاثينات والنساء كما أسلفت، فكيف لها أن تقبل هنا بأن تحبَ رجلاً يصغرها سناً لتكبر معه وتراه لا يرغبها بل وينظر إليها بالكبيرة، وتبصر ذاتها تذبل أمامه.
عشَقَتْ الأخضر واكتشفتْ أن ذاك الخضار ممنوعٌ مؤلم، والطامةُ أن كل ممنوعٍ مرغوب.
من القلــــب:
خذني داخل الحوش إبــ هالليل..
وشب الفنر.. وهات الهيل..
خلنه نفوح القهوة..
نسهر دهر بلا صحوه..
ونشربها بلا كيل..
خلنا بدار وحده..
نتغزل اب هالسهده..
إبــ هالليل.. إبــ هالليل..