خلال الأسبوع الماضي قدمت مملكة البحرين تقريرها الخاص بمتابعة التوصيات إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في جنيف خلال جلسة خاصة لمراجعة تقرير المملكة، للتأكد من تنفيذها التوصيات التي أوصى بها المجلس في الجلسة الرئيسة التي تمت خلال مايو 2012. فما هي المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان؟ وما هي النتائج التي تترتب عليها؟
مع تزايد الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان على المستوى العالمي، برزت الحاجة لابتكار آلية تضمن التأكد من التزامات الحكومات بهذه الاتفاقيات، والتأكد أيضاً من مدى احترام الدول لمبادئ حقوق الإنسان، فضلاً عن إمكانية محاسبتها عن أية انتهاكات قد تحدث.
ولذلك قرر مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في العام 2006 استحداث المراجعة الدورية الشاملة، بحيث تكون هي الآلية الدولية المعتمدة لتقييم التزام جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان.
وتعد المراجعة الدورية الشاملة بمثابة مجموعة عمل من 47 عضواً يتم اختيارهم في انتخابات سري، بحيث تتاح لكل دولة عضو في الأمم المتحدة تقديم تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان خلال جلسة المراجعة الدورية الشاملة التي تتم كل أربع سنوات، فمتى ما تمت مراجعة الدولة لتقريرها فإن المراجعة التالية تكون بعد أربع سنوات من المراجعة الأولى، وهكذا.
يبدأ الاستعداد للجلسة خلال فترة تتراوح ما بين 6 ـ 8 أشهر تسبق موعدها، بحيث يتم إعداد بعض الوثائق، وتقوم المفوضية السامية لحقوق الإنسان بإعداد تقارير حول أوضاع الدولة التي ستخضع للمراجعة، وذلك بالاستناد إلى مقرري الأمم المتحدة وهيئات المعاهدات والاتفاقيات الدولية، بالإضافة إلى مختلف التقارير الأخرى للأمم المتحدة. وتقوم المفوضية بالاستماع لآراء مؤسسات المجتمع المدني والأطراف الأخرى من داخل وخارج الدولة.
خلال جلسة المراجعة الدورية تقوم الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بتوجيه الأسئلة ومحاسبة إحدى الدول تباعاً، وذلك في حوار متبادل، وفي النهاية يتم تقديم التوصيات إلى حكومة الدولة التي يتم مناقشة تقريرها. وبعد ذلك في جلسة لاحقة يتم اعتماد بيان النتائج الذي يشمل قائمة بالتوصيات، وبيان التزام الدولة وتنفيذها لها.
وتتيح آلية المراجعة الفرصة للدولة الخاضعة للمساءلة الحقوقية الحصول على دعم فني وقانوني من المجلس أو حتى الدول الأعضاء الأخرى للاستفادة من خبراتها لتطوير قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الحقوقية الدولية.
من مزايا النظام الذي استحدثه مجلس حقوق الإنسان أنه يساهم على مساءلة ومحاسبة الدول التي تشهد انتهاكات حقوقية، كما إنها تتيح الفرصة ليس للحكومات فحسب لتقديم وجهات نظرها، بل تتيح الفرصة لمؤسسات المجتمع المدني بمختلف اتجاهاتها المشاركة في الجلسة ومحاسبة حكومتها فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
البحرين انتهت خلال العام 2012 من المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان في المجلس، سواءً في الجلسة الرئيسة التي تمت خلال شهر مايو الماضي، أو جلسة بيان النتائج التي كشفت مدى التزامها بالتوصيات وحرصها على تنفيذها خلال سبتمبر الجاري.
لا تعتبر هذه التجربة الأولى للمملكة، وإنما التجربة الثانية، حيث سبق أن خضعت لمراجعة دورية شاملة، وكانت ناجحة ومفيدة، حيث استطاعت المملكة خلال السنوات الأربع الماضية من تطوير قوانينها وأنظمتها في المجال الحقوقي.
واللافت أن اهتمام المملكة في تزايد مستمر بحقوق الإنسان، فمنذ إقامة حوار التوافق الوطني خلال صيف 2011 طرحت العديد من المرئيات لإجراء تعديلات جوهرية على النظام الحقوقي البحريني، وهو ما تم من خلال مجموعة من التشريعات، ومثالها التعديل على قانون العقوبات، وإقرار قانون حقوق الطفل، وغيرها من التشريعات الهامة التي أقرت، وبعضها مازال قيد الدرس.
كذلك أقرّت اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق مجموعة من التوصيات تدخل في إطار احترام حقوق الإنسان، ومنها تدريب رجال الأمن على احترام المبادئ الحقوقية، وإقرار عدد من مدونات السلوك، واستحداث مناصب رقابية خاصة في المؤسسات الأمنية.
أيضاً تم تطوير نظام تأسيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان لتتوافق مع مبادئ باريس، وهي المبادئ التي تم وضعها لضمان استقلالية الهيئات الوطنية لحقوق الإنسان عن الحكومات على المستوى العالمي.
أما على مستوى السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة، فقد استحدثت البحرين لأول مرة في دول مجلس التعاون الخليجي وزارة خاصة بحقوق الإنسان، لتكون هي الجهة التنفيذية المعنية بالتنسيق مع كافة مؤسسات الدولة، وخاصة الحكومية منها لضمان التزام الدولة بتعهداتها الدولية حقوقياً.
مملكة البحرين لم تشهد اهتماماً متزايداً بحقوق الإنسان مثل ما تشهده خلال السنوات الخمس الماضية، ومازالت. وبالنسبة لنتائج المراجعة الدورية لحقوق الإنسان في جنيف، فإنه لا تترتب على جلسة بيان النتائج أية التزامات، بل الالتزامات تتركز في تنفيذ التوصيات التي طرحت على المملكة خلال جلسة المراجعة الأولى، وهي توصيات وافقت الحكومة على معظمها، ونفذتها، وبعضها وافقت عليها ولكنها لم تنته من تنفيذها حتى الآن لارتباطها بالعملية التشريعية التي تستغرق وقتاً، وأيضاً هناك توصيات تحفظت عليها بسبب تعارضها مع سيادة الدولة، أو مع الشريعة الإسلامية.
نتائج جلسة المراجعة الدورية هامة لأنها تؤكد احترام المملكة لحقوق الإنسان، وحرصها على الوفاء بالتزاماتها الدولية التي قبلت بها طوعاً.