بقلم - د.سعد الله المحمدي: لقد جُبل الإنسان بفطرته السليمة من قديم الزمان على حبّ الأرض التي ينشأ ويترعرع عليها، حيث يتذكر تلك الأرض التي مسّ جلده ترابها ويشتاق إليها ويشعر بالمسؤولية تجاهها ويرغب أن يمنحها عطاءه وتفكيره، ويخدمها بما لديه من إمكانيات ومواهب حتى ترتفع رايتها خفاقة عالية في ميادين المجد والعطاء مصداقاً لقول الشاعر: وللأوطان في دم كلّ حر يد سلفت ودين مستحقّ ولا شك أن البحرين هي الأرض التي أول ما رأت عيوننا سهولها، وتغلغلت في نفوسنا أنسامها، عشقنا رمالها وبحرها حتى أصبحت “مثل الروح فينا تعيش”.. نروح عنها ليلاً ونهاراً ولكن قلوبنا معلقة بها مثل قلب الرضيع بأمه الحنونة، وملازمة الظل لصاحبه: كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبداً لأولّ منزل فالوطن أمانة، والوطن بمثابة الأم والوالدة، والوطن مسؤولية عظيمة في أعناقنا.. ندافع عنه ونذبّ عن حياضه.. ونقدّم مصالحه على مصالحنا الشخصية ومآربنا الذاتية، ونرضى بالموت في سبيله ولا نرضى بالمساومة عليه أبداً: ولي وطن آليت ألاّ أبيعه وألا أرى غيري له الدّهر مالكا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خاطب مكة المكرمة عندما أخرجه قومه منها فقال مخاطباً لها: “ما أطيبكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ”/ رواه الترمذي، مما يدلّ على أن الإسلام يحثّ الإنسان على حبّ الوطن بعد الانتماء لهذا الدين العظيم الذي ارتضاه الله ديناً لنا “ورضيت لكم الإسلام دينا”/ المائدة:3. والوطن في عصر العولمة أصبح رمزاً وعنواناً لكلّ مواطن.. تحبه القلوب وتهواه الأفئدة وتتحرّك لذكره المشاعر، ويعرف به الإنسان بين الأمم، ومن هنا فإن للوطن الذي نعيش على أرضه وننعم بخيراته حقوقاً وواجبات تتمثل في الحفاظ على مكتسباته وممتلكاته والحرص على تنويره وجهه الحضاري والمساهمة في بنائه والرقي به والدفاع عنه بالروح والنفس والعمل على تحقيق الخطة التنموية الشاملة لمستقبل البحرين العمراني الزاهر الواقف في صف الدول المتقدمة عام 2030م بمشيئة الله تعالى. ولا شك أننا جميعاً نكنّ حباً للبحرين يفوق الوصف لأنه موطن الإباء والآباء، والأجداد والعطاء.. وحبّه يجري مع كل قطرة دم في العروق، وصدق الشاعر المهندس إبراهيم عباد عندما خاطب البحرين بقوله: بحرينُ رأسٌ والخليجُ غطاؤُه فانْعَمْ بها يابنَ الخليفةِ واهْتِفِ بحرينُ درةُ والخليجُ خِباؤُها لا لن يـرامَ خباؤُكِ فَلْتَشـــْرُفِ فالبحرين أمانة لدى الجميع حكاماً ومحكومين أصحاب مناصب وأحزاب سياسية ومعارضة، الوطن للجميع والجميع سواء أمام القانون، وعلى الجميع أن يقدّم مصلحة الوطن فوق كل المصالح والانتماءات.. فإن كان الوطن كانت المناصب والأحزاب والمعارضة وغيرها، وإن لم يكن (لا قدر الله) لم تكن هناك مناصب ولا أحزاب ولا معارضة ولا غيرها، لأن الإنسان يمكن أن يتحقق أي شيء في بلد غيره ولا يمكن أن يكون صاحب قرار إلا في بلده كما يقول أحد الكتّاب المعاصرين. ولا شك أن أهل البحرين معروفون بالنخوة والنجدة والشهامة إلى جانب اللين والعطف والحنان، وهم يعيشون على هذه الأرض الطيبة التي قبلت الإسلام طوعاً وبالتالي فهم يحافظون على هذه الأمانة أباً عن جد رجالاً ونساء. ومن هنا يلزم علينا جميعاً أن نكون مدركين لجميع الأخطار التي تهدد أمن الوطن وأن نكون على مستوى عالٍ من أداء الأمانة حتى يتحقق فينا قول شاعر البحرين الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة مخاطباً: بها قوم إذا وثبوا لمجد تحقّق من وثوبهم المحال وإن قالوا على الأيام قولا رأيت القول تدعمه الفعال أذّلوا المستحيل وبوؤها من العليا على ما لا يُنال أوال أنتِ للأمجاد مهد تولّد في مرابضه النضال وذكركِ من قديم الدّهر غنّى به في موكبِ الدنيا الجلال سعيتِ إلى الحضارة من قديمٍ وهذا في الحياةِ هو الكمالُ