كتب-عبدالرحمن محمد أمين:
تعرفت على علي حسن المحميد قبل أن يسافر إلى أبوظبي ويستقر فيها. كان ذلك من خلال نادي شعلة الشباب الذي انضممت إليه عام1967. وكان علي في ذلك الوقت سكرتيراً للنادي ومن الأعضاء البارزين في النادي، وله نشاطات مختلفة. المحميد من مواليد المحرق في فريق بن خاطر الإثنين 8 فبراير1943 تعلّم القرآن على يد المطوع عيد. وفي عام 1950 قبل أن يلتحق بمدرسة المحرق التحضيرية الجنوبية، وكان مديرها آنذاك عبدالله المهزع وبعد سنتين انتقل للدراسة في مدرسة الهداية الخليفية الثانوية وتخرج منها عام 1956 بعدها التحق بمدرسة المنامة الثانوية. ومن ثمَّ ذهب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، واستقر فيها وأنجب فيها. وهو يؤكد هنا أن أبناء البحرين ساهموا بفعالية في النهضة التي تعيشها الإمارات. وفي السطور التالية يأخذنا المحميد في رحلة عمره متنقلاً من محطة إلى أخرى.
الحياة العملية
يبدأ المحميد حديثه بالحديث عن حياته العملية: بدأت في العمل قبل أن التحق بسلك التعليم عام 1965، في كل من إدارة المرور مدة قصيرة ثم عملت بمطار البحرين بشركة الراديو الدولية المحدودة، وكانت أول مدرسة التحقت بها هي المدرسة الشمالية الشرقية “خالد بن الوليد”لاحقاً. وكان مديرها إبراهيم السيد علي. بعدها انتقلت لمدرسة الخليل بن أحمد وكان مديرها محمد عبدالله جميل.
تأسيس نادي الشعلة
وحول نادي الشعلة يقول المحميد: تأسس نادي شعلة الشباب عام 1961، وكان من مؤسسيه الأخوين أحمد ومحمد المنصور والأخوين عبدالله وناصر بلال وعلي حسن الصادق، وكنت من المشاركين في التأسيس، وكان مقره في البداية في إحدى الشقق حتى تمَّ الانتقال إلى مقره المعروف. وكان اهتمام النادي ينصبُّ على الثقافة وبعض الألعاب الرياضية كرياضة حمل الأثقال وكمال الأجسام ورياضة تنس الطاولة. وقد اهتم النادي بالتمثيل، حيث كان له فرقة تمثيلية قدمت العديد من التمثيليات التي لاقت القبول والاستحسان. وكان من مؤسسي تلك الفرقة كل من الفنان راشد المعاودة والمرحوم محمد الماجد والمرحوم عبدالله الجميري، ومن الممثلين برز كل من إبراهيم الغانم وجاسم الزري وغيرهم الكثير. وكان الديكور من تصميم حسن النيباري وقد كان لي شخصياً بعض الأدوار في تلك التمثيليات وكانت بمثابة تجربة انتهت في حينها.
ويضيف: هذا بالنسبة للتمثيل أما بالنسبة للثقافة، فكنا نصدر مجلة شهرية باسم الشعلة تطبع على الآلة الكاتبة، وكنا نشترك في العديد من المجلات والصحف العربية. وكان لرياضة الأثقال وكمال الأجسام دور كبير، حيث قام النادي بإقامة عدة مسابقات، كما كنا نقيم مسابقات لتنس الطاولة قبل أن يكون للعبة اتحاد، وكنا في النادي نعرض بعض الهوايات الخاصة، وكنت أتنافس مع المرحوم إبراهيم بونوّار في عرض مثل تلك الهوايات، فكانت لي لوحة لجمع الطوابع ولوحة للنقود القديمة ولوحة لأنواع الكباريت “أعواد الثقاب”، وكانت كلها معروضة في مكتبة النادي، ولا أدري الآن مصيرها بعد دمج النادي.
الإقامه في أبوظبي
وحول الاستقرار في أبوظبي يقول المحميد: في العام 1968 كانت أبوظبي تطلب مدرسين من البحرين للعمل لديها، وتقدمت للعمل في أبوظبي وتمَّ قبول طلبي، وقد جرت العادة آنذاك أن نذهب إلى قصر الرفاع للسلام على أمير البلاد الراحل المغفور له بإذن الله الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، الذي كان يزودنا رحمة الله عليه بتوجيهاته ونصائحه ولا يحرمنا من كرمه السخي. وبعد وصولنا إلى أبوظبي وكان عددنا 68 مدرساً ومدرسة، وكان التعيين إما في العاصمة أبوظبي أو في مدينة العين التي تبعد عن أبوظبي حوالي 160 كيلومتراً. وكنت ممن وقع عليهم الاختيار ليكون في مدينة العين، وكان الطريق إلى العين آنذاك شاق وقد استغرقت رحلتنا إلى هناك في سيارة لاندروفر أكثر من 5 ساعات بين كثبان الرمال، ولولا براعة سائقنا العماني زاهر لكانت الساعات امتدت لأكثر من ذلك. وكان معي من الزملاء إبراهيم الحوطي، محمد مهنا الشايجي، سعيد جوهر، أحمد بوغمار، علي الغزال، علي بومجيد، سلمان ثاني، محمد مريد وعثمان الصقر. وقد سبقنا قبل ذلك إلى العين يوسف الأنصاري وسلطان السليطي وعلي المالود ومكي سرحان وعبدالجليل العريض والفنان خليفة العريفي وأمير قاسم. ومن العائلات كان معنا من إبراهيم حمود الصبحي، عيسى الجودر، جاسم الأمير، وقد عينت في مدرسة النهيانية.
تأليف البرامج
الإذاعية والتليفزيونية
أما بشأن الثقافة فيقول المحميد: كنت حريصاً كل الحرص منذ بداية حياتي على أن أنهل من الكتب قراءة وتحصيلاً، فكانت لدي مكتبة لا بأس بها وقد انصب اهتمامي كثيراً على تجميع وقراءة الكتب التي تقع تحت ناظري، ولدي بعض المخطوطات عن البحرين. وقد أصدرت كتاب تاريخ البحرين الحديث، فأنا مقلٌ في التأليف لظروف العمل، حيث إنني زاولت العمل الإداري بالتربية منذ عام 1971، فكنت مسؤولاً عن العلاقات العامة والإسكان ثم مديراً لمكتب وزير التربية والتعليم، وكان لعبدالله عمران تريم فضل كبير في إرسال العديد من البحرينيين للدراسة في الخارج، ثم أصبحت مديراً للإعلام التربوي والعلاقات العامة ورئيساً لتحرير مجلة التربية، وفي عام 1985انتقلت إلى مجال آخر وعمل آخر وهو الصناعة حتى تقاعدت عام 2005. أما الأنشطة الثقافية التي زاولتها فقد كان لي نشاط بارز في الإذاعة والتلفزيون في أبوظبي، حيث كنت أقوم بإعداد العديد من البرامج مثل البرنامج المنوع “من الألف إلى الياء” وبرنامج نادي الأطفال وكان يقدمه الأخ محمد ياسين “بابا ياسين” وبرنامج أوائل الطلبة في الإذاعة.
أهوى تنس الطاولة
ويضيف المحميد بشأن الرياضة: كنت أمارس رياضة تنس الطاولة والريشة، كما إني مارست كرة القدم بفريق النهضة “نادي البحرين حالياً” لكن لم أكن متميزاً مع الأسف، كما وكنت حارس مرمى نادي العين عام 1968، وكان معي من اللاعبين علي المالود وعلي عبدالرحمن بومجيد. وبعد تقاعدي عن العمل في 2005، فتحت لي مكتباً صغيراً أستقبل فيه أصدقائي ولا أزاول فيه أي عمل تجاري، كما ألتقي فيه ببعض الإخوة في أبوظبي، ولدينا مجالس مثل مجلس شملان عيسى ومجلس محمد جاسم الشروقي وللسفارة البحرينية مجلس كل ثلاثاء، لكني مقلٌ في الذهاب لتلك المجالس، حيث أقضي معظم وقتي بعد عودتي من مكتبي مع أولادي وأحفادي. فنحن في الإمارات نعيش في ود ووئام ولا يعكر صفو عيشنا شاذ ولا أفّاق ، فأهل الإمارات وشيوخها أُناس طيبون يحبون البحرينيين، كما أنه لا فرق لدينا سواء كنا في الإمارات أو في البحرين. فنحن سعداء بذلك.
120 ديناراً أول راتب نلته
يتذكر المحميد أن أول راتب تقاضاه في الإمارات كان 120 ديناراً، وكانت العملة السائدة آنذاك في أبوظبي هي عملة الدينار البحريني أما في دبي فيستعملون ريال قطر ودبي وباقي الإمارات فيستعملون إحدى العملتين. ويضيف: كان راتبي عندما غادرت البحرين هو 55 ديناراً، وكان الفرق في الراتب حافزاً كبيراً آنذاك، فلقد استطعت خلال عام واحد من توفير المبلغ اللازم للزواج والسفر في شهر العسل إلى أوروبا الشرقية، وكانت تلك الدول غير مسموح السفر إليها لأنها كانت من الدول الشيوعية، لكن الله سلّم ففي عودتنا لم ينتبهوا إلى جواز سفرنا.
عند وصولنا إلى أبوظبي لم يكن في العاصمة أبوظبي شوارع ولا بنايات ولا أشجار، عدا عدداً من أعجاز نخل خاوية لا تتجاوز أصابع اليدين، وكانت تحاط بالحجارة للمحافظة عليها، وكانت مدرسة النهيانية بالعين التي عينت بها، عبارة عن أكواخ من سعف النخيل وبعض الحجارة، وكنا نسكن بيوت لم يكن بها كهرباء ولا ماء، وذلك في العام الأول من وصولنا. وكنا نستحم في فلج الصاروج وهو عبارة عن مجرى ماء ينبع من داخل عمان ويجري في قنوات حتى مدينة العين وكانت هناك أفلاج أخرى.
ويتابع المحميد: إن إمارة أبوظبي وبفضل المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد، خطت خطوات جبّارة واضحة خلال سنوات قليلة تسبق مثيلاتها من دول المنطقة، والحديث عن النهضة في إمارة أبوظبي والإمارات الأخرى يطول، وما نشاهده الآن خير دليل على ذلك. وقد ساهم البحرينيون في تلك النهضة من البداية، فكان أول مدير بحريني للجمارك هو حسن شمس، وأول مدير بحريني للجوازات هو عبدالغفار محمد، وأول مدير للمعارف عبدالملك الحمر، ورئيس الديوان الأميري أحمد العبيدلي وكثيرين ممن ساهموا في تلك النهضة من أبناء المحمود والصباح. وكان والدي المرحوم حسن بن صالح المحميد عصامياً فقد التحق بسلك الشرطة في بداية قبول البحرينيين في العمل الشرطي، حيث كانت الشرطة قبل ذلك من الهنود والبلوش، وكان ذلك في نهاية الأربعينات من القرن الماضي، وتقاعد عن العمل في بداية الستينيات بسبب المرض وتوفى عام 1972، وكان والدي حازماً وذو هيبة، وبالمناسبة فلقد كان الشرطي والمدرس في تلك الأيام ذو هيبة ووقار وكان الجميع يحترمهم حتى أننا كنا ونحن صغار نتحاشى المرور في الطرق التي يمر فيها المعلم أو الشرطي، أما الآن فحدِّث ولا حرج.
عملت براتب 22 روبية
أما عن حياته الخاصة فيقول المحميد: لدي من الأبناء ثلاثة، ولدان وبنت وجميعهم متزوجين ويعملون في أبوظبي في وظائف محترمة، ولدي أيضاً من الأحفاد حتى الآن والحمد لله ستة، أكبرهم عبدالله الذي تخرج من الثانوية هذا العام .
من ناحية التكريم فلم أحظ بالتكريم في البحرين ربما بسبب غيابي وتواجدي الدائم في الإمارات، أما في أبوظبي فقد حظيت بالتقدير من جهات عديدة كالتربية والإعلام والداخلية، أما التقدير الأهم فهو حب الناس لي. ويضيف المحميد: عندما كنت طالباً عملت خلال العطلة الصيفية بوظيفة “تيل كلارك” لدى شركة الملاحة البحرية، وكنت أتقاضى يومياً مبلغاً وقدره 22 روبية، وكان المبلغ آنذاك كبيراً بالنسبة لنا، لكن العمل لم يكن يومياً، بل بحسب وصول بواخر البضائع إلى الميناء. وكان عملي تسجيل البضائع الواردة لكل تاجر. وبعد الدراسة الثانوية عملت في عدة جهات كما ذكرت سابقاً، كما حصلت على الشهادة التوجيهية عام 1966عن طريق الدراسة بالمنازل والشهادة الجامعية البكالوريوس في العلوم الإدارية عن طريق الدراسة بالانتساب الموجه بجامعة الإمارات العربية المتحدة والتي تأسست عام 1976. ويتذكر من الحوادث والطرائف في حياته:«عندما كنت مديراً لمكتب وزير التربية والتعليم، كنا في الرياض لحضور أحد اجتماعات وزراء التربية والتعليم بدول الخليج العربية، وكان من ضمن البرنامج المعد للوزراء مقابلة مع العاهل السعودي المغفور له بإذن الله الملك خالد بن عبدالعزيز طيّب الله ثراه، وكنت من ضمن الوفود التي تشرفت بالسلام على جلالته. وفي صبيحة اليوم التالي جاءني راشد شويطر من الوفد البحريني بإحدى الجرائد السعودية و أخبرني أن جميع الجرائد السعودية نشرت على صفحتها الأولى صورتي وأنا أصافح الملك خالد دون باقي الوزراء، والحقيقة كانت مفاجأة لي ومازلت أحتفظ ببعض تلك الصحف.