جعفر بن أبي طالب بن عبدالمطلب الهاشمي القرشي الملقب بجعفر الطيار، ابن عم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأخو الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. أسلم قبل دخول النبي دار الأرقم، وأسلمت معه في نفس اليوم زوجته أسماء بنت عميس، وهاجر الهجرتين، الحبشة والمدينة. وهو الذي أقنع نجاشي الحبشة باستقبال المسلمين المهاجرين. كان أحد القادة في معركة مؤتة حيث فَقَد فيها ذراعيه وقدميه، ثم استشهد. فأخبر الرسول أن الله قد أبدله بدلاً منها بجناحين يطير بهما في الجنة فسمّي بجعفر الطيار.
لما خاف الرسول على أصحابه اختار لهم الهجرة إلى الحبشة وأمرهم بالهجرة إليها، وقال لهم: “إن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق”، وخرج جعفر وأصحابه إلى الحبشة، فلما علمت قريش، أرسلت وراءهم عمرو بن العاص وعبدالله بن أبي ربيعة -وكانا لم يسلما بعد- وأرسلت معهما هدايا عظيمة إلى النجاشي ملك الحبشة، أملاً في أن يدفع إليهم جعفر وأصحابه فيرجعون بهم إلى مكة مرة ثانية ليردوهم عن دين الإسلام.
ووقف رسولا قريش عمرو وعبدالله أمام النجاشي فقالا له: “أيها الملك! إنه قد ضوى إلى بلادك غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك “المسيحية”، بل جاؤوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم، وأعمامهم، وعشائرهم لتردهم إليهم”. فلما انتهيا من كلامهما توجَّه النجاشي بوجهه ناحية المسلمين وسألهم: “ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، واستغنيتم به عن ديننا؟” فقام جعفر وتحدث إلى الملك باسم الإسلام والمسلمين قائلاً: “أيها الملك، إنا كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى عبادة الله وحده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، فصدقناه وآمنا به، فظلمنا قومنا وعذبونا ليردونا إلى عبادة الأوثان، فلما ظلمونا، وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نظلم عندك”، فقال النجاشي: “هل معك مما جاء به الله من شيء؟” فقال له جعفر: “نعم”، فقال النجاشي: “فاقرأه علي”. فقرأ جعفر من سورة مريم، فبكى النجاشي، ثم توجه إلى عمرو وعبدالله وقال لهما: “إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة “يقصد أن مصدر القرآن والإنجيل واحد، انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكما”.
فأخذ عمرو بن العاص يفكر في حيلة جديدة، فذهب في اليوم التالي إلى الملك وقال له: “أيها الملك، إنهم ليقولون في عيسى قولاً عظيماً، فاضطرب الأساقفة لما سمعوا هذه العبارة وطالبوا بدعوة المسلمين، فقال النجاشي: ماذا تقولون عن عيسى؟ فقال جعفر: نقول فيه ما جاءنا به نبينا “هو عبدالله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه. عند ذلك أعلن النجاشي أن هذا هو ما قاله عيسى عن نفسه، ثم قال للمسلمين: “اذهبوا، فأنتم آمنون بأرضي، ومن سبكم أو آذاكم فعليه ما يفعل”، ثم رد إلى قريش هداياهم.
وعاد جعفر والمسلمون من الحبشة بعد فتح خيبر مباشرة، ففرح الرسول فرحاً كبيراً وعانقه وهو يقول “ما أدرى بأيهما أنا أشد فرحاً، أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر؟”. وبنى له الرسول داراً بجوار المسجد ليقيم فيها هو وزوجته أسماء بنت عميس وأولادهما الثلاثة، محمد وعبدالله وعوف، وآخى بينه وبين معاذ بن جبل
وفي العام الثامن للهجرة، أرسل النبي جيشاً إلى الشام لقتال الروم، وجعل زيد بن حارثة أميراً على الجيش وقال: “عليكم بزيد بن حارثة، فإن أصيب زيد، فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة”. ودارت معركة رهيبة بين الفريقين عند مؤتة، وقتل زيد بن حارثة، فأخذ الراية جعفر، ومضى يقاتل في شجاعة وإقدام وسط صفوف الروم”.
وظل يقاتل حتى قطعت يمينه، فحمل الراية بشماله فقطعت هي الأخرى، فاحتضن الراية بعضديه حتى استشهد، وهو ابن 33 سنة. وله من الذكور 9 والعقب في 3 فقط.
ويوجد قبره في مدينة المزار الجنوبي في الكرك جنوب العاصمة الأردنية عمّان.