كتب - إبراهيم عبدالرحمن بن مطر: كانت العبرات “السفن الصغيرة”، التي تنقل أهالي البحرين من منطقة إلى أخرى، إحدى سمات الزمن الجميل في سنوات الخمسينات والستينات وحتى السبعينات. وكان الأهالي ينتقلون فيها وقلوبهم مشدودة لرؤية الأهل والأصدقاء. ومن المناطق التي شهدت هذه العبرات المحرق والمنامة وعراد. الرحلة من المحرق إلى المنامة وإلى عراد قبل أن يربط جزيرة المحرق بمدينة المنامة جسر الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة -طيب الله ثراه الذي افتتح العام 1940- كان الناس يتنقلون من المحرق إلى المنامة بواسطة العبرات “السفن الصغيرة”، وكانت هناك عبرات أخرى من المحرق إلى عراد وتحديداً في الصيف. إذ كان أهالي المحرق يصيفون في منطقة عراد في “عرشان” مصنوعة من سعف النخيل، مفردها “عريش”. وكذلك “البرستي” المصنوع من سعف النخيل. وبما أن عراد كانت في ذلك الوقت منطقة مفتوحة تطل على البحر من جهة الشمال والغرب، فهي باردة نسبياً وأبرد من المحرق التي تكتظ بالمنازل والبنايات. وكان تغييراً في حد ذاته أن تنتقل العائلات إلى هذا المصيف الذي يعتبر في وقته جميلاً ومتنفساً خصوصاً للأطفال. حيث اللعب في منطقة مفتوحة وآمنة، مع استنشاق الهواء العليل النظيف الخالي من التلوث. وكانت هناك باصات تنطلق من المحرق إلى عراد، والعكس خلال فترتي الصباح والمساء. إضافة إلى العبرات التي تنقل الركاب من فرضه فريج البنعلي شرق جنوب المحرق. وتبدأ العمل منذ الصباح إلى ما قبل مغيب الشمس، وتتوقف لتعاود في صباح اليوم التالي. «الجابور» و«البدعة» مصايف أهل البحرين قديماً لم يكن أهالي البحرين قادرين على السفر للخارج لقضاء عطلة الصيف في مصايف لبنان مثلاً كعالية وبحمدون وغيرها، اللهم بعض العائلات المقتدرة مادياً، وبعضهم كان يسافر إلى مصر وسوريا وإنجلترا “لندن”. لكن الأغلبية العظمى كانوا يصيفون في البحرين في مصايف أخرى مثل الجابور والبدعة، إضافة إلى عراد والزلاق والواسمية. بما أن البحرين جزيرة يحيط بها البحر من جميع الجهات فجميع المصايف في البحرين يوجد بها شواطئ، فكنت ترى الصبية يقومون بالسباحة واللعب في هذه المياه الزرقاء الجميلة، والبعض الآخر يمارس صيد السمك. وجميع أو أكثر المصايف في البحرين توجد بها بساتين بالقرب من السواحل مثل الجابور، البدعة، الزلاق وعراد. وكانت البحرين مشتهرة بكثرة بساتينها في جميع مدن وقرى البحرين وتسمى أم المليون نخلة. كانت هذه المصايف في الخمسينات والستينات وحتى السبعينيات من القرن الماضي، حيث لم تكن هناك مكيفات ووسائل للتبريد، إلا لدى قله من الناس. حياة بسيطة ونفوس كبيرة كانت الحياة بسيطة جداً فأهل البحرين أناس بسطاء طيبون أهل نخوه وشيمة “الهوب هوبك” أو كما يقول المثل الشعبي “طيح واجف”. كانوا يعيشون متحابين متساعدين كأُسرة واحدة، عيشة هنيئة لا يكدر صفوها شيء. يخافون الله سبحانه وتعالى ويمتثلون لأوامر الله ورسوله. لكن الأوضاع تغيرت وبسرعة، فعندما أعود بالذاكرة إلى الوراء قليلاً وأتذكر كيف كان الناس يعيشون في البحرين قبل عقود، يحزّ في نفسي ويعتصرني الألم على ما آل إليه الحال الآن! كانوا يعيشون في حب ووئام وأمن وسلام واطمئنان، الكل يحب لأخيه ما يحبه لنفسه كما قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. كان الناس في الفرجان إخوة متحابين متساعدين، الكل يهرع للمساعدة والقيام بالواجب، وحينما تحل مشكلة أو مصيبة كنت تجد الكل يفزعون لحل تلك المشكلة. الأطفال أكثر سعادة لم يكن ذلك حال الكبار وحسب، بل حتى الصبيان. فكنت تجدهم يلعبون مع بعضهم، وكذلك صغار الفتيات يلعبن مع بعضهن مسرورات لا قلق عليهن من أهاليهن لأن هناك احتراماً وتقديراً للكبير والصغير على حدٍ سواء. فكنت تشاهد الأطفال الأولاد والبنات يلعبون في الفرجان والابتسامة لا تفارق محياهم، يمارسون ألعاباً كثيرة منها الصعقير، التيلة، القيس، ضلالوه، الدوامة، والبلبول، الخشيشة، القيس، اللقفة، خلف يكي، كرة القدم، كرة الطائرة، كرة السلة.