^   هناك شبه إجماع بين من تناولوا أخطار البطالة وانعكاساتها، على أنها كما ورد في البحث القيم المشترك بين سعيدي يحي وبـوقـرة رابـح وقـريـن عـلي بجامعة المسيلة في الجزائر والموسوم “الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبطالة في الوطن العربي”، مشكلة ذات أبعاد متعددة؛ اقتصادية، ونفسية، واجتماعية، وأمنية، وسياسية. وأنها على الصعيد السياسي، كما يشير البحث، تصدر عن “بعض الفئات العاطلة والتي يكون قد نفذ صبرها ولم تعد تؤمن بالوعود والآمال المعطاة لها، وهي ترفع شعار التململ والتمرد، ومع ذلك لا يمكن لومها ولكن لا يعني ذلك تشجيعها على المس بممتلكات الوطن وأمنه، ولكن لابد أن نلتمس لهم العذر،.. كما إن سياسة العنف المفرط في مقابل حركة العاطلين لا تخلق إلا المزيد من العنف والاضطراب وتفاقم الأزمة”. وتحذر كثير من الإحصاءات العلمية الآثار السيئة العميقة التي تتركها البطالة على الصحة على المستويين البدني والنفسي إذ “إن نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل يفتقدون تقدير الذات ويشعرون بالفشل وأنهم أقل من غيرهم، كما وجد أن نسبة منهم يسيطر عليها الملل وأن يقظتهم العقلية والجسمية منخفضة وأن البطالة تعيق عملية النمو النفسي بالنسبة للشباب الذين ما زالوا في مرحلة النمو النفسي”. ما يضاعف من خطورة البطالة في صفوف الشباب هو كون غالبية هؤلاء العاطلين عن العمل، كما يقول التقرير الاقتصادي العربي الموحد الصادر في سبتمبر 2005 هم “من الداخلين الجدد في سوق العمل، أي من الشباب، ويمثل هؤلاء تقريباً ثلاثة أرباع العاطلين عن العمل في دولة البحرين و84% في الكويت، وما يزيد على الثلثين في مصر والجزائر. أما معدلات البطالة بين الشباب نسبة إلى القوى العاملة الشابة فقد تجاوزت 60% في مصر والأردن وسورية وفلسطين و40% في تونس والمغرب والجزائر”. هذا ما يدفع الأمم المتحدة إلى التحذير “من ارتفاع البطالة حول العالم إلى معدلات قياسية بلغت حوالي 186 مليون عاطل”، مستندة في ذلك إلى التقرير الذي أعدته منظمة العمل الدولية والمشير إلى أن “العديد من العوامل التي لعبت دوراً مؤثراً في ارتفاع مؤشرات البطالة إلى 6.2% من إجمالي القوة العاملة في العالم، مشدداً أهمية خلق حوالي 8 مليون وظيفة جديدة خلال الـ 12 عاماً المقبلة في دول جنوب الصحراء الأفريقية، وإلا فإن الأهداف التي وضعتها قمة الألفية عام 2000 بتحقيق نسبة سكان العالم الذين يعيشون عند خط الفقر إلى النصف بحلول عام 2015 لن تتحقق”. وعلى المستوى العربي أيضاً يتوقع الباحث الاقتصادي أحمد العثيم في دراسته المعنونة “مشكلة البطالة في الوطن العربي.. الآثار والحلول” أن يبلغ “عدد العاطلين عن العمل في العالم العربي حوالي 22 مليون عاطل من إجمالي قوى عاملة يبلغ نحو 120 مليون عامل، يضاف إليهم سنوياً 3 ملايين و 400 ألف عامل سنوياً، في ضوء حقيقة مفادها أنّ 60% تقريباً من سكان البلاد العربية دون سن الـ 25 سنة ( أي من الشباب)، وهو الأمر الذي يتوقّع معه أن يصل عدد العاطلين عن العمل في العام 2025 إلى حوالي 80 مليون عاطل، مما يتطلّب ضخ نحو 70 مليار دولار لرفع معدّلات النمو الاقتصادي في الدول العربية، وذلك لخلق ما لا يقل عن 5 ملايين فرصة عمل سنوياً”. لكل ذلك، أصبح الكثير من الباحثين العرب، ومن بينهم الوافي الطيب وبهلول لطيفة، من جامعة تبسة، في بحثهما المشترك الموسوم “البطالة في الوطن العربي.. أسباب وتحديات”، يذهبان إلى حد اعتبار “البطالة من أشد المخاطر التي تهدد استقرار وتماسك المجتمعات العربية”، ويجتهدان في البحث عن أسبابها، لتشخيص الرئيسة من بينها، والتي يمكن حصر الأهم منها في النقاط التالية: “إخفاق خطط التنمية الاقتصادية في البلدان العربية ؛ وسرعة نمو قوة العمل العربية سنوياً؛ وانخفاض الطلب على العمالة العربية عربياً ودولياً”. بالقدر ذاته يحذر المدير العام لمنظمة العمل العربية إبراهيم قويدر من المستقبل المظلم الذي يتربص بالمنطقة العربية، إن هي لم تتصدَ لمشكلة البطالة بين الشباب، حيث يتوقع قويدار أن “عدد سكان الوطن العربي الذي يتجاوز حالياً 340 مليون نسمة، سيرتفع إلى 482.8 مليون نسمة بحلول العام 2025 وهذا يتطلب توفير فرص عمل تواكب هذه الزيادة، وأن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحاجة إلى 100 مليون فرصة عمل جديدة بحلول العام 2020 لمواجهة مشكلة البطالة التي تسجل معدلات مرتفعة جداً في دول هذه المنطقة”. ما يدلل على عمق المشكلة وخطورتها حتى على الصعيد العالمي هو مبادرة دول متقدمة مثل ألمانيا التي عانت وما تزال من مشكلات البطالة (10% من القوة العاملة) إلى البحث عن حلول استراتيجية ومجدية تحصنها ضد تلك المشكلة أو تقلل من غلوائها، فوجدناها تهاجم هذه الظاهرة الخطيرة من مدخل تعليمي، فأدخلت ما يطلق مدير قسم سياسات سوق العمل في “معهد مستقبل العمل /IZA” هيلمار شنايدر اسم “نظام التعليم المزدوج”، الذي تعتمده أيضاً دول أخرى مثل أستراليا، والذي “يقدم لأكثر من 50% من الشباب الألماني فرصة الدراسة الأكاديمية إضافة لفرص التدريب العملي في الشركات خلال الدراسة، وهكذا يتخرج الشباب بشهادة أكاديمية وخبرة عملية في نفس الوقت، بدلاً من قضاء الوقت خلال سنوات التعليم العالي فقط في حضور المحاضرات النظرية في القاعات. وتعطي فترة التدريب هذه فرصة أمام الشركات للتعرف على المتدربين وتقدير كفاءاتهم وقدراتهم على العمل والإبداع. وبفضل ذلك يُمكن لأرباب العمل الحد من مخاطر توفير أماكن العمل لأشخاص غير مناسبين”. بطبيعة الحال، ليس المقصود هنا الترويج للنموذج الألماني، لتشجيع نقله بشكل أعمى، فهناك تجارب ناجحة أخرى في دول كبيرة مثل اليابان، وصغيرة مثل سنغافورة التي تقل نسبة البطالة فيهما، وفي صفوف الشباب، وكما تتحدث عنها تقارير دولية مثل البنك الدولي، عن ما بين (5-6%). المطلوب هنا دراسة تلك التجارب، واستيعاب جوهرها، ومن ثم دراسة ما يمكن أن يأخذه العرب منها. مما لا شك فيه أن ما أصبح يعرف باسم “الربيع العربي”، الذي ما يزال الوقت مبكراً بعض الشيء للدخول في محاولة تقويم نتائجه، يشكل علامة فارقة في تاريخ تطور المنطقة العربية، وطالما أن الشباب كان وقوده الأساسي، وبما أن مشكلة البطالة هي اليوم بين الشباب، كما يجمع على ذلك من تصدى لتقويم ذلك الربيع، فمن الأجدى أن ننتبه وفي وقت مبكر، هذا إن لم نكن متأخرين أصلاً، إلى مشكلة البطالة في صفوف الشباب العربي، فلربما تحتاج هي وحدها إلى ربيع من نوع آخر، يحول دون اندلاع نيرانها في وقت نكون غير مهيئين له، ولا معالجة تداعياته، التي تشير الأرقام التي أوردناها أنها ربما تكون مدمرة، ما لم نبدأ في عمليات تحصين المجتمع باللقاحات المناسبة المضادة لها