كتبت - شيخة العسم:
الزج بالأطفال للشارع واستغلالهم سياسياً ثم التباكي عليهم وعلى مستقبلهم؛ أمر متناقض!. لكنه يحدث في مملكة البحرين.
لقد أصدرت منظمات إقليمية ودولية معنية بحقوق الإنسان في مجال الطفل مؤخراً، بياناً مشتركاً أكّدت فيه وجود انتهاكات جسيمة تمارس بحق أطفال البحرين من قبل جمعيات دينية وسياسية وجماعات متطرفة مدعومة من تيارات المعارضة البحرينية داخل البحرين وخارجها. وقالت المنظمات إن الأطفال يتم استغلالهم بشكل غير إنساني من قبل جمعيات وجماعات متطرفة، وذلك يتناقض مع أبسط حقوق الأطفال وأبجديات القيم الإنسانية وقيم المجتمع العربي والإسلامي. فإلى أين نسير، وإلى أي مدى تدرك المجتمع بمن فيه من أفراد وأسر خطورة الوضع؟!
تقول عضو مجلس الشورى دلال الزايد: عندما نتحدث عن إقحام الطفل في الشارع باسم السياسة، نتحدث عن حقوق الطفل نفسه ومستقبله. إن المجتمع يدرك أبعاد وخطورة وجود أطفال وشباب يرمون المولوتوف ويحرقون الإطارات في الشارع وأثر ذلك على المجتمع، إلا أن هناك مشكلة أكبر وهي الطفل نفسه الذي يقوم بهذه الأفعال دون إدراك منه لخطورة ما يقوم به.
وتضيف الزايد: لدينا في المملكة منظومة تشريعية متكاملة، تستمد من الشريعة الإسلامية ومن القوانين الدولية، إلا أننا نحتاج إلى تفعيل هذه القوانين، إذ ينتهي دور المشرع بتشريع القوانين، ليأتي دور الرقابة والسلطة التنفيذية. والنواب لهم دور رقابي بموجب صلاحياتهم الدستورية؛ لذلك أقول كفانا مطالبات! لماذا لا يتابع النواب الوزارات وما ينجز من مواد؟ لماذا لا تتم المحاسبة على التقصير؟!.
وتتابع الزايد: قد يتسبب وجود الأطفال بالشوارع في الوفاة لهم ولغيرهم من المارين السلميين أو الأجانب، وهناك كثير من شكاوى المواطنين تستدعي محاسبة المسؤول بغض النظر عن سنه، فإن المسألة أصبحت استهدافاً للمواطنين. لماذا لا يتم ذلك؟! في بريطانيا يعاقب كل من يستهدف أمن المواطنين بغض النظر عن سنه. ثم لماذا لا توضع أجهزة في المناطق التخريبية ترصد الأجسام الحارة؟! إن في ذلك حماية لرجال الشرطة الذين يسهرون على راحتنا وقد سقط منهم وسيقسط الكثيرون”.
فلذات مغرّر بها
من جانبه يدعو رئيس جمعية شباب المستقبل صباح الزياني، جميع الأطياف السياسية للوقوف صفاً واحداً إلى جانب الطفل وحقوقه، مشيراً إلى أنه ومنذ بداية الأزمة التي مرت بها البحرين وحتى يومنا الحاضر، نشاهد استغلال الأطفال، حيث غرّر بهم في أمور سياسية بحتة دون النظر لكونهم أطفالاً.
ويضيف الزياني: لقد قامت الجمعيات الأهلية بدورها في إصدار بيان بمشاركة 40 جمعية أهلية، ونحن كجمعية لم نوقع على البيان قبل التأكيد على بندين؛ الأول حماية الأطفال من زجهم في المعترك السياسي واستغلالهم، والثاني تمتعهم بحقوقهم كالحقوق التعليمية والصحية، وهما أهم بندين يمكن أن يتمتع بهما الأطفال. كما قمنا في “المستقبل” بمبادرة “ابتسامة” اشتملت على مسابقات تقام في المجمعات وأمسيات شعرية ونشاطات رياضية.
وحول العلاج المناسب يقول الزياني: نحن نحتاج إلى الأفعال وليس ترديد الكلام، وعلى الشباب بالذات أن يكونوا نموذجاً مشرفاً يقتدي به صغار السن. كيف لنا أن نتوقع من الأطفال فعل الصواب ونحن نقوم بالخطأ؟! علينا أن نريهم كيف هو العيش بسلمية دون تطرف أو تفريق.
قنبلة موقوتة
ومن جهته يؤكد رئيس قسم علم النفس بجامعة البحرين د. شمسان المناعي خطورة ظاهرة استغلال الأطفال والزج بهم في التخريب والعنف في الشارع وترويع الآمنين، مبيناً أن الطفل في هذه المرحلة لا يدرك، كما إنه يجهل الأفعال التخريبية الذي يقوم بها، ما يسهّل خداعه، لتنعكس عليه هذه الأفعال وتؤثر في شخصيته ويتحول إلى عدواني يتولد عنده الحقد والكراهية، وبالتالي لا تنمو شخصيته بشكل سوي وطبيعي مثل بقية الأطفال.
ويواصل د. شمسان قائلاً: مثل هذا الطفل يخرج مبرمجاً تم عمل “غسيل دماغ” له، بوجوده في مناخ الحراك السياسي، الذي لا يراعي حقوقه كطفل سواء من قبل المنابر والمساجد وحتى في محيط الأسرة. إذ يتفق علماء النفس جميعاً أن الطفل يكتسب أول خطوة بشأن سلوكه واتجاهاته وقيمه من أسرته، فما يقوم به الأطفال والشباب من حرق وتخريب إنما هو سلوك عدواني اكتسبوه من أسرهم، التي تزرع في أذهانهم منذ الصغر العدوانية والكراهية للمجتمع والبلد منذ نعومة أظافرهم. وهذا هو ما تمارسه أيضاً دور العبادات والمؤسسات التي تدعم هذا الفكر، وبالتالي تنصاع لها الأسر وتقوم بتربية أبنائها عليها.
ويتابع د. شمسان: إن إحساس الطفل منذ الصغر بأنه مظلوم وأنه مسلوب الحق وأن أرضه مغتصبة وما إلى ذلك؛ يجعله حاقداً على من يزعمون أنهم يسلبونه حقه. وهذه ثقافة يعيشها الطفل وتتسبب له في العدوانية، لهذا نجد أن هؤلاء الأطفال يقومون بأعمال عنف وتخريب بسبب توجيه أسرهم لثقافة المظلومية وما إلى ذلك، فيكون الطفل مستعداً كل الاستعداد لتقديم أي فعل من الممكن أن يرجع له حقه وينتصر على الظالم. وأيضاً الكلمات العدوانية التي أطلقها بعض المشايخ مثل كلمة «اسحقوهم» كان لها رد فعل إيجابية مبهرة، وكأن عقول المستجيبين مخدرة، وهذا يمثل الدور السلبي لشيوخ المنابر. لتتولد منذ الصغر عند الطفل شخصية عدوانية متعصبة ضد المجتمع، اتجاهاتها غير وطنية وغير إيجابية. فإن الطفل لديه الاستعداد الكامل لاكتساب هذا السلوك من قبل والديه والمحيطين به، فيصبح كما لو أنه قنبلة موقوتة، عندها يصبح ضحية سياسية لأغراض غير شريفة.
أي أم أنت!
من ناحيتها تتساءل الأخصائية الاجتماعية أمينة السندي عن دور الأسرة والأم على وجه الخصوص في ثني ولدها عن الخروج للشارع ومواجهة الشرطة وربما فقدته حتى!.
وتضيف السندي إن المبالغ مهما كانت طائلة أو مغرية لا تعوض عن الطفل، كما لا تعوض ضياع مستقبله! فهناك من دخل السجن، فكيف له أن يكمل دراسته ويبني مستقبله؟! هذه عوامل تؤثر في مستقبل الطفل، وأتمنى على الوالدين أن يعيا ذلك، وأن لا يتركا فلذة أكبادهما مطية لرغبات سياسية ولأهداف لن تتحقق.