^ قال الصديق: ألا ترى أن النزعات المعادية للوحدة الخليجية أو حتى لمجرد الإعلان عن الاتحاد كفكرة، قد أطلت هذه المرة بالتنسيق والتناسق مع الخطاب الإيراني الموتور المتوتر، فكيف تفسر هذا التزامن والتناسق العجيب في التوقيت والإيقاع واللغة والمبررات؟ قلت: النزعات الطائفية في الداخل انعزالية بطبيعتها فكراً وتنظيماً ورؤية وتخطيطاً، ولذلك لا مانع لديها من أن تستجلب الخارج إلى الداخل وخلط الأوراق انسجاماً مع طبيعة الروابط الطائفية التي تتناقض بالضرورة مع الروابط الوطنية والقومية، لأن طبيعة هويتها تتجاوز البعدين الوطني والقومي معاً، وقد كان هذا الأمر واضحاً جلياً، ليس في موضوع الاتحاد فحسب، بل في كافة الموضوعات السياسية الأخرى، ويكفي أن تقرأ التناظر العجيب على الصعيد الإعلامي بين الفضائيات الإيرانية وفضائيات حزب الله في لبنان وفضائيات مماثلة في العراق، حتى تتكشف لك نفس اللغة، نفس الأجندة، نفس المواقف والانحيازات، والتي لا علاقة لها بالوطنية ولا بالقومية العربية. قال: أليس عجيباً غريباً أن تتحدث هذه القوى مجتمعة في موضوع الاتحاد بلغة ومبررات تؤكد على السيادة الوطنية وعلى الديمقراطية والإصلاح؟ قلت: القوى الطائفية تحاول أن تتلبس بخطاب “ديمقراطي” تعلم- هي قبل غيرها- أنه مزيف زائف لتبرير التنصل من متطلبات المواطنة ومستلزمات الهوية الوطنية والقومية، لأنها تنصلت بمجرد انحيازها الطائفي عن كافة الثوابت العربية، فما بالك بالاتحاد الخليجي المرتقب. فنظراً لاستئساد القوى الدينية الطائفية على الساحة الوطنية، كان من الطبيعي أن ترتفع الأصوات الطائفية ويزداد تأثيرها، وتختفي مع انتشارها مساحات الحرية والتنوع والتعددية وتتجه تدريجياً نحو نوع من الفاشية القاسية المقدسة التي لا يمكنك حتى أن ترفع الصوت في وجهها. قال: وأين هو دور النخب المثقفة في مواجهة هذا الزيف والتزييف؟ لماذا يصمت المثقفون ويتركون الساحة لهؤلاء الطائفيين في موضوع الاتحاد وفي غيره من الموضوعات المصيرية الأخرى؟ قلت: لقد تم في العقود الماضية تهميش المثقفين والحد من فعاليتهم ولذلك تجدهم اليوم منعزلين وأصواتهم منخفضة، وهذا خطأ الأنظمة والحكومات التي لم ترفع من شأن المثقف ولم تقربه فظل هامشياً مهمشاً، وقد آن الأوان اليوم لاستعادة دور النخب المثقفة بفتح أبواب التعاون معها وتقديم الدعم لها فيما تطرحه من تصورات وطموحات وجعلهم في قلب التغيير والإصلاح والطموح والحلم. فمن أكبر التحديات المطروحة أمام المجتمعات الخليجية أهمية العناية بالثقافة وتشجيع أهلها وتوفير الأسس الضرورية لنمو الحركة الثقافية والإبداعية وتوفير الأطر القانونية والمعنوية الملائمة لانطلاق المثقفين وخروجهم من العزلة والهروب والتقليد ومن الانكماش... فأنت اليوم وعندما تتصفح الموقع الإلكتروني لمجلس التعاون الخليجي، وتستعرض المواد الكثيفة الموجودة في الموقع، تكتشف بكل وضوح أن كل شيء له حضور بارز: السياسة، الاقتصاد، الأمن، التجارة، والتربية إلا الثقافة، فلا هي في الأبواب، ولا هي في المتن ولا هي في الحواشي، وحتى عندما تتصفح مطبوعات الأمانة العامة، وهي عديدة، فإنك تجد الثقافة فيها هامشاً ضيقاً، فالدراسات في مجملها تركز على الأمن والسياسة والنفط والصناعة والتعليم والاتفاقيات وشؤون الجمارك وغيرها.. أما الفكر والثقافة والإبداع والأدباء والكتاب والفنانين فيأتون في مراتب متأخرة من الاهتمام، فلماذا تغيب الثقافة أو لماذا تظل هامشاً صغيراً في أي نشاط مشترك؟ وهل معنى ذلك أنها غير مهمة في بناء هذا الكيان الاتحادي؟ ، ولذلك يصعب اليوم أن تطلب من المثقف أن ينهض بدوره الريادي وهو مهمش وضائع. إن الحضور (الثقافي) ظل باهتاً أو مهمشاً على مستوى المضمون والمحتوى، حيث اقتصرت الخطط التنموية المتتالية على تحديد المؤشرات الكمية في جانب واحد من جوانب العملية الثقافية، وهو البنية التعليمية، في حين يجب أن تكون الثقافة في صلب عملية الاتحاد، وهذا ما حصل بالفعل في الاتحاد الأوروبي، فالمثقفون والباحثون والأدباء والفنانون ورجال المسرح والصحافة وغيرهم في مقدمة القوى الاتحادية مكانة ودوراً وفاعلية، ولذلك هم أول من يدافع عن الاتحاد ويحميه ودورهم لا يقل أهمية عن دور الجيوش.