كتبت - عايدة البلوشي: اعتاد الشباب على الخروج ليلاً حتى ساعات متأخرة من الليل، وسط قلق أسرهم، فالأم تقف حائرة من اتصال إلى آخر، تتساءل متى يعود، والأب ينتظر حائراً عند باب البيت، حتى إذا الشباب حاوره بهدوء أحياناً، وعنفه وهدده بالعقاب تارة أخرى. فما هو الفاصل بين حرية الشاب واستهتارهم؟! وهل من حق الأبوين إجبار أبنائهم على مواقيت محددة للدخول والخروج؟ يقول أحد الشباب سلمان عبدالله: الخروج حتى وقت متأخر من الليل لا يعد مشكلة، فالشاب يجلس بصحبة أصدقائه! فأين المشكلة؟، هؤلاء الأصدقاء نأكل ونلعب معهم، منذ أن كنا على مقاعد المدارس، وهم بمثابة إخوان وليس أصدقاء وحسب. ويضيف: الشباب يرغبون كثيراً بالتجمعات الشبابية والأحاديث المتبادلة، والوقوف بوجه الشاب ووضع قيود على خروجه ودخوله البيت أمر غير مقبول، من شأنه أن يسبب له توتراً وكآبة غير مبررة. ويعلق أحمد سعد (20 سنة): لم أشعر بحريتي إلا بعد دخولي الجامعة، أخرج من البيت ولا أعود له إلا بعد الواحدة مساء. قبل الجامعة كنت أدخل في جدل مع الأهل لرفضهم أسلوب حياتي، فكانوا يصرّون على أن لا أتعدى الثامنة مساء. واليوم ورغم أني أحتفظ بحريتي وأحترم قناعات الآخرين، لاتزال أمي تتصل بي لكي أرجع للبيت، وكذلك أمي. السيارة عقّدت الأمور من جانبها تشير الأم مريم حسن إلى تعقد الأمور بينها وبين ولدها بعد نيله رخصة القيادة. وتضيف حسن: غياب ولدي عن البيت يقلقني، فبعد بلوغه التاسعة عشرة حصل على رخصة القيادة وبدأت بذلك معاناتي. فبعد أن كان قريباً مني صار لا يهتم بي ولا بأبيه، فهو يخرج ويرجع للبيت متى شاء، وعندما أسأله يقول إنه في السينما، وأحياناً مع أصدقائه، وعندما أبدي له خوفي يقول “كل الناس برع.. انتوا متخلفين”، ويضرب المثل بابن عمه، وهو الآخر يكذب على أمه. وتؤكد حسن أنها ليست ضد فكرة الترفيه والخروج مع الأصدقاء وتكوين شبكة من العلاقات الاجتماعية لكن “أليس من حقنا أن نخشى عليه؟ ماذا لو حدث له مكروه لا قدر الله، كل هذه الأمور لا يدركها الولد ويقول إنتوا مكبرين الموضوع!. لقد حاول والده أن يتدخل بالحوار والحديث اللين، ثم بنبره حادة فأخذ يردد “آنه مب ياهل”، ونحن اليوم في حيرة، لا نستطيع فعل شيء. جيل بلا إحساسمن ناحيته يعبر إبراهيم حسن -أب لولدين وابنتين- عن دهشته لأخلاق شباب اليوم، الذين يتركون آباءهم في خوف وقلق، دون أن تتحرك مشاعرهم تجاههم. ويوضح حسن: تبدأ معاناتي مع ولدي عند العاشرة مساء، بمتابعته بالهاتف “الو.. وينك” وردّه الجاهز دائماً؛ سأعود بعد خمس دقائق. أنتظر ساعة كاملة أعاود الاتصال به فيرد “خمس دقائق.. زحمة.. سأعود”، أغلق الهاتف متوتراً وأنتظر عند باب المنزل، وبعد ربع ساعة أتصل فيرد “دقائق بس” أنتظر وأعاود الاتصال. أتصل به أكثر من 10 مرات، وأتعرض للتعب النفسي والتوتر والإرهاق، لأنني لا أستطيع النوم قبل عودته، وهو على عادته لا يعود إلا بعد منتصف الليل، ويجب أن أستيقظ مبكراً للعمل. فجوة الأجيال أحد الأسبابمن جهته يشير د. شمسان المناعي من قسم علم النفس بجامعة البحرين إلى أسباب عدة لظاهرة خروج الشباب من المنزل حتى منتصف الليل، تأتي في مقدمتها ما يسمى بفجوة الأجيال، مبيناً أن هناك فجوة بين الأبناء والآباء، فالآباء لا يفهمون حاجات أبنائهم وما يريدون، ولا يستمعون لهم في كثير من الأحيان، والشاب لا يجد من يبادله أطراف الحديث في محيطه “المنزل”، وبالتالي يحتاج إلى من يسمع له. ويبين د. شمسان أن هذه المشكلة تعاني منها معظم الأسر، في ظل تغيرات أسلوب الحياة والظروف المعيشية، فنجد فئة الشاب خاصة ما بين الفئة العمرية (18-21)، لكن هذا لا يعني أن هذه الظاهرة أو المشكلة الاجتماعية تنحصر في هذه الفئة العمرية، فهناك شباب تجاوز الخامسة والعشرين ومنهم من دخل في حياة اجتماعية جديدة وتزوج مازال يقضي ليله خارج المنزل، إلا أننا هنا بصدد الحديث عن الفئة العمرية ما بين (18-21) سنة، فهذه ظاهرة اجتماعية لها تبعات ونتائج وخيمة تعود على الشاب نفسه والأسرة وبالتالي المجتمع. ويلفت شمسان إلى أنه من ضمن عوامل وأسباب هذه الظاهرة البيئة المنزلية، فهي من عوامل الطرد الشاب من المنزل، فقد تكون هناك خلافات بين الأبوين وأحياناً ضغط الوالدين على الابن في البيت من خلال سؤالهم المكثف أو الدائم وبصورة غير مناسبة عن العمل والدراسة و.. الخ، هذا إضافةً إلى أن البيئة الخارجية قد توجد بها مغريات منها دور السينما والمقاهي والمجمعات، ومن هنا قد يفضل الشاب قضاء معظم وقته في هذه الأماكن الترفيهية وبين أصدقائه. ويبين د. شمسان أن تبعات هذه الظاهرة الاجتماعية خطيرة، لأننا بالفعل نجد شبابنا خارج المنزل حتى منتصف الليل، وأغلب الأسر في معاناة بسبب أنهم لا يعرفون ما يقوم به الشاب حتى هذه الساعات خارج محيط المنزل، بالتالي تعيش الأم في قلق والأب بدوره يكون أيضاً في توتر وقلق، فتجده تارة ينصح وتارة يصرخ عليه، وكل هذه الانفعالات من باب خوفهم على ابنهم، لكنهم في كثير من الأحيان لا يعرفون كيف يتعاملون مع ابنهم. وأيضاً من تبعات المشكلة أن ينجرف الابن مع مجموعة “شلة” الأصدقاء السوء لا نعلم طريقهم المجهول، بالتالي يسير معهم إلى الهاوية لأنهم يمثلون جماعة مرجعية له فهم من يفهمونه ويرشدونه، بالتالي أعتقد أن دور الأسرة يجب أن يكون دوراً فعالاً وأن يكون المنزل عنصر جذب لا طرد للشباب. كما يجب على الآباء والأمهات، أن يعون أن جيل اليوم ليس كالأمس، فالشاب اليوم يريد الاستقلالية ويرفض التبعية، فالمجتمع لم يعد كالسابق حيث يخرج الولد من البيت إلى المدرسة ويكون نوعاً ما تابعاً لوالديه. فشاب اليوم يفكر ويقرر ويحدد ويرفض، بالتالي يجب أن يكون الأب بمثابة الصديق لابنه، ولا يستخدم معه أسلوب الأوامر والنواهي الذي يرفضه الجيل الجديد. وهنا يجب أن نؤكد دور الآباء في تعزيز علاقتهم مع أبنائهم، وتكوين علاقة طيبة تبنى على أساس الصداقة والمحبة.