كتبت - إيمان الخاجة:
رضيت بالقضاء والقدر، ورضيت بنصيبها وما كتبه الله لها، فما كان منها إلا أن تعيش حياتها وتواجهها دون أن تلتفت إلى الوراء، فالإعاقة أو المرض ليسا سبباً لجعل الإنسان عاجزاً عن التفكير والعطاء وتحقيق طموحه وأحلامه، فواصلت مشوارها وأكملت دراستها ولم يتوقف طموحها عند حد معين، بل مازال فيه المزيد، إنها نورة أحمد الرميحي ( 28سنة) خريجة بكالوريوس إدارة أعمال من جامعة نيويورك للتكنولوجيا، وموظفة في بيت التمويل الكويتي في قسم الرقابة المالية منذ 5 سنوات.
ولدت نورة ولادة مبكرة حيث كانت والدتها في نهاية الشهر السادس من الحمل، وكانت تزن670 غراماً، وبعد الوالدة اتضح إصابتها بالإعاقة الحركية وبها شلل دماغي جزئي في الجزء الخاص بالرجل مما أعاقها عن المشي على قدميها وتحريك رجلها، فما كان من أهلها إلا الاهتمام بوضع ابنتهم الصحي وبدء مرحلة العلاج معها لتتمكن من الحركة كأي طفل طبيعي.
ترجع نورة بذاكرتها إلى الخلف وتتحدث عن نفسها قائلة: سافر بي أهلي إلى دولة قطر عندما كان عمري 6 سنوات لوجود دكتور من بريطانيا يقوم بعمل عمليات خاصة بوضعي الصحي، وبعد العملية احتجت إلى العلاج الطبيعي فبقيت هناك لوجود مركز مستشفى الرميلة الطبي وهو مركز خاص بالأشخاص ذوي الإعاقة، فكنت أذهب منذ الصباح من الساعة 7 صباحاً حتى 2:30 ظهراً وعمل العلاج الطبيعي طوال هذا الوقت، وفي هذا المركز يوجد جزء منه مدرسة للمرحلة الابتدائية، فبقيت في الدوحة مدة سنتين ونصف ودرست هناك في المدرسة الملتحقة بالمركز، حيث لمست فيه الاهتمام الكبير، والمراعاة لوضعنا الصحي وتنظيم الوقت بين الحصص الدراسية والعلاج الطبيعي، فكان المدرسون يعرفون بأن هذا الوقت مخصص للعلاج طبيعي، وفي هذا الوقت يجب أن أكتب، وهذا الوقت للقراءة.
6 عمليات في واحدة
تواصل الرميحي حديثها بنبرة تتحدى الآلم والعجز فتقول: مع العلاج الطبيعي المستمر تمكنت من المشي على قدمي ولوحدي دون أن يمسكني أحد، وبعد أن حققت التحدي في المشي أبلغت أهلي بأن أمنيتهم تحققت وأنا أصبحت قادرة على المشي ويمكنني العودة الآن إلي موطني ومنزلي وأهلي، فعدت إلى البحرين وواصلت دراستي حتى أنهيت جميع المراحل الدراسية، وخلال هذه الفترة واصلت العلاج الطبيعي في المراكز الخاصة بالعلاج الطبيعي، رغم أني في البداية ذهبت إلى المستشفيات الحكومية لكن نظراً لكثرة إقبال الناس عليهم خشيت ألا أجد العناية الخاصة التي تناسب وضعي، وكون جسمي ينمو ويكبر لذا فالعملية لها وقت وأحتاج إلى غيرها، بعدها قمت بإجراء عمليتين أخريين لرجلي في ألمانيا والأخيرة عندما كان عمري16 سنة وكانت عبارة عن 6 عمليات والحمد لله نجحت العملية وأبلغني الطبيب بضرورة مواصلتي للعلاج الطبيعي الذي واصلت عليه ولكن بعد انشغالي بالدراسة أصبحت أقوم بالتمارين بنفسي كوني أصبحت أعرف وضعي وأعرف ما احتاج إليه، وها أنا وصلت إلى مرحلة أنني أستطيع المشي على المشاية في المنزل.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، فكانت نورة تمارس في صغرها هواية الرسم وتقوم برسم الصور التي تراها كما هي وتقلدها، كما إنها كانت تعزف على البيانو، ومازالت تواصل الرسم ولكن بقدر قليل جداً، أما الآن فتقضي وقتها بعد العمل بمشاهدة التلفزيون والجلوس على الإنترنت والقراءة في المواضيع المعنية باختصاصها لتطوير نفسها، وكانت في السابق تذهب مع والدتها إلى جمعية أولياء أمور المعاقين وتفكر بممارسة العمل التطوعي ولكن انشغالها بالدراسة جعلها لا تنخرط فيه وتفكر بالدخول في عالم العمل التطوعي بعد إنهاء الدراسة فهي تفكر في الشهادة العليا.
السير إلى العمل والجامعة
واصلت نورة دراستها الجامعية والتحقت بمعهد البحرين للتدريب وحصلت على شهادة الدبلوم، وفي عام 2007 التحقت بالعمل في بيت التمويل الكويتي، وفي العمل تم إرسالها لمواصلة دراستها الجامعية فسجلت في جامعة نيويورك للتكنولوجيا وحاولت قدر الإمكان التوفيق والموازنة بين الدراسة والعمل، والحمد لله كان الموظفون متعاونين معها والحمد لله تخرجت وتمكنت من إنهاء الدراسة الجامعية والحصول على شهادة البكالوريوس بعد 3 سنوات و6 شهور. وخلال هذه الفترة لم تجد أي صعوبة تذكر، فكانت الجامعة مهيأة لها للتنقل عبر الكرسي المتنقل، والصفوف جميعها في الطابق السفي، وحتى العمل كان هناك تقدير لظروف دراستها وإنهاء الأعمال، وفي عام 2009 كرمت كأفضل موظفة في بيت التمويل الكويتي في حفل وزارة العمل لموظفي القطاع الخاص.
تشير الرميحي إلى أنها لم تواجه أي صعوبة في حياتها، ولكن هناك موقفاً مازال عالقاً بذاكرتها وتود أن تذكره حتى لا يتكرر لغيرها، فتقول: هناك نقطة واجهتني أيام المدرسة يطلبون مني جلب تقرير طبي يثبت حالتي، فهم لم يكتفوا بمنظري مقعدة على الكرسي وبأن وضعي هذا هو أكبر دليل، بل أرادوا التقرير لتأخذه إلى وزارة التربية والتعليم لتقيمي، ولأني واثقة بنفسي وقدراتي والإعاقة ليست عائقاً أمامي، فطلبت منها أن أمتحن في المادة في الجزء النظري وقدمت الامتحان النظري وحصلت على درجة في التسعين، كان هذا أكبر موقف حز في خاطري ولا أتمنى أن يمر غيري به، فإعاقتي ليست ذنبي ولا يعتبر الأمر إنصافاً بالنسبة لي، ودائماً ما كانت حصص الرياضة هي التي تأثر في نتيجة المعدل الدراسي، فحتى في المرحلة الابتدائية وعندما كنت أمشي باستخدام المشاية، كنت أبذل جهدي للقيام بالتمارين قدر المستطاع، وفي المرحلة الثانوية وكنت حينها في المدارس الحكومية، فكنت أذهب إلى المدرسة بكرسي متحرك، أما المرحلة الإعدادية فتم توكيل مهمة القيام بالأنشطة اللاصفية لأحصل من خلالها على درجات ويتم التعويض بها.
عهد النجاح
وبسبب هذه المواقف اتخذت نورة على نفسها عهداً بمواصلة دراستها لتطور من نفسها، فهي تجد أن الإنسان عليه أن يدرس ويحصل على الشهادات ليتمكن من تحقيق ذاته، كما تتمنى أن تكون إنسانة فعالة في المجتمع، وتوجه رسالة إلى أولياء أمور المعاقين قائلة: أتمنى من كل أولياء أمور ذوي الإعاقة أن يهتموا بقدرات أبنائهم ويهيئوا لهم البيئة على قدر استطاعتهم، فحتى المعاق لديه إمكانات وطاقات كبيرة والإعاقة لا توقفه عن تحقيق ما يريد، فنحن المعاقين كأي شخص نتمكن من الدراسة والعمل والانخراط في الحياة، ويمكن لأولياء الأمور أن يواجهوا أي صعوبة تعتريهم، فوالداي لهم فضل كبير بعد رب العالمين في تهيئة المكان والظروف المناسبة لي والوصول إلى ما وصلت إليه الآن.