^ إن المراقب للوضع السياسي المحلي يشهد سيلاً من التحركات الداعية للملَمَة الشمل من أجل التوصّل إلى حلٍ يرضي كافة الفرقاء، وينتشل البلد من أتون النزيف اليومي الذي يصّر البعض على إبقاء جذوته مشتعلةً ريثما “يشفي غليله” ويصفِّي حسابه مع المخالفين له في الرأي. ويعتبر “اللقاء الوطني البحريني” أحد التجمّعات الحديثة على الساحة السياسية، التي تصّب تحرّكاتها في التوصل إلى التوافق الوطني المنشود منذ فترةٍ طويلةٍ، حيث جاء اللقاء بمبادرةٍ من (19) شخصية وطنية بهدف التوصل إلى وضع وثيقة تساعد على إخراج البلاد من الأزمة السياسية التي تواجهها، بينما أُنيطت بلجنة التنسيق والمتابعة الأساسية التي تمخّضت عن الاجتماع الأول في 28 يناير الماضي مهمة “الاتصال بالجمعيات السياسية، لحثّها على اللقاء والتحاور والتوافق فيما بينها على حد أدنى من المطالب السياسية الصالحة لتجاوز هذه المرحلة الصعبة من تاريخ الوطن، ليتوجهوا بعد ذلك مجتمعين لمحاورة الحكم”. من المهم التأكيد هنا على ميزتين إيجابيتين لهذا اللقاء؛ الميزة الأولى هي أن الشخصيات الوطنية التي دعت لهذا اللقاء تحضر اجتماعاته بصفتها الشخصية، ولا تمثِّل طرفاً سياسياً بعينه؛ والثانية هي أن مهمة اللقاء ذات طابع واقعي، ويتمثّل في إعانة الجمعيات على التصالح والتوافق والجلوس إلى طاولة حوار قبل الاجتماع معاً كفريق واحد للتفاوض مع الدولة حول النقاط المتوافق عليها من الجميع. إلا أنني أتصوّر أن الموافقة المشروطة لبعض الجمعيات السياسية على المبادرة لم تكن مفاجئةً، ولا يجوز أن تشكِّل إدانةً لهذه الجمعيّات، إذا ما أخذنا في الحسبان الظرف السياسي الصعب والدقيق الذي تمّر به البلاد، بل إن عدم مسارعة الجمعيات المذكورة لاحتضان المبادرة والتصفيق لها بقوّة، مثلما فعلت جمعيّات سياسية أخرى، يؤكِّد ما طالبنا به مراراً بضرورة تصدِّي العقلاء من أبناء الطائفتين الكريمتين، وفي مقدمتهم رجال الدين والوجهاء والأعيان الذين يملكون ثقلاً جماهيرياً، وتأثيراً على قطاعات واسعة من المواطنين، لمهمة توحيد الصف الشعبي تحت يافطةٍ وطنيةٍ مشتركةٍ تنزع فتيل الخلافات القائمة، وتقرِّب بين الرؤى المختلفة، وتدعم السلم الأهلي ولا أعتقد أن اللقاء الوطني سيحقِّق غاياته أن لم يلبِّ العقلاء نداء الوطن في أسرع وقتٍ