في 6 سبتمبر من العام 1985 اعتمد مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين الذي عقد في مدينة ميلانو الإيطالية المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية.
وجاءت هذه الفكرة بعد انتباه دول العالم إلى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومجموعة كبيرة من الاتفاقيات الدولية في المجال الحقوقي والحريات تؤكد ضرورة المحاكمات العادلة والنزيهة والشفافة، وضرورة اختيار القضاة وأعضاء النيابة العامة بشكل دقيق ونزيه يكفل الحقوق باعتبار هؤلاء يمثلون السلطة القضائية التي تشمل المحاكم والنيابة العامة وكافة الأجهزة الأخرى المرتبطة بالقضاء.
فاهتمام المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية بضرورة توفير الأجواء والضمانات لاستقلالية السلطة القضائية دعت أعضاء الأمم المتحدة للتفكير جدياً في كيفية إيجاد إطار عام لكافة الدول يمكن الاستفادة منه لتعزيز استقلالية السلطة القضائية، خاصة وأن الأنظمة القضائية في العالم تختلف من بلد لآخر، وعليه كانت الحاجة لمبادئ عامة تحقق هذا الهدف.
في سبتمبر 1985 أقر المجتمعون في مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين نحو 20 مبدأ من المبادئ الأساسية بشأن استقلالية السلطة القضائية. وتتطلب هذه المبادئ من الحكومات مراعاة واحترام المبادئ التي وضعت ضمن تشريعاتها وممارساتها الوطنية لتعزيز استقلال القضاء.
المبادئ الأساسية لاستقلالية السلطة القضائية وضعت في ستة محاور بحسب الآتي:
المحور الأول: استقلال السلطة القضائية: تتطلب بنود هذا المحور ضرورة أن تكفل الدولة استقلالية السلطة القضائية من خلال النص على ذلك دستورياً وفي القوانين الوطنية. وأهمية احترام هذه الاستقلالية من قبل كافة المؤسسات الحكومية. كما تمنع البنود التدخل في شؤون القضاء بشكل مباشر وغير مباشر. بالإضافة إلى ذلك كفلت البنود في هذا المحور حقوق الأفراد في الحصول على محاكمات عادلة.
المحور الثاني: حرية التعبير وتكوين الجمعيات: كفلت بنود هذا المحور حق أعضاء السلطة القضائية في التمتع بحرية التعبير والاعتقاد وتكوين الجمعيات والتجمع.
المحور الثالث: المؤهلات والاختبار والتدريب: نصت بنود هذا المحور على المعايير التي يجب أن يتمتع بها المترشحون لشغل الوظائف القضائية، والمواصفات المطلوبة فيهم مع عدم التمييز بينهم.
المحور الرابع: شروط الخدمة ومدتها: حددت بنود هذا المحور حقوق أعضاء السلطة القضائية من المدة الزمنية لتولي الوظيفة، والأجور، والتقاعد، ونظام الترقيات.
المحور الخامس: السرية والحصانة المهنيتان: أشارت البنود هنا إلى ضرورة محافظة القضاة على سر المهنة فيما يتعلق بمداولاتهم وبالمعلومات السرية التي يحصلون عليها أثناء أداء واجباتهم الأخرى خلاف الإجراءات العامة، ولا يجوز إجبارهم على الشهادة بشأن هذه المسائل. كما أكدت بنود هذا المحور تمتع القضاة بالحصانة الشخصية ضد أية دعاوى مدنية بالتعويض النقدي يصدر عنهم أثناء ممارسة مهامهم القضائية من أفعال غير سليمة أو تقصير.
المحور السادس: التأديب والإيقاف والعزل: نظمت بنود المحور الأخير كيفية محاسبة القضاة على أداء مهامهم القضائية، وتشمل حقهم في الحصول على محاكمة عادلة، وكيفية إيقافهم، وحتى عزلهم.
فيما يتعلق باستقلالية السلطة القضائية في مملكة البحرين، فقد كفلت مبادئ ميثاق العمل الوطني هذه الاستقلالية وأكد عليها الدستور، وهو ما تعزز أكثر وأكثر عندما أجري التعديل الدستوري الأول في عام 2002، وكذلك في التعديل الدستوري الثاني خلال العام 2012. أما على مستوى القوانين الوطنية، فقد صدر في العام 2002 قانون السلطة القضائية لينظم عملها في المملكة.
لاحقاً وخلال حوار التوافق الوطني الذي تم في صيف العام 2011 قدمت مجموعة من المرئيات المتعلقة بتعزيز استقلالية السلطة القضائية، وهو ما أدى إلى إجراء تعديلات على بعض أحكام قانون السلطة القضائية والذي أصدره جلالة الملك مؤخراً في مرسوم بقانون رقم (44) لسنة 2012.
واللافت أن التعديلات الأخيرة على قانون السلطة القضائية ركزت بشكل كبير على الاستقلالية المالية للسلطة القضائية، حيث نصّت على أن تكون للمجلس الأعلى للقضاء (الجهاز الأعلى الذي يشرف على القضاء في المملكة) ميزانية سنوية مستقلة تبدأ ببداية السنة المالية للدولة، وتنتهي بنهايتها.
ويقوم رئيس محكمة التمييز بإعداد مشروع الميزانية قبل بدء السنة المالية بوقت كاف، على أن يقوم بمناقشتها مع وزير المالية، على أن يراعى فيها إدراج كل من الإيرادات والمصروفات رقماً واحداً. بعد اعتماد الميزانية العامة للدولة يقوم رئيس محكمة التمييز أيضاً بالتنسيق مع وزير المالية بتوزيع الاعتمادات الإجمالية لميزانية المجلس الأعلى للقضاء على أساس التبويب الوارد في الميزانية العامة للدولة.
كما نصت التعديلات الجديدة على قانون السلطة القضائية على أن نظام رواتب وبدلات ومزايا القضاة وأعضاء النيابة العامة يتم من خلال أمر ملكي بناءً على اقتراح من المجلس الأعلى للقضاء، ويصدر المجلس لائحة تنظم شؤون القضاة والنيابة العامة دون التقيد بالأحكام المالية والإدارية المقررة في قانون الخدمة المدنية.
التعديلات الجديدة على قانون السلطة القضائية جاءت لتعزز استقلالية هذه السلطة في المملكة من خلال ضمان أقصى درجات الاستقلالية المالية والإدارية للقضاء بعيداً عن إشراف أو تدخل السلطتين التنفيذية أو التشريعية وفقاً لمبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليه في دستور المملكة. كما إن هذه التعديلات تتوافق مع المبادئ الأساسية لاستقلالية السلطة القضائية التي أقرتها الأمم المتحدة.