إعداد قسم التحقيقات:
أثار بيان وزارة الداخلية بشأن عزمها تلقي الشكاوى المتعلقة بالإساءة للرموز والأفراد والعوائل البحرينية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في خطوة لتصويب وتصحيح المسار وليس الحد من حرية التعبير، ردود فعل واسعة، ورأت “الوطن” أن تسبر في غور هذا الجدال لتوضيح الصورة والهدف والغاية من هذه الخطوة التي تفرضها التحديات التي تواجهها العديد من الدول بفعل سرعة انتشار ثورة المعلومات.
واتفقت جميع الآراء التي استقتها الصحيفة على تأييد خطوة وزارة الداخلية، مشيرين إلى أنه مع ظهور كل وسيلة إعلامية جديدة يلي ذلك إصدار تشريع ينظم استخدام هذه الوسيلة، وأوضحت أن حماية الرموز السياسية والعوائل البحرينية من السب والشتم والتشهير من صميم عمل “الداخلية” ويحتاج إلى المزيد من القوانين المُنظِّمة، وفرض أخلاقيات مهنية تحمي هذه الأطراف من كل إساءة أو تجاوز، مشيرين إلى ضرورة استغلال وسائل التواصل الاجتماعي في نشر المعرفة والثقافة والعلم لا جعلها بمثابة مكب قمامة يحط من قيمة البشر ويشوه صورة البلاد.
بداية أعرب عضو مجلس الشورى جمعة الكعبي عن تأييده لقرار وزارة الداخلية قائلاً “في الحقيقة أشيد بقرار وزارة الداخلية فيما يخص ملاحقة كل من يعتدي على الآخرين من خلال الشبكة الإلكترونية، لأن هذه المواقع فردت في الأصل من أجل خدمة الناس والإعلاء من مكانتهم وشأنهم، لا للحط من كرامتهم وإهانتهم”، وأوضح أن هذه المواقع العالمية إذا لم تستغل في سبيل تطوير المعارف الإنسانية فإنها ستتحول إلى أمر سلبي، وحينها يجب حمايتها بقوة القانون. كما يجب أن نعرف جميعاً أن من صلب اختصاصات وزارة الداخلية ومن أهم مهامهم هو حفظ أمن الناس وسمعتهم.
ويؤكد الكعبي أن المواقع الاجتماعية أنشئت من أجل نشر العلم ومساعدة الناس للوصول إلى الحقيقة، لكن حين يُساء استخدامها فيما يتعارض ومصلحة المواطنين، فمن حق السلطات التصدي لذلك، خاصة حين تحمل للناس أخباراً ملفقة، أو تشوه سمعة الآخرين.
ويضيف الكعبي “نحن لسنا ضد حرية التعبير والرأي، ولسنا من دعاة تكميم الأفواه، لكن لم يكن السب يوماً تعبيراً عن رأي، كما لا يعدّ الشتم نقداً، والاستهانة بالآخرين لا تعد بناء للمجتمع، فحرية التعبير كفلها الدستور ونحن لسنا ضدها أبداً، بل نحن ضد كل أشكال التعدي على الأعراض وحريات الآخرين”.
سقف الحريات
واسع والتشهير جبان
وفي السياق ذاته، أشار النائب حسن الدوسري إلى ذات المضامين التي تحدث عنه الكعبي وقال “ليس معنى أن تكون حراً أن تقوم بالتعدي على حياة الآخرين، فإذا أردت أن تنتقد، فليكن نقدك بناء ويرتكز على الحقائق، لكن أن تتعرض لأعراض الناس أو تتعمد أن تشكك فيهم، فهذا يخالف عاداتنا وتقاليدنا ومبادئنا”.
ويشير الدوسري إلى أن المواقع جردتنا هذه الأيام من أخلاقنا، واستغلها البعض للقيام بعمليات التشهير الرخيصة، وذكر أن من يقوم بهذا الفعل هو جبان، لأن الحرية في البحرين سقفها واسع جداً، وها هي المسيرات تجوب الوطن بكل حرية.
ورداً على مزاعم البعض بأن وزارة الداخلية ليست الجهة المختصة بتلقي الشكاوى فيما يتعلق بالتعدي على الأعراض يقول الدوسري “ليس هنالك قانون خاص، يقول إن من يتعرض للإهانة من قبل أحد الناس أن يقدم شكواه للقضاء بصورة مباشرة، بل الذي نعرفه هو أنه يحق للمواطن أن يقدم شكواه لأي مركز أمني في البلاد، فيقوم المركز الأمني بدوره فيقدم البلاغات المقدمة إلى النيابة العامة، وهي بعد ذلك تعرضها على القضاء، لأنه في كثير من الأحيان، تنتهي الكثير من الخصومات وتحل في المراكز الأمنية، من دون الحاجة إلى رفعها إلى القضاء”.
أما عن خطوات “الداخلية” التي تعتزم تطبيقها بهذا الخصوص يضيف النائب “لاشك أن ما قامت به وزارة الداخلية من إجراءات حيال المعتدين الإلكترونيين، تعدّ إجراءات احترازية وقانونية، ضد كل من يسيء إلى أشخاص بعينهم، وأن من يحاول الطعن في قرار وزارة الداخلية أو يتعلل بعدم قانونية عملها، فإنه بكل تأكيد يريد أن يواصل ممارسة عمليات الشتم والتشهير والسب ويتعرض لحريات الآخرين، من أفراد وعوائل بحرينية، من دون أن يعترض عليه أحد أو يقع تحت طائلة المساءلة”.
إجراء قانوني بلا جدال
وعقب ذلك عرجنا نحو الرأي القانوني في هذا الشأن، والتقينا بالخبير القانوني فريد غازي ليطلعنا على رأيه في هذا الشأن. ويقول غازي “إن تقديم البلاغ المباشر ضد كل من يعتدي على الأشخاص عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع الإلكترونية إلى مكتب الجرائم الإلكترونية يعتبر حقاً أصيلاً لهذه الجهة، وهي بدورها تقدم الشكوى إلى النيابة العامة، وهذا إجراء قانوني ليس فيه جدال، وبعد ذلك تقوم النيابة بإحالة الشكاوى للمحاكم. إذ إن الداخلية هي المختص الأول بتقديم البلاغات وليس لدى القضاء”.
أما بخصوص ما يردده البعض بأن هذه الشكاوى التي ستقدم للداخلية ستحد من حرية التعبير. فيوضح الخبير القانوني إن الحرية الحقيقية هي الحرية المسؤولة، وهي التي تتحرك في إطار القانون والدستور، فللفرد حرية التعبير بما يشاء، لكن أن يسخر أو يشتم طائفة أو رمزاً أو منطقة أو عائلة بألفاظ خارجة عن اللباقة الأخلاقية، فهذه ليست حرية أبداً ولا علاقة لها بالديمقراطية. وأشار إلى أنه يحق لنا أن ننتقد وزيراً أو مسؤولاً كبيراً، لكن لا يحق لنا أن نشتم أصغر مواطن في البحرين.
كما يؤكد غازي أنه حين توظف وسائل الاتصال الحديثة لخدمة الوطن وتنهض بالديمقراطية والعدالة وعملية البناء والتقدم، فأهلاً بها، بل الجميع يدعمها، أما في حال أساء البعض استخدامها واستغلها أبشع استغلال في الشتم والسب والسخرية من الآخرين ليوهموا الناس أن هذه هي الحرية، فهذا رأي غير مسؤول، كما ليس له علاقة بالحرية والديمقراطية لا من بعيد أو قريب.
حرية إعلامية وغير منفلتة
وبعد معرفتنا للرأي القانوني، رأينا أن نلتمس تعليق الجهات المنظمة والمشرعة للإعلام، وبدوره حدثنا الخبير وأستاذ الإعلام السياسي بجامعة البحرين الدكتور عدنان بومطيع عن منطلق القانون الإعلامي وضوابطه في البحرين، خاصة فيما يتعلق بالمواقع الإلكترونية قائلاً “يرتبط تطور المجتمع بوجود حرية إعلامية متزنة وغير منفلتة، تكون محكومة بقوانين البلد وأخلاقيات المجتمع، ومن هنا فرضت التطورات الهائلة في الثورة المعلوماتية على الدول والمجتمعات ظروفاً تواكب من خلالها هذه التطورات، فهناك من أجاد استخدام هذه الوسائل، وبعضهم أساء استخدامها، وما قامت به وزارة الداخلية يثبت لنا أهمية قيام الدولة بحماية المجتمع من الأشخاص الذين يسيؤون استخدام هذه الأدوات”. وذكر أستاذ الإعلام السياسي أنه مع ظهور كل وسيلة إعلامية جديدة في البحرين، يلي ذلك إصدار تشريع إعلامي ينظم استخدام هذه الوسيلة، ولاشك أن حماية الرموز السياسية والعوائل البحرينية يحتاج إلى قوانين مُنظِّمة، وأخلاقيات مهنية تحمي هذه الأطراف من كل إساءة أو تجاوز، وإنني أعتقد أن ما قامت به وزارة الداخلية يثبت أنها على الخط، ومع كل التطورات الإعلامية من أجل ضبط حِراكها، عبر حزمة من القوانين.
ويشير بومطيع إلى أهمية أن تَنْضم منظمات المجتمع المدني لتأييد عملية الانضباط التي دعت إليه وزارة الداخلية بحيث تقوم باستصدار تشريعات مدنية منظِّمة للحرية وليست قامعة لها، ومطورة لقيمها لا متخلفة عنها، وبهذا نحلّ الجدل المستمر حول قضية حرية الرأي، واستخدام وسائل الإعلام المختلفة في التعبير عن الرأي.
ويرى الجبير أن مملكة البحرين سباقة في ضبط هذا الإيقاع منذ العام 1930 حين وضعت الدولة قانون المراسلات الإعلامية بمراسلة الصحف العربية آنذاك، من دون الإساءة للنظام القائم، وأكد أنه يؤيد كل الإجراءات التي تقوم بها “الداخلية”، خصوصاً بعد الأحداث الأخيرة في البحرين، حيث أصبح المجتمع يحتاج إلى حماية من كل جهة تنتهك سيادة الدولة وخصوصيات الأفراد، وذلك في ظل تكالب الدول الأجنبية والقوى الأخرى ضد المملكة.
ليست بدعة بحرينية
ومن جهته أكد الناشط السياسي والخبير في شؤون النشر والمطبوعات جمال داوود سلامة الإجراءات القانونية التي تقوم بها وزارة الداخلية بالتعاون مع هيئة شؤون الإعلام، فيما يخص تنظيم الإعلام الإلكتروني، من أجل حماية خصوصيات الأفراد والمجتمع.
ويقول داوود “لابد أن نركز اليوم على أن وسائل الاتصال الحديثة في عالم الشبكة الإلكترونية تطورت وانتشرت سواء عبر “تويتر” أو “فيسبوك” بصورة مذهلة وواسعة في البحرين وخارجها، حتى أصبحت الأكثر انتشاراً في العالم. أما على صعيد ضبط هذه الوسائل الإعلامية فهي ليست بدعة في البحرين، بل هي موجودة في كل دول العالم، تماماً كتنظيم قانون الطباعة والنشر البحريني، والذي يخضع لقوانين هيئة شؤون الإعلام منذ عشرات السنين.
ويقول الخبير الإعلامي إن هناك تنسيقاً بين وزارة الداخلية وبين هيئة شؤون الإعلام حول ضبط الجرائم الإلكترونية، أما بخصوص الجدل الذي يثيره البعض بشأن أن هذه الضوابط تحد من حرية التعبير، أو تكون منظِّمة له، “أعتقد أن الشواهد اليوم تدلل على أن الضوابط لا تحدّ من حرية التعبير، بل هي متاحة على مدار الساعة، والدليل أن كل الناس يكتبون اليوم بكل أريحية ومن دون خوف، لكن مع الأسف هناك من يستغل هذه المواقع الإعلامية لأجل كيل الإساءة للآخرين وإثارة الفتن والتحريض على الكراهية والشتم وترويج الإشاعات ونشر الصور المخلة بالآداب والقيم، ومن هنا وجب على الدولة أن ترسم قوانين تحدّ من تصرفات هؤلاء المسيئين”.
كما يرى داوود أن من واجب وزارة الداخلية أن تقوم بمسؤوليتها كاملة، وذلك بتحقيق الأمن لكل أفراد المجتمع، ولا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة العابثين بأعراض الناس وأمنهم. ويضيف “أن حرية التعبير مكفولة دستورياً، وهي أكثر من أن تحصى، لكن أن يطلب البعض من أن تكون تلك الوسائل دون ضوابط، فهنا كأنهم يطلبون الفوضى، حين يصرون على رفض القانون والضوابط التي تحمي أفراد المجتمع، وكل من يعيش فيه. نحن اليوم في دولة وليس في غابة، ولهذا لا ينزعج من تطبيق القوانين التي تراعي أمن المجتمع، إلا الإنسان الذي يعشق الاعتداء على حريات الآخرين”.
ثورة المعلومات
تفرض التعامل مع المستجدات
وعلى صعيد متصل، يؤكد الإعلامي بصحيفة الأيام أيمن شكل أن عدم وجود ضوابط مسبقة من قبل الجهات المختصة حفَّز الكثير من المسيئين في التمادي عبر وسائل الاتصال الحديثة بكيل الإساءة لكافة أفراد المجتمع دون أدنى رادع من دين أو ضمير أخلاقي.
كما يؤكد شكل وجوب التمييز بين ممارسة الحرية ونشر الإساءة في تلك المواقع الإلكترونية، ويقول “يجب التفرقة هنا بين حرية التعبير التي كفلها الدستور البحريني والإساءة أو السب والقذف، فحرية التعبير يجب أن تكون في حدود النقد وأن تستغل فيما يفيد القارئ أو الناشر، ولكي تكشف حقائق وأمور خافية على أشخاص ذوي مصلحة في عرض تلك الحقائق”، لكن المشكلة في وسائل التواصل الاجتماعي تكمن في أنها أصبحت مثل صندوق القمامة الذي تلقى فيه نفايات الكلام من كل حدب وصوب، فلا رقابة عليها لتحمي من أُسيء له من خلالها.
ويضيف الصحافي “لذلك يفرض علينا التطور العلمي وثورة المعلومات التعامل مع المستجدات التي طرأت في حياتنا اليومية مثل مواقع “تويتر” و«فيسبوك”، بشكل قانوني، ليكون بمثابة حائط الصد، فيوفر الحماية للأشخاص الذين يتم الاعتداء عليهم بالإساءة والقذف، فتلك الجرائم معاقب عليها في كل دول العالم، حتى قبل أن نعرف وسائل التواصل الاجتماعي”، لذلك يجب أن تدرج الأفعال الإجرامية التي تحدث على الشبكة العنكبوتية ضمن مواد العقاب والإشارة إليها في القوانين بإضافة تعديلات عليها تضمن حق كل إنسان ينال من شرف آخر واعتباره.
ويؤكد شكلاً أخيراً، أن ما تفعله وزارة الداخلية الآن هو أمر محمود، يجب الالتفات إليه والعمل بشكل سريع لتطبيقه، لأجل تقنين التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، بما يحفظ ويصون كرامة الناس وحقوقهم. ويقول “هذه هي الجدلية القائمة، وهذا هو القانون، وهذه هي حرية التعبير عن الرأي، كل ذلك لا يكون إلا في ظل وجود نظام صارم يحمي المجتمع، وفي نفس الوقت ينسِّق للحريات ويكفلها، وهذا ما يتفق عليه كل بحريني”.
أتاحت للجمهور التبليغ عن جرائم الإساءة عبر موقعها الإلكتروني
«الداخلية» تتصدى لجرائم التشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي
أكد القائم بأعمال مدير عام مكافحة الفساد والأمن الإلكتروني والاقتصادي المقدم بسام المعراج توجه وزارة الداخلية خلال المرحلة المقبلة للتصدي لعمليات التشهير والإساءة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت.
وقال المعراج إن الوزارة تعتزم من خلال موقعها الإلكتروني تلقي البلاغات عن جرائم الإساءة واستقبال الشكاوى عن مشاركات مسيئة يتعرض لها الأفراد على الإنترنت، وأضاف أن الموقع يتيح إمكانية تقدم أي شخص ببلاغ عن أي مخالفة يراها في أحد المواقع أو المنتديات الإلكترونية، عبر إرسال عنوان الموقع الإلكتروني المسيء لموقع وزارة الداخلية، لتتخذ الوزارة بعدها الإجراءات القانونية تجاه الموقع ومرتكب الفعل الجرمي.
وأوضح القائم بالأعمال أنه لوحظ في الآونة الأخيرة ازدياد ظاهرة توجيه البعض -باستخدام وسائل الاتصال الحديثة- الإساءات الشخصية والإهانات للعديد من الرموز الوطنية والشخصيات العامة من مختلف الفئات عبر شبكات الإنترنت والمنتديات الإلكترونية، ما يضع فاعله تحت طائلة القانون، مؤكداً أن هذه الأفعال تشكل جرائم و«يجب أن يقدم فاعلها إلى المحاكمة لينال عقابه المناسب وفقاً للقانون”.
وأشار المعراج إلى إن وزارة الداخلية تلقت العديد من الشكاوى من شخصيات هي محل تقدير من المجتمع، تضرروا من انتشار ظاهرة التشهير بهم والإساءة لأسرهم، مطالبين بضرورة التصدي لهذه الظواهر الغريبة حفظاً للأعراف والتقاليد المجتمعية الأصيلة.
وأكد مدير الأمن الإلكتروني أن الإجراءات المذكورة لا تعني بأي حال من الأحوال التضييق على ممارسة حرية الرأي والتعبير بالوسائل المختلفة، ومن بينها وسائل الاتصال الحديثة بل “تعني مواجهة التجاوزات القانونية الخارجة عن حدود ممارسة الحقوق طبقاً للضوابط الدستورية والقانونية”.