عبدالرحيم مؤذن: محور المجموعة البكر لـمحمد كويندي (سرير الدهشة) هو العجز. العجز عن الوصول إلى هدف معين، ولو كان رغبة بسيطة من رغباتنا اليومية.. قراءة صحيفة، مثلاً في ركن منعزل بمقهى ما. والعجز ناتج عن أعطاب عديدة، يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي، الاجتماعي بالنفسي، العلة بالمعلول، الجبر بالاختيار. وتسمع هذه التفاعلات الثنائية، في انسجامها، أو تضادها، بالوصول إلى وضع أنطولوجي خضع له السارد نتيجة لكماشة العجز التي أطبقت عليه من كل الجوانب. ولا شك أن توزع قصص المجموعة بين ضمير الغائب- الضمير النموذجي للسرد- وضمير المتكلم- الضمير النموذجي للتشظي الذاتي- سمح بتعميق أبعاد الوضع الأنطولوجي الذي جعل من ضمير الغائب مرادفاً للمقولة الشهيرة (الجحيم هم الآخرون)، وجعلت من ضمير المتكلم بؤرة سردية تعمق من لحظات الخلل بين الذات والآخر، سواء كان امرأة، أو رغبة يومية وبين هذا وذاك، يؤسس السارد عالمه القصصي عبر مستوى النموذج: وهو يتجسد في اقتطاع وضع إنساني لكائن ما، سواء كان إنساناً، أو حيواناً، بل جماداً- قصة التمثال- بهدف تعرية المسكوت عنه، أو- من جهة أخرى- العصي على التصديق والاستيعاب. في قصة (التمثال) تطرح، من جديد، طبيعة العلاقة بين المنتج “بالكسر”، والمنتج “بالفتح”. علاقة قديمة جديدة (مسرحية بيجماليون للحكيم مثلاً) ومتجددة أيضاً، بحكم خصوصية التجربة، من جهة، وخصوصية – من جهة ثانية- المادة (حجر/ أحرف/ نوتات/ لون). ومن ثم فالعلاقة بين المنتج والمنتح، وجه آخر للعلاقة بين الذات والموضوع، بين الوجه والمرآة التي قد تعكس ملامح الرائي- وهذا هو الوضع الطبيعي- أو قد تعكس ملامح أخرى – كما حدث لبطل موسم الهجرة إلى الشمال- لا علاقة لها بالرائي الذي اكتشف وجها لا علاقة له بوجهه الحقيقي.هكذا يتحول التمثال إلى نموذج دال يحمل إحباطات الفنان، وأحلامه أيضاً. ولكنه، من ناحية أخرى، يمتلك حياته الخاصة، مطالبا بحقه في الوجود- من خلال “ مونولوجه’ الذي سمح للتمثال بفضح ما يفكر فيه النحات المنتشي من جهة، وبأحلام اليقظة من جهة ثانية. يهمس التمثال لنفسه “لو تركت الفضول يتفاقم لتفاقمت حيل السيد” ص.35. في قصة”غراب يناير”- والجملة كناية عن كائن مرفوض- يقتحم مجاوره في المقهى عالمه الخاص، متحينا للفرصة للسطو على الجريدة التي اشتراها السارد من ماله الخاص، في حين اشترى (الغراب) ثلاث هلاليات “ولو اكتفى بواحدة فقط، واشترى بثمن الأخريين...).ص40. أما في قصة (النافذة) فالسارد يصبح أسير تداعيات خاصة حملته، بدافع تعويضي- نحو ضفاف الطفولة وشقاوتها. وسأقف قليلاً عند قصة “الكلب” المتميزة في المجموعة، من خلال الآتي: أ- تقدم واقعاً مقلوباً يلعب فيه الحيوان دور الإنسان. ب- ومن ثم يصبح سرد (الكلب) سرداً مركزياً، في حين يصبح سرد ‘الإنسان’ سرداً ثانوياً متوازياً، ومتقاطعاً أيضاً، مع السرد الأول. ج لا يتحقق هذا السرد إلا عن طريق الحرية. فالحبل(دنس). ص.21. وبمجرد الانفلات من قبضة سيده الأعمى، يبدأ الكلب في فضح ممارسات سيده، أولاً، وممارسات المجتمع ثانياً. د- ومع ذلك لا يمل الكلب من المحاولة، بحثاً عن “علاقات سوية” – حتى لا أقول إنسانية- ولم يتردد في لعق حذاء صاحب صوت عذب ووجه بشوش)ص..22 دون أن يصل إلى أية نتيجة، بل اكتشف المضحك المبكي في عالم الأنس الذي اعتبر الكلب من الجن.ص.22. رحلة الكلب في عالم الإنس، أوصلته، أخيراً، إلى رفضه البات لهذا العالم، مفضلاً التمسك بحريته إلى آخر رمق. هكذا تصبح وضعية الكلب إدانة صريحة لوضعية الإنسان “الأعمى” المستبد، أو القامع لحرية الأخر، ولا مفر من المقاومة.فـ “صورة الوجه العبوس الماثلة أمامي، جعلت عضلات قوائمي مشدودة ومرتعشة كنوابض فولاذية، استعداداً...”ص.24. رغم تفاوت مستويات القص في هذه التجربة البكر للكاتب، فإن ذلك لا يمنع من التأكيد على خصوصية بعض نصوصها المميزة- قصتا الكلب وجوقة التماثيل مثلاً- التي كشفت عن إمكانات الكاتب في معالجة موضوعات لا تخلو من جدة وطرافة.