صدر عن المجلس الأعلى للثقافة كتاب «الأراجوز المصري» باللغتين العربية والإنجليزية جمع ودراسة وتوثيق مدير مركز إبداع بيت السحيمي د.نبيل بهجت وأستاذ المسرح بجامعة حلوان، وهو الكتاب الأول من نوعه الذي يتناول مسرح الأراجوز الشعبي بالنقد والتحليل، واعتمد على سبعة رواة لا زالوا يمارسون هذا الفن حتى الآن.
ويبدأ الكتاب حسب ميدل إيست أونلاين بمقدمة لأستاذ الفلكلور د. أحمد مرسي قدم فيها للكتاب وكاتبه ثم جاء التمهيد الذي عرض فيه د.نبيل بهجت للدوافع التي حثته على إنجاز هذه الدراسة، كما عرض لتجربته مع خيال الظل والأراجوز حيث قال «لم تكن تجربتي مع الأراجوز وخيال الظل مجرد دراسة أتقدم بها لنيل درجة علمية أو أقدمها للقارئ، بل كانت تجربة حياة بدأت منذ عشر سنوات واستمرت حتى هذه اللحظة، أحيا بها ومعها محاولاً إعادة هذه الفنون إلى الحياة مرة أخرى، لإيماني الشخصي بأن التراث الشعبي أحد مصادر تشكيل الوعي المصري والتأريخ للذاكرة المصرية».
وأضاف «إن رغبتي في فهم العقلية المصرية ومصادر تكوينها وآليات اتخاذ القرار فيها دفعني للاهتمام بالتراث الشعبي كأحد أهم إبداعاتها، وجاءت هذه التجربة في إطار رصدي للواقع المصري والتحولات التي تطرأ عليه، فاختفاء النموذج المحلي لصالح النموذج الغربي يكرس لمفاهيم العجز وعدم الرضا عن الذات، وهو ما يجعلنا تابعين لبعض الاستراتيجيات الاستعمارية التي ترانا سوقاً لمنتجاتها، منجماً لموادها الخام، ويغذيها البعض بشعارات تربط الخلاص والتقدم بهذا الآخر، ويتلقى الإنسان البسيط تلك المفاهيم ليتخيل أن جنة الله خلف المتوسط، ومن ثم يخاطر بنفسه وبحياته ليدخل تلك الجنة بشكل غير شرعي، إن حالفه الحظ ونجا من أمواجه العاتية.
فلقد كان حضور هذا الآخر طاغياً بشكل أفقد الحياة معناها، ومن ثم كان شعار تجربتي: «أن لدينا ما يستطيع أن يعبر عنا»، واتخذت «ومضة» اسماً لفرقتي التي أسستها لإحياء هذه الفنون بمعنى: «بريق في الظلام الدامس» لتلفت الأنظار إلى الإمكانات التي يمتلكها مجتمعنا للنهوض مرة أخرى».
الاستفادة من الفرجة الشعبية
ويؤكد بهجت أن العروض التي قدمتها فرقة «ومضة» على مدار عشر سنوات تعتمد على الأراجوز وخيال الظل كلغة أساسية تمتزج بالراوي والغناء الشعبي والرقص الشعبي أحياناً، بهدف الاستفادة من إمكانات الفرجة الشعبية لتحقيق حالة مسرحية مصرية نجحنا إلى حد كبير في الوصول إليها.
وجاء الفصل الأول تحت عنوان «النشأة والمكونات»، وناقش فيه تاريخ نشأة الأراجوز، وعرض لمكوناته بداية من الدمى ووسائط العرض، والعناصر البشرية، وأثر بعض الفنون الشعبية الأخرى وكذلك لنمر الأراجوز المختلفة. كما عرف بالأراجوز وتاريخه ونشأته، فهو «من أشهر الدمى الشعبية في مصر على الإطلاق، رغم انحساره في الآونة الأخيرة لقلّة عدد فنّانيه ولسطوة وسائل الإعلام الحديثة، إلاّ أن شهرته مازالت كما هي، بل إن الكثيرين يستخدمون لفظة أراجوز للدلالة على معان مختلفة في معجم الحياة اليومية للمصريين».
وتاريخيا أكد المؤلف إلى وجود فن الأراجواز في الحياة المصرية منذ زمن بعيد، حيث أشار الرحّالة التركي أولياجيلي في كتابه «سياحتنامة مصر» إلى أحد الفنانين في القرن العاشر الهجري الذين كانوا يلاطفون المرضى بدمى خشبية فتتحسن حالتهم.
وقال: قدم علماء الحملة الفرنسية وصفاً مفصّلاً له جاء فيه: «وقد شاهدنا في شوارع القاهرة عدة مرات رجالاً يلعبون الدُّمى، ويلقى هذا العرض الصغير إقبالاً كبيراً، والمسرح الذي يستخدم لذلك بالغ الصغر، يستطيع شخص واحد أن يحمله بسهولة. ويقف الممثل في المربع الخشبي الذي يمده بطريقة تمكّنه من رؤية المتفرجين من خلال فتحات صُنعت لهذا الغرض دون أن يراه أحد ويمرر عرائسه عن طريق فتحـات أخرى أما عن باقي الشخصيات فهي «ابن الأراجوز وزوجته «نفوسة» (يطلق عليها البعض زنوبة) - زوجته السمراء «بخيتة» (يطلق عليها الست قمر) - الفتوة - حمودة الأقرع وأخوه - الأستاذ - البربري - الخواجة - موشي ديان - العفريت - الطبيب - الشاويش - الحانوتي - الداية - فنان بالعافية «الشيخ محمد» - الشحات ويطلق عليه لاعب الأراجوز اسم «الشيخ» - كلب السرايا - الزبون - والد زوجته - اللص»، هذا إضافةً إلى عدد من الشخصيات نسمع عنها ولا نراها مثل عديلة في «الفتوة الغلباوي» ووالد الأراجوز في «الشحات».
الدمى مادة من الخشب
وأوضح المؤلف أن الدُّمى تصنع من الخشب إما بواسطة الفنان المؤدي أو صانع محترف، وآخر هؤلاء الصنّاع «محمد الفران» الذي توفي منذ أكثر من ثلاثين عاماً. يقدَّم فن الأراجوز من خلال عدد من الوسائط هي: عربة الأراجوز - البرفان - الباردة - الخيمة.
وفيما يتعلق بالعناصر البشرية فحصرها المؤلف في «الفنان المؤدي ومساعده الملاغي والجمهور، ويتحدد على أساس وسيط العرض المساهمات البشرية في العروض، فالخيمة مثلاً لا يحتاج فنانها إلى ملاغي أو مساعد، وذلك على عكس البرفان والباردة حيث يحتاج الفنان المؤدي إلى مساعد / ملاغي. أما العربة فيحتاج أداء العروض فيها إلى أكثر من ذلك «فنان مؤدٍّ - مساعد / ملاغي - عامل تذاكر / فردين لتنظيم الدخول والخروج». وأحياناً يكون هناك أكثر من فنان مؤدِّ يتناوبون العمل داخل العربة».
ويلعب الملاغي دوراً هاماً في إتمام عروض الأرجواز، فهو «يشارك الفنان المؤدي بالعزف كما يردد الأغاني خلف الأراجوز ويستحث الجمهور على الغناء ويشارك الأراجوز في الحوار، ويكرر بعض الكلمات التي تبدو غير واضحة بفعل الأمانة، ويسهم في خلق المواقف المضحكة سواء من خلال الكوميديا اللفظية أو الحركية، وله دور مهم في استنطاق المتفرجين وإشراكهم في العرض».
الملاغي من أهم العناصر
يعتبر الملاغي «من أهم العناصر الأساسية لعروض الأراجوز لابدّ أن يتّصف الفنان المؤدي بسرعة البديهة، فهو يغني ويحرك الدُّمى ويمثل ويرتجل النص في وقت واحد، وأن يكون ذا صوت حسن وقدرة على التحكم في أداء اللهجات المختلفة وتلوين الصوت واستحضار نبرات صوتية مختلفة، وقدرة فائقة على الارتجال والخلق الإبداعي المتجدد وتحويل أبسط الإمكانات إلى أدوات للمتعة والتواصل المستمر مع الجمهور تركت العديد من الفنون الشعبية آثارها على فن الأراجوز ومن ذلك ما نجده في نمرة «الست اللي بتولد» في رواية صابر المصري حيث نرى تأثره بما كان يقدم من ألعاب «القرداتي»، إذ تعتمد إحدى نمره على أن يطلب من الحمار أن يختار أجمل بنت في الحلقة فيتقدم إليها وأنفه إلى وجهها فيضحك الفتاة والمشاهدين يختلف فنانو الأراجوز أنفسهم في تحديد عدد نمر الأراجوز، فعندما سألت «صابـر المصري»، أجاب: «بتاع الأراجوز اللي بجد ممكن يخش البرفان ميطلعش منه إلاّ تاني يوم»، كناية عن كثرة النمر.
ويقول «سمير عبدالعظيم»: «عدد لوحات عربة الأراجوز 18 لوحة، بما يعني أنها 18 نمرة أو تمثيلية»، وفي ذات الوقت سألت «حسن سلطان» فأجاب: 164 نمرة، وحددها «صلاح المصري» بـ 24 نمرة.
ولقد قام المؤلف بحصر نمر الأراجوز التي جمعها من سبعة فنانين هم «صلاح المصري، صابر شيكو، محمد كريمة، سيد الأسمر، سمير عبدالعظيم، حسن سلطان، عم صابر المصري، فلم تخرج عن النمر الآتية:
«جواز بالنبوت» و»الاراجوز ومراته» و»الست اللي بتولد» و»الأراجوز ومراته السودة» و»حرامي الشنطة» و»البربري» و»الشحات» و»فنان بالعافية» و»الحانوتي النصاب» و»كلب السرايا» و»حمودة وأخوه» و»جر شكل» و»الفتوة الغلباوي» و»الاراجوز في سوق العصر» و»أراجوز في الجيش» و»حرب اليهود» و»حرب بورسعيد» و»العفريت». ويضيف بعض اللاعبين أسماء لنمر مثل «حرب النصارى، وحرب 6 أكتوبر». «ارتبطت عروض الأراجوز بشكل أساس بالشارع، كما إن الرافد الأساسي المشكِّل لعقلية الفنان المؤدي هو ممارسات الحياة، ومن ثم فإن دورة الحياة هي أحد أهم الروافد التي شكلت موضوعات عروض الأراجوز، وكانت من العناصر الأساسية لجذب جمهور الشارع، فالموضوعات المطروحة تشكل جزءاً من حياته، وتدور هذه الموضوعات حول الولادة، والتعليم، والتجنيد، والزواج، والعمل، والموت، وجميع هذه الأفعال تشكل ما يُعرف بدورة الحياة ويمكن أن نستخلص سيرة الاراجوز حتى نهايته في نمرة «العفريت» وعلاقاته مع مختلف الأطراف من خلال النمر إذا نظرنا إليها في سياق ترتيبي معين.
علاقة الأراجوز بزوجته
وأشهر الموضوعات عند الجماهير وأولها استدعاء عند فنان الأراجوز علاقته بزوجته وصراعهما الشهير في نمرة «الأراجوز ومراته»، فالعلاقات الأسرية من أكثر العلاقات بروزاً لدى الجمهور ولدى الفنان المؤدي.
أما الفصل الثاني فجاء تحت عنوان صناعة العرض وتناول فيه المؤلف العلاقة بين الفنان المؤدي والجمهور والتداخل بين العوالم المختلفة وغيرها من الفرضيات الأساسية التي تقوم عليها العروض، ثم تناول بنية النمر ومكوناتها من نمر داخلية وأغاني وحوار وبعض أساليب صناعة الفكاهة اللفظية، كذلك تعرضت لشخصيات مسرح الأراجوز على اختلافها، والاعتدائية كوسيلة في حسم صراعه مع مختلف الشخصيات إذ إن العلاقة بين الفنان المؤدي/ الفاعل والجمهور من الركائز الأساسية لصناعة عروض الأراجوز، تلك العلاقة التي تخلق مجالات مختلفة ومستويات متباينة لأشكال التفاعل التي يحرص الفنان المؤدي عليه، وتكون بالنسبة له مؤشراً على نجاح العرض. وكثيراً ما يوقف بعض الفنانين عروضهم طالبين من الجمهور المشاركة، وكأن الجمهور هو الفاعل الحقيقي للعرض.