كتب- هشام الشيخ:قال المدير السابق لمركز التراث العالمي ومستشار منظمتي اليونسكو وإيكروم للتراث الثقافي د.منير بوشناقي إن “المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي الذي تحتضنه مملكة البحرين، مركز فريد من نوعه، ويقود التراث العربي إلى العالمية، ويضاهي المراكز العالمية وتنتظره مهمة حصر المواقع التراثية الثقافية والطبيعية في الدول العربية لإدراجها على لائحة التراث العالمي، وتوفير الدعم الفني والاقتصادي لذلك الهدف”.وأوضح الخبير الدولي في حوار مع “الوطن” أن”إدراج المواقع على التراث العالمي، يحمل بعداً اقتصادياً وسياحياً مهماً، حيث أصبح الاهتمام بالتراث محط أنظار مؤسسات النقد والاقتصاد الدولية، مشيراً إلى أن الدول العربية مجتمعة أدرجت 73 موقعاً تراثياً من إجمالي 970 موقعاً تراثياً ثقافياً وطبيعياً مسجلة في العالم، بينما أدرجت إيطاليا وحدها 43 موقعاً”.وتحدث بوشناقي عن المخاطر والعراقيل التي تتهدد أعمال الترميم في مدينة القدس المحتلة خصوصا بالمسجد الأقصى والمنشآت المحيطة به، موضحاً أن اليونسكو تعمل حالياً على إعادة إحياء المتحف الإسلامي في المدينة المقدسة، وأضاف أن الأوضاع في سوريا تقف حائلاً أمام توجه الخبراء الدوليين لتقييم الأضرار التي قد تكون لحقت بالتراث السوري حيث يجري بوشناقي اتصالات مع السلطات السورية لتقديم المساعدة في هذا المجال. وفيما يلي نص الحوار:^ حدثنا عن زيارتكم الحالية للمملكة واستراتيجية المركز التي تساهمون في رسمها؟.- أتيت بدعوة من وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيس مجلس إدارة المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي، للاجتماع مع مسؤولي المركز لوضع خطة شاملة، حيث يعد المركز فريداً من نوعه ويضاهي المراكز الأخرى التي ترعاها اليونسكو في الصين والنرويج والبرازيل والمكسيك. وسنضع استراتيجية للرؤية المركزية للسنوات الخمس المقبلة للمركز، وحتى الانتهاء منها سيجري وضع تصور لعمل المركز خلال المدى القريب، وسيتم الإعلان عنه خلال حوالي شهر، حيث إن المركز ملزم بتقديم تقرير سنوي عن عمله لليونسكو. إضافة إلى أنه سيتم وضع قاعدة بيانات ومعلومات للتراث العربي الثقافي والطبيعي، حيث إن هناك 73 موقعاً عربياً فقط مدرجة على لائحة التراث العالمي، بينما دولة مثل إيطاليا وحدها أدرجت 43 موقعاً، ولا يرجع ذلك إلى قلة المواقع التراثية في الدول العربية، لكن مرد ذلك غياب الاهتمام الكافي بهذا المجال خلال العقود الماضي. فالدول العربية كانت منشغلة بتثبيت سيادتها ودفع النمو الاقتصادي بعد عقود طويلة من الاستعمار الأجنبي، وبدأ الآن الاهتمام بهذا المجال المهم.ويهدف المركز لدراسة وضع التراث الثقافي والطبيعي في مملكة البحرين، وجميع الدول العربية من خلال الاتفاقية الدولية لعام 1972، والعمل على إدراج المواقع ذات الأهمية الاستثنائية على لائحة التراث العالمي، مثلما حصل مع قلعة البحرين، وطريق اللؤلؤ.ومن مهام المركز بحث وحصر المواقع التراثية في العالم العربي لتسجيلها والحفاظ على صفاتها الاستثنائية، والعمل على توفير الدعم للدول العربية فنياً واقتصادياً، ذلك أن تحضير ملفات تلك المواقع، يتطلب جهوداً كبيرة ودراسات لإثبات قيمة المواقع، حيث لا تمتلك بعض الدول العربية الإمكانات الكافية لتنفيذ هذه الدراسات والوفاء بالاشتراطات التي تطلبها لجنة اليونسكو.^ ما أهمية المركز للبحرين والدول العربية وما الفرق بين المواقع التراثية الثقافية والطبيعية؟.- المركز مؤسسة بحرينية لكن دورها إقليمي وليس وطني فقط، وهناك نقص كبير في الخبراء والمختصين في التراث الثقافي والطبيعي في العالم العربي، لذلك سيهتم المركز بعقد دورات وندوات علمية وترجمة الدراسات الأجنبية من اللغتين الإنجليزية والفرنسية. حيث حظي المركز بترحيب واسع من قبل المجلس التنفيذي والمؤتمر العام لليونسكو خصوصاً أنه جاء بمبادرة من مملكة البحرين. كما إن المملكة عضو باللجنة المكونة من 21 عضواً ومدتها 4 أعوام وتختص بتقييم المواقع التي يجري ضمها للائحة التراث العالمي وذلك عن طريق الانتخاب، كما تضم اللجنة 3 دول عربية أخرى وتنتهي مدة عمل اللجنة الحالية في نوفمبر 2013.جميع الدول العربية غنية بالآثار لكنها تعاني نقصاً في تقديمها للتسجيل، المنطقة العربية هي منبع الحضارات، وقد عقدت مملكة البحرين مؤخراً ندوة حول تراث ما قبل التاريخ، ومن أبرز نتائجها أن المنطقة العربية تمتلك ثروة هائلة من تراث ما قبل التاريخ. البحرين أصبحت من الدول التي تحظى بالاحترام على المستوى العالمي في مجال الحفاظ على التراث نظراً للجهود المبذولة في هذا الشأن، والمركز الجديد سيساهم في الانتقال من مرحلة القرار والرؤية إلى مرحلة الأعمال الميدانية الملموسة على مستوى العالم العربي.نتطلع إلى أن يقدم المركز جواباً على سؤال أطلقته لجنة التراث العالمي وهو هل هناك مزيد من المواقع التراثية ذات القيمة الاستثنائية في العالم بعد تسجيل 970 موقعاً تراثياً ثقافياً وطبيعياً في العالم كله، في 153 دولة؟.. نريد أن يعطي المركز الجواب العلمي بتقديم المواقع العربية وهناك فرق بين المواقع التراثية الثقافية والطبيعية، فالمواقع الثقافية تشمل الآثار والمباني والمعالم السياحية التي شيدت قديماً وتحظى بقيمة ثقافية. أما المواقع الطبيعية فهي مواقع طبيعية لها أهمية استثنائية، والأخيرة لم تحظ بالاهتمام في الدول العربية، فمن بين الـ73 موقعاً المسجلة على لائحة التراث العالمي يوجد 4 مواقع تراثية طبيعية فقط، وهي غاية في الأهمية وبعضها يرجع إلى حقبة ما قبل التاريخ مثل وادي الحيطان في مصر، وموقع على شاطئ موريتانيا وبحيرة داخلية في تونس.^ ما قيمة تسجيل المواقع عالمياً حيث يبدو الأمر للبعض ترفاً؟- تسجيل المواقع عالميا يأتي في المقام الأول للالتزام بالاتفاقية الموقعة، ويهدف التسجيل أولاً إلى الحصول على الاعتراف الدولي بالموقع، وبمجرد الاعتراف تأتي الانعكاسات الإيجابية اقتصادياً وسياحياً من جهة ولنشر القيمة الثقافية أو ما يعرف بـ«الاعتراف الثقافي” من جهة أخرى.المؤسسات المالية والاقتصادية العالمية التفتت إلى القيمة الاقتصادية للمواقع التراثية، لذلك أصبح التراث محل اهتمامها.. لماذا أصبح البنك الدولي يهتم بها ويمنح القروض والمساعدات؟ وكذلك البنك الآسيوي وحتى البنك الأفريقي .. إن ذلك أكبر دليل على وجود مردود اقتصادي للتراث، ومساهمته في تنويع اقتصاد الدول.جميع المواقع التراثية اختلف واقعها تماماً بعد تسجيلها عالمياً، وهذا حصل في كثير من الدول منها إيطاليا وفرنسا، وهناك مثال واضح جداً في كمبوديا، حيث يوجد موقع لأحد المعابد البوذية في أحد المدن التي كانت مهمشة وكان لا يوجد بها سوى فندق أو اثنين على الأكثر، لكن الآن بعد تسجيل هذا الموقع عالمياً، أصبح عدد الفنادق في تلك المدينة 114 فندقاً ذات مستويات عالية، كما إن تحقيق الاعتراف الثقافي للدول العربية هو أحد أفضل السبل لنشر الثقافة والقيم العربية وتعريف العالم بها.وفي البحرين، كانت مبادرة وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، في توظيف البيوت القديمة والاهتمام بها محل إشادة إذ لابد أن يظل الاهتمام بمثل هذه المواقع حياً، إضافة إلى أهمية دراسة مزيد من المواقع لإدخالها على قائمة التراث العالمي. وطريق اللؤلؤ من المواقع المهمة حيث تبحث لجنة التراث العالمي عن الطرق الثقافية في العالم، وطريق اللؤلؤ يماثل طريق البخور في عمان، حيث له قصة وتاريخ وثقافة، وكذلك طريق سان جاك ذي كومبوستيل الذي يربط بين فرنسا وإسبانيا، واللؤلؤ ليس عملية غطس فقط، إنما وصل تأثيرها إلى العلاقات الدولية حتى أقصى دول شمال أوروبا، وقد أخذ الملف 4 سنوات من العمل العلمي من مختلف الجوانب لإقناع اللجنة.^ كيف تتم عملية التقييم؟- التسجيل ليس عملية سهلة والدخول إلى القائمة صعب جداً لإثبات الأهمية الاستثنائية للموقع مما يتطلب جهوداً علمية مادية ووقتاً طويلاً .وهناك 3 منظمات تلعب أدواراً في عملية التقييم، الأولى هي منظمة “إيكروم” التي تأسست عام 1956 وهي معنية بدراسات صون وترميم الممتلكات الثقافية، ومنظمة إيكوموس لحماية المباني والمواقع التراثية ومنظمة إيكون لحماية البيئة وهي مختصة بتقييم المواقع الطبيعية، وهي منظمات استشارية غير حكومية.ونتمنى من كافة الدول العربية التعاون مع المركز الجديد، وأتوقع أنه سيحظى بالدعم مع وجود أهداف واضحة ومراحل واستراتيجية محددة تستقطب اهتمام مختلف الحكومات العربية نظراً للعائد الإيجابي المؤكد الذي يعود على جميع الدول العربية.^ ماذا قدمت اليونسكو لحماية تراث مدينة القدس الشريف خاصة المسجد الأقصى؟- دائما يقول لي الصحافيون إن اليونسكو لا تفعل شيئاً للمسجد الأقصى وهذا غير صحيح، فمثلا لو قررت أي دولة عربية تقديم موازنة مالية لليونسكو لأعمال ترميم في المسجد الأقصى فإنه لا أحد يمنع ذلك ويمكن تنفيذ الأعمال المطلوبة، ونحن ندعو إلى مزيد من هذا الدعم، لكن اليونسكو أيضاً منظمة وليست قوة كبرى يمكنها فعل المستحيل، وأكون مخطئاً إذا قلت إنه ليست هناك عراقيل.هذا موضوع متشعب ومعقد بسبب ظروف الاحتلال المعروفة، لجنة اليونسكو أدخلت مدينة القدس القديمة المحاطة بالأسوار كلها في قائمة التراث العالمي في عام 1981، ثم نقلتها إلى قائمة التراث المهدد بالخطر في العام التالي بطلب من الأردن، رغم أنها كانت محتلة في ذلك الوقت، وهي كذلك الآن مدينة محتلة طبقاً للقانون الدولي.نواجه عقبات وعراقيل كثيرة جداً في إدخال العمال للموقع، أو المواد، وقد تطلب الأمر عامين كاملين حتى تمكنا من إدخال أجهزة ترميم المخطوطات، لكن هناك أعمال مستمرة ولدينا اتفاقية مع الأوقاف الفلسطينية والأردنية.^ ما قيمة إدراج القدس كتراث مهدد في ظل المخاطر المتزايدة على المسجد الأقصى؟- بالتأكيد هناك مخاطر، لكن موضوع القدس وتراثها -خصوصاً المسجد الأقصى، ومسجد قبة الصخرة وغيرهما من الآثار والمباني- مدرج سنوياً على جدول أعمال المجلس التنفيذي ولجنة التراث العالمي، وهذا أمر مهم، وهناك العديد من الإجراءات والبعثات ترميم.ومنذ إدراجها تلقت اليونسكو مساعدات من الدول العربية، وحصلت ترميمات في قبة الصخرة، بتمويل من الأردن، وترميم المتحف الإسلامي بمساعدة السعودية، وتم إدخال أجهزة لمكتبات الكتب الثمينة، وأنا كنت مكلفاً شخصياً بتدريب 5 فلسطينيين لمدة 3 سنوات في إيطاليا على ترميم المخطوطات الموجودة في القدس الشريف، وعملنا مع مؤسسة فلسطينية في القدس للإشراف على الترميم داخل القدس، وآخر أعمال للترميم كانت في المدرسة المنجكية وبها الآن مختبر لترميم المخطوطات. كما يجري حالياً إعادة ترميم المتحف الإسلامي قرب المسجد الأقصى بإشراف خبراء من اليونسكو، وكانت آخر أعمال الترميم عليه قبل ذلك قامت بها مصر في عام 1956 قبل الاحتلال.هل هناك مواقع فلسطينية أخرى محل اهتمام اليونسكو؟مدينة أريحا كانت موضع دراسات من قبل خبراء إنجليز في القرن التاسع عشر والقرن العشرين أثبتت أنها تحمل طبقات وجود إنساني قبل 5 آلاف عام، وتعتبر من أقدم المدن في العالم، فهي من الناحية التاريخية لها أهمية كبرى، ويمكن إدراجها على قائمة التراث العالمي من قبل السلطات الفلسطينية، وهذا يتطلب دراسات علمية والاهتمام بمنع الأضرار عن الموقع لإدراج ملف متكامل.^ ماذا عن التراث السوري الذي أصبح الآن مهدداً كحال الشعب السوري؟- أطلقنا نداء للحفاظ على التراث في سوريا من كل الأطراف من خلال اجتماعين نظمتهما المديرة العامة لليونسكو أخيراً، وهناك مواقع في سوريا مدرجة على لائحة التراث العالمي، وأنا شخصياً على اتصال مع مدير عام التراث الثقافي السوري، لبحث أي عمل ممكن للمساعدة في الحفاظ على التراث، لكن لا يوجد تقييم للأضرار، حيث لا تستطيع أي بعثة علمية التوجه حالياً إلى سوريا لتحديد أية أضرار وكل ما هو موجود من معلومات هي عن طريق الصحافة الأجنبية. ونحن كمنظمة دولية تعاملنا مع المؤسسات الحكومية، ولا توجد فروع للمنظمات غير الحكومية داخل سوريا. ^ كيف تقيمون تجربة الحفاظ على التراث العالمي؟- ستحتفل المجموعة الدولية بمرور 40 عاماً على اتفاقية 1972 في اليابان صاحبة المبادرة في مدينة كيوتو، في الفترة من 6 إلى 10 نوفمبر المقبل، من النقاش حول تقييم التجربة الدولية لهذا المجال.