امتزجت الدموع بكلمات شهود عيان عاصروا مأساة مسلمي بورما، تحدثوا والحزن باد عليهم، وقلوبهم تعتصر ألماً مما شاهدوه من تعذيب وتنكيل يمارس على قومية الروهنجيا المسلمة. «اغتصاب النساء، وقتل جماعي، وتهجير عائلات، وتعذيب بلا رحمة، ومخيمات بلا أدنى مقومات للحياة»، بعض مما ورد خلال جلسات مؤتمر نصرة المظلومين في بورما الذي يعقد في إسطنبول على مدار يومي الأربعاء والخميس بتنظيم من الهيئة الإسلامية العالمية للمحامين المنبثقة عن رابطة العمل الإسلامي، وبتنفيذ من شركة الرشيد للإعلام ومقرها الرياض. كانت البداية مع البورمية عائشة، التي عاشت المأساة بحذافيرها، ووصفت المشهد، وتحدثت وهي تغالب دموعها، التي لم تستطع حبسها.
وقالت «سأشارككم المأساة التي حدثت مع أسرتي، وسأبدأ بأبي الذي لم استطع التواصل معه منذ 3 أشهر، بسبب اعتقاله في سجن انفرادي، لا لذنب اقترفه، ولكن لكونه طبيباً ومثقفاً وعضواً في المجلس الإسلامي البورمي»، مضيفة «ولد أبي عام 1940، وتزوج أمي عام 1971، وعمل كطبيب في الدولة منذ عام 1975 والجميع يحترمه والكل يحبه، وهو متعاون مع السلطات والحكومة، وعرف عنه الأمانة والصدق في مدينتنا».
وتابعت «اعتقل والدي أثناء ذهابه لصلاة الجمعة في المسجد، ووضع في زنزانة انفرادية، ومنعنا من رؤيته والتواصل معه، ومنع عنه الدواء، علماً أنه يعاني أمراضاً عدة منها مرض في الدماغ، تسبب بفقد بصر عينه اليمنى». ولفتت إلى أن سبب اعتقال والدها هدف للتغطية على الجرائم التي يرتكبها النظام البورمي من تصفية عرقية، ولكي لا ينقل والدها صورة الاضطهاد والمعاناة للعالم. وقالت «باعتقال والدي اعتقدوا أنهم سيقضون على المسلمين ووجودهم، رغم أن المسلمين هم السكان الأصليون للبلاد». ولم يقف الحد عند والد عائشة بل تم اعتقال أختها وزوجها من بيتهما، دون أي سبب، ولم يسمح لهما بالتواصل مع أي شخص مباشرة أو عن طريق التلفون، بحسب عائشة.
بكت عائشة متوسلة الحضور مساعدتها بإنقاذ أبيها، قبل أن يموت. أما الناشط في حقوق الإنسان أحمد البغدادي فتحدث عن زيارته التي قام بها لمخيم اللاجئين البورميين في بنغلادش، مستعيناً بصور عرضها على الجمهور تبين معاناة الروهنجيا. وقال «يوجد 200 ألف لاجئ بورمي يتوزعون على 5 مخيمات، زرت أحدها على حدود بنغلادش، ويقطنه 12 ألف لاجئ». مضيفاً «رأيت خيماً وبيوتاً سقفها من القش والبلاستيك، لا تقي الإنسان من برد الشتاء ولا حر الصيف، رأيت أناساً لا يجدون ما يأكلونه، رأيت أطفالاً يموتون بين يدي آبائهم وأمهاتهم، رأيت الأمطار تهطل عليهم وتشكل سيولاً حول مساكنهم، رأيت مياه المجاري تسير بين بيوتهم».
وتحدث البغدادي عن عمليات اغتصاب يومية، من قبل ميليشيات مسلحة، وروى قصصاً كثيرة عن حالات مشابهة تمت داخل المخيم. وينقل الناشط في مجال حقوق الإنسان قصة عائلة هربت من الموت لتلاقي الموت بطريقة أخرى ويقول: «تلك العائلة المكونة من اثني عشرة شخصاً من عائلة واحدة هربوا من القتل والتعذيب في بورما إلى بنغلادش، فلقوا حتفهم جميعاً هناك، عشرة منهم غرقوا وسط المياه، والاثنان الآخران قتلوا على يد مسلحين».
ولم يجد مسلم بورمي مسن روى قصته للبغدادي أبلغ من هذه الآية ليصف حالته «يوم يفر المرء من أخيه، وأمه و أبيه، وصاحبته وبنيه»، ويتابع «كنت أجلس في منزلي أتناول طعام الإفطار برمضان، فسمعت ضجة خارج المنزل، فخرجت فإذا بالنيران تشتعل في مساكن الحي، وأصوات الرصاص تصدح بالشوارع، ليبدأ مسلسل القتل الجماعي، فهربت دون أن أنظر خلفي، كأنه يوم القيامة، ولا أدري ما حل بعائلتي، لأني لم أرهم بعدها». أما المهندس سعود الغانم، الناشط في مجال حقوق الإنسان، فاستعرض 5 صور فوتوغرافية تحكي قصصاً مختلفة من المعاناة، أحدها لأب يحمل ابنه بين يديه، وقد بدت عظام طفله ظاهرة، والجلد تملؤه التقرحات بسبب الأمراض وعدم وجود دواء، ووجه الطفل شاحباً ينتظر الموت، كحال أبيه ذا الجسم الهزيل النحيل.
وعلق الغانم قائلاً «وكأني أسمع أنين الطفل بأذني وأنا أتحدث إليكم الآن».
أما القصة الأخرى، والأشد ألماً فهي لامرأة فقدت أطفالها «هذه المرأة هربت هي وأولادها الخمسة من القتل والاضطهاد عبر البحر، وأثناء ذلك وعلى متن القارب مرض أحد أبنائها، وتوفي من الجوع، فقال لها من على القارب، ألقي بطفلك في البحر، وأصروا عليها بفعل ذلك، فما كان منها إلا أن ألقت فلذة كبدها بالبحر، وما هي إلا لحظات ويموت طفلها الآخر، وفعلت معه ما فعلته مع الأول، وتبعه الطفل الثالث، لتلقيه إلى جوار أخويه، إلى أن وصلت إلى المخيم في بنغلادش ومعها طفلين فقط»، كما رواها الغانم. وختم الغانم حديثه متسائلاً: « كيف سنقف بين يدي الله عندما يسألنا عن هؤلاء؟».