هو الصحابي الجليل أبوعبيدة عامر بن عبدالله بن الجراح رضي الله عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وكان من أحب الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وسماه رسول الله أمين الناس والأمة، حيث قال “لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبوعبيدة بن الجراح”.
ولما جاء وفد نجران من اليمن إلى الرسول، طلبوا منه أن يرسل معهم رجلاً أميناً يعلمهم، فقال لهم “لأبعثن معكم رجلاً أميناً، حق أمين”، فتمنى كل واحد من الصحابة أن يكون هو، ولكن النبي اختار أباعبيدة، فقال “قم يا أبا عبيدة”.
وقد هاجر أبوعبيدة إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وفي المدينة آخى الرسول بينه وبين سعد بن معاذ رضي الله عنهما.
ولم يتخلف أبوعبيدة عن غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت له مواقف عظيمة في البطولة والتضحية، ففي غزوة بدر رأى أبوعبيدة أباه في صفوف المشركين فابتعد عنه، بينما أصر أبوه على قتله، فلم يجد الابن مهرباً من التصدي لأبيه، وتقابل السيفان، فوقع الأب المشرك قتيلاً، بيد ابنه الذي آثر حب الله ورسوله على حب أبيه، فنزل قوله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وفي غزوة أحد، نزع الحلقتين اللتين دخلتا من المغفر “غطاء الرأس من الحديد وله طرفان مدببان” في وجه النبي صلى الله عليه وسلم من ضربة أصابته، فانقلعت ثنيتاه، فحسن ثغره بذهابهما.
وكان أبوعبيدة على خبرة كبيرة بفنون الحرب، وحيل القتل لذا جعله الرسول صلى الله عليه وسلم قائداً على كثير من السرايا، وقد حدث أن بعثه النبي صلى الله عليه وسلم أميراً على سرية سيف البحر، وكانوا 300 رجل فقل ما معهم من طعام، فكان نصيب الواحد منهم تمرة في اليوم ثم اتجهوا إلى البحر، فوجدوا الأمواج قد ألقت حوتاً عظيماً، يقال له العنبر، فقال أبوعبيدة: ميتة، ثم قال: لا، نحن رسل رسول الله وفي سبيل الله، فكلوا، فأكلوا منه 18 يوماً.
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لجلسائه يوماً: “تمنوا. فقال أحدهم: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت دراهم، فأنفقها في سبيل الله. فقال: تمنوا. فقال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت ذهباً، فأنفقه في سبيل الله. فقال عمر: لكني أتمنى أن يكون ملء هذا البيت رجالاً من أمثال أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، فأستعلمهم في طاعة الله”.
وكان عمر يعرف قدره، فجعله من الستة الذين استخلفهم، كي يختار منهم أمير المؤمنين بعد موته.
وكان أبوعبيدة كثير العبادة يعيش حياة القناعة والزهد، وقد دخل عليه عمر رضي الله عنه وهو أمير على الشام، فلم يجد في بيته إلا سيفه وترسه ورحله، فقال له عمر: “لو اتخذت متاعاً فقال أبوعبيدة: يا أمير المؤمنين، إن هذا سيبلِّغنا المقيل “سيكفينا”“.
وقد أرسل إليه عمر 400 دينار مع غلامه، وقال للغلام: “اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه ثم انتظر في البيت ساعة حتى ترى ما يصنع، فذهب بها الغلام إليه، فقال لأبي عبيدة: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك. فقال أبوعبيدة: وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالي يا جارية، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها.
وكان يقول: ألا رب مبيض لثيابه، مدنس لدينه، ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين! بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات”.
وفي سنة 18هـ أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشاً إلى الأردن بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، ونزل الجيش في عمواس بالأردن، فانتشر بها مرض الطاعون أثناء وجود الجيش وعلم بذلك عمر، فكتب إلى أبي عبيدة يقول له: إنه قد عرضت لي حاجة، ولا غنى بي عنك فيها، فعجل إلي.
فلما قرأ أبوعبيدة الكتاب عرف أن أمير المؤمنين يريد إنقاذه من الطاعون، فتذكر قول النبي: “الطاعون شهادة لكل مسلم”. فكتب إلى عمر يقول له: إني قد عرفت حاجتك فحللني من عزيمتك، فإني في جند من أجناد المسلمين، لا أرغب بنفسي عنهم. فلما قرأ عمر الكتاب، بكى، فقيل له: مات أبوعبيدة؟! قال: لا، وكأن قد “أي: وكأنه مات”.
فكتب أمير المؤمنين إليه مرة ثانية يأمره بأن يخرج من عمواس إلى منطقة الجابية حتى لا يهلك الجيش كله، فذهب أبوعبيدة بالجيش حيث أمره أمير المؤمنين، ومرض بالطاعون، فأوصى بإمارة الجيش إلى معاذ بن جبل، ثم توفي ودفن في عمواس بغور الأردن وعمره 58 عاماً، بعد أن صلى عليه معاذ بن جبل. وقد روى أبوعبيدة 14 حديثاً عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
مساجد لها تاريخ
^ جامع الزيتونة من أقدم جوامع تونس، وهو جامعة وجامع ويقع بالعاصمة، وهو ثاني الجوامع التي بنيت في أفريقيا بعد جامع عقبة بن نافع في القيروان، ويرجح المؤرخون أن من أمر ببنائه هو حسان بن النعمان عام 79 هـ وقام عبيدالله بن الحبحاب بإتمام عمارته في عام 116 هـ. تتميّز قبّة محرابه بزخرفة كامل المساحة الظاهرة في الطوابق الثلاثة بزخارف بالغة في الدقة تعتبر النموذج الفريد الموجود من نوعه في العمارة الإسلامية في عصورها الأولى. وللجامع دور حضاري وعلمي في العالم العربي والإسلامي إذ اتخذ مفهوم الجامعة الإسلامية منذ تأسيسه وتثبيت مكانته كمركز للتدريس وقد لعب الجامع دوراً طليعياً في نشر الثقافة العربية الإسلامية في بلاد المغرب، وفي رحابه تأسست أول مدرسة فكرية بأفريقيا أشاعت روحاً علميّة ومنهجاً حديثاً في تتبع المسائل نقداً وتمحيصاً ومن أبرز رموز هذه المدرسة علي ابن زياد مؤسسها وأسد بن الفرات والإمام سحنون صاحب المدوّنة التي رتبت المذهب المالكي وقننته. واشتهرت الجامعة بالفقيه المفسّر والمحدّث محمد بن عرفة التونسي صاحب المصنّفات العديدة وابن خلدون المؤرخ ومبتكر علم الاجتماع.