يعد حق العمل وحقوق العمال من المبادئ المهمة التي قامت عليها حقوق الإنسان، حيث أدت المطالبات التاريخية للعمال في العديد من المجتمعات من العصور الوسطى، إلى تنظيم حقوق العمل والعمال بالشكل الحديث الذي ظهر اليوم على هيئة منظمات إقليمية ودولية، وكذلك مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
ففي العام 1919 تأسست منظمة العمل الدولية باعتبارها من المؤسسات التابعة لعصبة الأمم، وبعد فشل تجربة العصبة، انتقلت المنظمة لتبعية منظومة الأمم المتحدة، ولذلك أدرجت حقوق العمال في المادتين (23) و(24) من مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وتنص المادة (23) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أن لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية كما إن له حق الحماية من البطالة، ولكل فرد دون أي تمييز الحق في أجر متساوٍ للعمل. أيضاً لكل فرد يقوم بعمل الحق في أجر عادل مرضٍ يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان، تضاف إليه عند اللزوم، وسائل أخرى للحماية الاجتماعية. إضافة إلى أن لكل شخص الحق في أن ينشئ وينضم إلى نقابات حماية لمصلحته.
أما المادة (24) فتنص على أن لكل شخص الحق في الراحة، وفي أوقات الفراغ، ولاسيّما في تحديد معقول لساعات العمل وفي عطلات دورية بأجر.
ومن المهم هنا أن نفهم ما المقصود بالعمل، فالحق في العمل؛ هو حق الإنسان في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية. فالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية نص على «الحق في العمل الذي يشمل ما لكل شخص من حق في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل».
اتفاقية منظمة العمل الدولية حددت واجبات الدول تجاه سياسة العمالة بأربع مسؤوليات، هي: الإقرار بالمسؤولية في تحقيق واستمرار أعلى مستوى للعمل وأفضله استقراراً بهدف تأمين العمل للجميع، وتوفير حماية فعالة لحق العامل في كسب معيشته من عمل يختاره بحرية، وإنشاء خدمات عمل مجانية لكل العمال، إضافة إلى تأمين أو تشجيع التوجيه والتعليم والتأهيل المهني المناسب.
مملكة البحرين لم تكن بعيدة عن حقوق العمال التي تعد جانباً مهماً من جوانب التزاماتها الحقوقية الدولية، ولذلك وقعت على العديد من الاتفاقات الدولية المهمة. ولكن قبل ذلك اهتم دستور المملكة بقطاع العمل، وكفل حق العمل بشكل متساوٍ للجميع، فيما جاءت القوانين الوطنية لتنظم مجالات عديدة تتعلق بحق العمل وحقوق العمال.
ويمكن استعراض أهم الإنجازات التي حققتها البحرين في مجال حقوق العمال بالآتي:
ـ إتاحة حق تشكيل النقابات في ظل وجود قانون وطني يكفل وينظم هذا الحق، وهو ما كوّن حركة نقابية نشطة تشمل العديد من النقابات في مختلف المؤسسات والشركات.
ـ إصدار قانون الخدمة المدنية وكذلك قانون العمل، فالأول ينظم حقوق العمال في القطاع الحكومي بكافة الوزارات والمؤسسات، في حين ينظم الآخر العمل في القطاع الخاص.
ـ استحداث نظام تأميني يغطي كافة العاملين في الدولة وفق أسس ومعايير مناسبة، وهو ما يضمن للعامل حقوقه في حالة التقاعد أو العجز أو الوفاة.
ـ تأسيس نظام التأمين ضد التعطل، والذي يعد من الأنظمة المتطورة والقليلة على مستوى الشرق الأوسط، ويهدف إلى تحقيق التكافل الاجتماعي للجميع.
ـ تنظيم ساعات العمل، وخاصة للعمالة التي تعمل ميدانياً مثل عمال الإنشاءات وغيرهم، بحيث يمنع هؤلاء من العمل على عدة ساعات من الظهيرة حفاظاً على صحتهم وسلامتهم، وهو ما يعد من حقوقهم الإنسانية أيضاً.
ـ استحداث أنظمة رقابية للتأكد من السلامة المهنية لمواقع العمل عبر عمليات تفتيش دورية، وهي أنظمة هدفها الحفاظ على العمال، والتأكد من سلامة بيئة العمل.
في ما يتعلق بالاتفاقات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، فإن المملكة وقعت على العديد منها، خاصة وأن بعضها يدخل في إطار اتفاقات أو مواثيق حقوقية أكبر كما هو الحال بالنسبة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومن هذه الاتفاقات الاتفاقية الدولية بشأن عمل النساء ليلاً والتي وقعت عليها المملكة في العام 1981. وهدف هذه الاتفاقية حماية النساء العاملات ليلاً ويهدف إلى الحفاظ عليهن، مع السماح لهن بالعمل ليلاً في بعض الوظائف.
كذلك الاتفاقية الدولية بشأن التأهيل المهني والعمالة للمعاقين التي انضمت لها البحرين في 7 أبريل 1999 بهدف مساواة الفرد المعاق بالسوي في العمل، وتأكيداً للدور الذي يمكن أن يلعبه المعاق في التغلب على الصعوبات التي يواجهها، والمشاركة بشكل إيجابي في بناء المجتمع.
أيضاً من الاتفاقات التي انضمت لها المملكة الاتفاقية الدولية بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة، وتهدف إلى المساواة بين الجنسين وهو حق كفلته الشريعة الإسلامية. وهذه الاتفاقية انضمت إليها المملكة في 19 أبريل من العام 2000. كذلك الاتفاقية الدولية بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال التي انضمت إليها المملكة في 21 فبراير 2001، وتهدف إلى حماية استغلال الأطفال في العمل، وضرورة أن توفر لهم حقوقهم الأخرى بدلاً من عملهم، وهو ما أكده قانون حقوق الطفل الذي صدر مؤخراً.
في ضوء ذلك يتضح حجم اهتمام المملكة منذ فترة طويلة بحفظ حقوق العمل وحقوق العمال، انطلاقاً من الحقوق التي أقرها الدستور وميثاق العمل الوطني، وتعهداً بالالتزامات الدولية في المجال الحقوقي.
معهد البحرين للتنمية السياسية
[email protected]