كتب - محرر الشؤون المحلية:
بعد مرور أكثر من عام على رسالة وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف إلى الشيخ عيسى قاسم يحثه فيها على التحلي بالمسؤولية والحفاظ على اللحمة الوطنية، لاتزال خطابات التحريض على العنف والإرهاب تتفاقم وتزداد وتيرتها لتطال بخطورتها المجتمع بأسره خصوصاً تحريضه للزج بالشباب في دوامة العنف، الأمر الذي يجعله تحت طائلة القانون، والسلطة الإدارية الكاملة لوزارة العدل في ممارسة حقها في وقفه عن الخطابة.
وتعددت المخالفات والانتقادات الموجهة لخطب عيسى قاسم، بدءاً من تحريضه على تجاوز القانون منذ فترة طويلة، وتشجيعه المستمر لأعمال العنف تحت غطاء ديني طائفي، وما تسبب فيه هذا الأمر من تعطيل لاستئناف حوار وطني في أجواء العنف.
وتوجت ممارسات قاسم التحريضية بفتواه الشهيرة “اسحقوهم” التي أطلقها في يناير من العام الحالي، وشهدت المملكة على إثر تلك الخطبة تصعيداً خطيراً كماً ونوعاً في أعمال الإرهاب المميتة باستخدام القنابل الحارقة والعبوات المتفجرة محلية الصنع، استهدف فيها الإرهابيون رجال الأمن بقصد القتل، كما تعرضت الشوارع والممتلكات العامة والخاصة للحرق والتخريب، وعاش كثير من المواطنين والمقيمين في ظل أجواء من الترويع المستمر.
وفي حين قابل الأتباع فتواه بقتل رجال الأمن بالهتاف بتلبية النداء، تطوعت بعض الجمعيات السياسية المعارضة المحسوبة على التيار الراديكالي لتقديم المبررات للفتوى، فيما لم يصدر أي موقف من قبل قاسم لنبذ العنف أو وقف أعمال التخريب المستمرة، خصوصاً أن الشيخ له تأثير روحي واسع على أتباعه ولا يتصور ألا يستجيبوا له إذا اتخذ مبادرة بالدعوة لوقف العنف.
وتطورت المخالفات في خطابات الرمز الديني لتصل إلى التدخل في عمل السلطة القضائية، ووجهت إليه انتقادات “بالتدخل السافر والمكشوف في القضاء ومحاولة التأثير على الأحكام القضائية والدعوة لإطلاق سراح رؤوس الفتنة المدانين قضائياً”، وهو ما اعتبره مراقبون “تهديداً واضحاً للسلم الأهلي”.
ولم يتوقف الأمر عند المطالبة باتخاذ إجراء وقفه عن الخطابة وامتد إلى مطالبة فعاليات عديدة في مناسبات مختلفة خلال العام الحالي بتجريد قاسم من الجنسية البحرينية، استناداً إلى “استغلاله الجنسية البحرينية في الارتكاب العلني لجرائم الإضرار بالوطن، والإضرار بأمن الدولة”.
وكان لافتاً أن عدم اتخاذ أي إجراء قانوني يذكر تجاه قاسم حتى الآن دفعه للتمادي في نهجه الذي يوصف بالتحريضي، حيث هدد حديثاً في خطبتين له بـ«مفاجآت على المستوى السياسي والأمني خلال الفترة المقبلة”، وهو ما فسر بوجود نوايا لتصعيد مقبل بدا أن عيسى قاسم هو من يتحمل مسؤولية التخطيط له وإطلاق شرارته بتنسيق كامل مع الولي الفقيه في إيران.
ويُتهم قاسم بأنه الوكيل الشرعي لنظام الولي الفقيه في طهران داخل مملكة البحرين، وأنه يباشر عملياً تنفيذ أجندة تصدير الثورة “الإسلامية” التي اعتمدتها إيران منذ العام 1979، وعملت من خلالها على إيجاد عملاء لها في دول الخليج بهدف زعزعة الاستقرار فيها.
وبحسب رئيس اللجنة التشريعية بمجلس النواب النائب أحمد الملا تعد خطابات عيسى قاسم مخالفة للقرار الوزاري رقم 23 لسنة 2009، بإصدار آداب الخطاب الديني، حيث نص على “تجنب استغلال الخطاب الديني لخدمة اتجاهات سياسية شخصية أو فئوية أو لعمل دعاية انتخابية”، و«الحث على احترام النفس البشرية وحرمة الدماء والأموال والأعراض بما يحقق الأمن”، و«العمل على بث روح الانتماء للوطن والدفاع عن ثوابته الإسلامية وهويته العربية”، و«احترام مبدأ المواطنة الصالحة والتعايش المشترك في ظل قيادة جلالة الملك رأس الدولة، والممثل الأسمى لها والحامي الأمين للدين والوطن، ورمز الوحدة الوطنية، ويسانده في ذلك ولي عهده.
وأكد الملا أن وزارة العدل تملك السلطتين القانونية والإدارية لوقف عيسى قاسم عن الخطابة.
وكان وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة صرح أخيراً أنه سيتم قريباً منع المحرضين كافة من الخطابة، مشيراً إلى أنه لا يوجد رجل دين معصوم، في إشارة إلى أن الإجراء المرتقب لن يستثني رجال الدين أمثال عيسى قاسم، إلا أن عدم إنفاذ هذه التصريحات يواجه انتقادات شعبية حتى اللحظة الراهنة، حيث يعتبر كثيرون أن هناك تراخياً وتأخراً رسمياً في اتخاذ إجراء حاسم ضد قاسم.
وعدد وزير العدل في رسالة وجهها للشيخ عيسى قاسم في شهر أغسطس من العام الماضي، كثيراً من المخالفات التي يتوقع أن تتحول في أي لحظة إلى لائحة اتهام خصوصاً مع استمرار ارتكاب معظمها حتى الآن، ورغم تعبير الوزير في رسالته عن الاحترام والتقدير والأسلوب التصالحي الذي طغى على نصها إلا أنها لم تقابل بالتجاوب الذي توقعه الوزير، بل تمادى قاسم في خطاباته التحريضية ومخالفته القانون.
وذكر الوزير في رسالته أن الوزارة رصدت قيام قاسم في عدة خطب لصلاة الجمعة باستعمال مصطلحات وعبارات تعد دعوة إلى تحريض الناس للخروج على القانون، والتقرير منفرداً من فوق منبر رسول الله في شأن عامة المسلمين بأن أطلق أحكاماً بالمظلومية والاستهداف، كما اعتبر الوزير أنه “ليس من المقبول أن تقوموا باحتكار كلمة الشعب لتتحدثوا باسمه بصفة التقرير في أمره مع علمكم الطابع الفئوي الذي تحمله هذه الكلمة في ذهن المتلقي”.
وقال وزير العدل إن “الأمر تجاوز حد المقبول واستغلال المنبر للتدخل في سير المحاكمات وإطلاق الأحكام جزافاً باحتكار العدالة حتى أصبحت خطبتكم الأسبوعية أحد الدوافع الأساسية للزج بالشباب نحو العنف والتخريب ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل رصدنا أموراً غير مقبولة لمنبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للمزج به واستغلاله في شأن الانتخابات التكميلية، وذلك عن طريق تقريركم من فوق المنبر في شأن التشريح والانتخاب وهو أمر غير مقبول على المستويات كافة.