يُفتتح اليوم دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعي الثالث للسلطة التشريعية التي يمثلها البرلمان بمجلسيه النواب والشورى. ويمثل دور الانعقاد دورة جديدة من الدورات الأربع في كل فصل تشريعي الذي يستغرق أربع سنوات كاملة، ويكتسب هذا الدور أهمية خاصة مقارنة بالفصول التشريعية السابقة، وبالأدوار السابقة بسبب التعديلات الدستورية التي أجريت خلال الفترة الماضية.
حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة سيتفضل فيشمل برعايته الكريمة حفل افتتاح دور الانعقاد الثالث، وهو إجراء منصوص عليه دستورياً، ويتم في بداية كل دور انعقاد، بحيث يتفضل العاهل بإلقاء كلمة مهمة تتضمن عادة تقييماً للأوضاع الراهنة في الدولة، وعلاقاتها الخارجية، إضافة إلى رؤية جلالته للفترة المقبلة، وتطلعاته لنشاط السلطة التشريعية.
يشمل افتتاح دور الانعقاد الثالث، إعادة إجراء الانتخابات لرئاسة اللجان البرلمانية الدائمة في المجلسين، إضافة إلى انتخابات منصبي نائب الرئيس في مجلس الشورى، وذلك فيما يسمى بـ«الجلسة الإجرائية” التي تقام عادة بداية كل دور انعقاد بعد حفل الافتتاح مباشرة.
أهمية هذا الدور أنه يأتي في مرحلة مهمة من مراحل التحول الديمقراطي في مملكة البحرين التي بدأت في العام 2001، فإذا كانت الفصول التشريعية السابقة “الفصل التشريعي الأول: 2002-2006، والفصل التشريعي الثاني: 2006-2010، والفصل التشريعي الثالث: 2010-الآن”، شملت سلسلة مستمرة من الإصلاحات على صعيد إصدار العشرات من التشريعات، وتفعيل الدور الرقابي للبرلمان، وشملت كذلك تأسيس وتفعيل دور العديد من المؤسسات الدستورية التي لم تكن موجودة قبل بدء التحول الديمقراطي في البلاد، فإن دور الانعقاد الجديد والفترة المقبلة ستشهد تفعيلاً للتعديلات الدستورية الأخيرة من خلال السلطة التشريعية.
التعديلات الدستورية التي سيتم تفعيلها من قبل السلطة التشريعية وبقية المؤسسات الدستورية الأخرى جاءت بعد مرئيات تم تقديمها كتوصيات خلال حوار التوافق الوطني في صيف العام 2011. ومن أبرز هذه التعديلات حالياً تغيير دورة التشريع بما يضمن الإسراع في إقرار القوانين، وزيادة صلاحيات مجلس النواب مقارنة بصلاحياته في السابق، خاصة وأن رئيس مجلس النواب سيتولى رئاسة المجلس الوطني “البرلمان بغرفتيه”، بعد أن كانت هذه المسؤولية مسندة قبل التعديلات الدستورية إلى رئيس مجلس الشورى المعيّن.
مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق أعضاء مجلسي النواب والشورى مع بدء دور الانعقاد الثالث، فعلى مستوى التشريعات، هناك العديد من المراسيم بقوانين التي صدرت خلال فترة الإجازة البرلمانية ما بين دوري الانعقاد الثاني والثالث، ومثل هذه المراسيم تعد آلية لضمان عدم تعطيل صدور القوانين في ظل غياب انعقاد السلطة التشريعية، حيث أعطى الدستور جلالة الملك صلاحية إصدار المراسيم خلال فترة الإجازة البرلمانية، على أن يقوم البرلمان بمراجعتها فور انعقاده، مع إمكانية التعديل عليها.
معظم هذه التشريعات ترتبط بالتزام الدولة لتوصيات تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، ولجنة المتابعة التي شكلت لاحقاً، حيث تتطلب بعض التوصيات إجراء تعديلات جوهرية في بعض التشريعات، مثل قانون العقوبات وغيره. كما أن هذه التشريعات أيضاً ترتبط كذلك بمخرجات حوار التوافق الوطني التي تحتاج إلى إجراء تعديلات تشريعية في مجموعة من القوانين.
وعليه، فإن النواب وأعضاء مجلس الشورى سيعملون على مراجعة جميع هذه القوانين في دور الانعقاد الثالث، إضافة إلى القوانين الأخرى التي سيقدمونها خلال الشهور المقبلة. أما على مستوى القضايا، فهناك عدة قضايا مهمة ستكون بانتظار أعضاء البرلمان، وتشمل الأولويات؛ التحديات الأمنية مع تزايد المطالبات الشعبية بضرورة تحرك فاعل لأعضاء السلطة التشريعية لإيقاف تصعيد أعمال الإرهاب، والإشراف على تنفيذ المشاريع الحكومية طبقاً لبرنامج دعم التنمية الخليجي، وكذلك اتخاذ إجراءات فعّالة لتنشيط الحركة الاقتصادية لحمايتها من الركود أو التراجع.
ومن العوامل التي ستزيد أهمية دور الانعقاد الثالث انعقاد قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي تستضيفها المنامة خلال شهرين من الآن، وقبل نهاية العام الجاري. ومن المتوقع أن يكون جدول أعمال هذه القمة حافلاً بالقضايا والمشاريع التي تعزز إعلان قادة دول المجلس رغبتهم في تطوير التكامل الخليجي ليكون في صيغة اتحاد بدلاً من صيغة التعاون الحالية.
كذلك هناك العديد من الملفات والقضايا المهمة المرتبطة بالأوضاع الإقليمية والدولية التي يتوقع أن تنال اهتمام أعضاء السلطة التشريعية لتأثيرها المباشر على الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية للمملكة، مثل تطورات الأوضاع في الخليج العربي، وتداعيات الأزمة السورية، والعلاقة مع المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية التي كان لها دور فيما شهدته البحرين من أحداث مؤسفة.
دور الانعقاد الجديد سيكون حافلاً بنشاط تشريعي ورقابي كبير، ومن المتوقع أن تكون فيه قضايا مهمة، لكنه سيكون فرصة لتجربة التعديلات الدستورية التي تمت مؤخراً، وقياس تأثيرها على العملية السياسية في البلاد، خصوصاً دورة التشريع التي يفترض أن تكون أسرع من السابق، وأن تكون العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية مرنة وديناميكية أكثر بما يساهم في تفعيل التشريعات والعمل بكفاءة أكثر نحو إنجازات تعود على الدولة والمواطن بفائدة أكبر.
معهد البحرين للتنمية السياسية