^  أؤمن بأن الجميع يريد أن ينصلح حال البلد، أن يتجه إلى النمو والتقدم بدلاً من أن يراوح الحراك محله أو يتجه إلى الأسوأ. والله حالنا لا تصلحه السياسة ولا دستور جديد ولا مماحكات نيابية مع الحكومة، ولا صراعات قائمة على المغانم والمكاسب، حال البحرين ينصلح لو بدأت فيها عملية تنظيف وتطهير واسعة. التنظيف والتطهير الذي ننشده هو ذاك الموجه ضد كل صورة من صور الفساد، صغرت أو تعاظمت، فما يدهور كل حراك ويضيع اتجاه أي بوصلة هو حينما تعمل لكنك لا تصلح الأخطاء ولا تحاسب المتسببين فيها، وتترك الحبل على الغارب هكذا. هل يعقل أن نشيد ناطحة سحاب على أساسات ضعيفة مهترئة مواد البناء فيها “مضروبة” و«ضعيفة”؟! النتيجة بكل بساطة هو تحول هذه الناطحة إلى بناء آيل للسقوط لن يلبث أن يسقط ويتهاوى. حينما نقول إن الفساد الإداري والمالي مستشرٍ في البلد فإننا لا نأتي بالأمور من جيوبنا أو نطلق كلاماً عاماً على عواهنه؛ بل لدينا أكبر مستندات وإثباتات تؤكد ذلك. لدينا ديوان للرقابة المالية والإدارية يصدر تقارير سنوية بناء على مراقبة أداء الجهات المختلفة، وللعلم التقرير الأخير فاق في حجمه تقرير اللجنة الدولية لتقصي الحقائق بقيادة البروفيسور بسيوني، ولكم أن تتخيلوا ما بين دفتيه. ثمانية تقارير وصححوا لي الرقم لأن الحسبة ضاعت، كلها تتحدث عن حالات فساد إداري وهدر مالي، كلها تمت بناء على قرارات من أشخاص وسياسات خاطئة، والأرقام بالملايين وتزيد، لكن السؤال هل تمت محاسبة المتسببين في ذلك؟! هل تم إرجاع الأموال التي هي من المال العام؟! هل تم إبدال هؤلاء بآخرين مخلصين وقلوبهم على الوطن بدلاً ممن وضع مصلحته هو أولاً قبل البحرين؟! تخيلوا أن البحرين ومواطنيها يعانون من عجز اكتواري في صندوق التأمين والتقاعد، والسبب سياسة أشخاص معدودين على الأصابع، لكن المساءلة لم تطلهم ولا المحاسبة في غياب مستمر للتعامل الصارم مع المستهتر. طيران الخليج كمثال، استنزفت ميزانية البحرين، ومازالوا يخرجون علينا ويقولون بأنه لا توجد حالات فساد. والله لا ندري أين تذهب الأموال الطائلة، ولماذا الفشل يكبر ويزيد؟! قطاعات حكومية تتحول إلى قطاعات تديرها لوبيات وأشخاص ينسون بأنهم في مهمة رسمية وأنهم مكلفون، فينتج عن ذلك أداء هزيل ركيك، وترى الناس في هذه القطاعات يستميتون على تأمين مصالحهم بأي طريقة، في حين هذا القطاع يتم التعامل معه بسياسة “أنا ومن بعدي الطوفان”. الرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين 2030 تقول بأنه من المقومات لتحقيق الرؤية هو “وضع الشخص المناسب في المكان المناسب”، بالله عليكم واصدقونا القول، هل هذه المعادلة تتحقق؟! هل بالفعل يتم وضع المناسبين في المواقع التي يستحقونها بنسبة 100% أم أنها مقولة مثالية تقال هكذا والسلام؟! تريدون أمثلة على كيفية تناقضنا مع هذه الشعارات؟! تمعنوا في عديد من المواقع ستجدون أشخاصاً لم يصلوا لها إلا عبر حسابات ومحسوبيات وترضيات وغيرها من الأمور. تريدون إصلاح البلد، حاربوا الفساد فيها والمفسدين، ضعوا المخلصين في مواقع المسؤولية، ولا تغضوا الطرف عن أي كان لو ارتكب الجرائم بحق المال العام أو أخل بالأساليب الإدارية الصحيحة. خذوها منا فلن نجامل في البحرين ولن نطرز الكلام، مصيبتنا أنه حينما يخطئ مسؤول فإننا لا نحاسبه، لا نعزله من فوره لو ثبتت عليه التجاوزات، لا نطالبه بإعادة ما استهتر به من مال، لا نبدله بمن هو كفاءة وأفضل منه. مصيبتنا أننا نقول ونكرر القول بمحاربتنا للفساد، لكننا حينما نرى الفساد لا نحاربه. بالله عليكم مجلس نيابي تعاقبت عليه أدوار الانعقاد وتعاقبت عليه تقارير ديوان الرقابة بما فيها من كوارث، لم يقم حتى الآن بمحاسبة أحد أو عزله أو تحويله حتى للنيابة وإلزامه بإرجاع المال العام بناء على هذه التقارير! ضعوا الدولة مرة أخرى على الطريق السليم ووالله تنصلح الأمور، حاسبوا الأخطاء فور وقوعها فتختفي وتصل لمرحلة التلاشي، ضعوا الكفاءات والمخلصين ومن لا تغير معدنهم الكراسي والبرستيج في مواقع المسؤولية لتحصلوا على أداء سليم يبني ويطور لا يدهور ويؤزم. سيقول لي كثيرون مثلما يقولون دائماً: “أنت تؤذن في ....”، وأنا أقول عل الأذان يُسمع يوماً ويهب الناس للصلاة! ^ اتجاه معاكس.. الشكر لسمو رئيس الوزراء حفظه الله على تفاعله السريع مع مقال الأمس وتأكيده على ضرورة نزول الوزراء للناس وتلمس همومهم واحتياجاتهم مباشرة، وعدم المكوث في مكاتبهم جالسين بمنأى عن الاحتكاك المباشر بالشارع. خليفة بن سلمان يظل دائماً مدرسة إدارية ليتكم تتعلمون منها. شكراً يا بو علي، وحفظك الله ذخراً للبحرين.