^   أتصوّر أن أكثر الفئات تضرّراً من الأحداث المؤسفة التي مرّ بها الوطن، والذين ما برحوا يعانون من تداعياتها المرّة حتى هذه اللحظة، هم المواطنون الشرفاء من أبناء الطائفة الجعفرية الذين رفضوا التقيّة والسكوت إزاء لغة العنف والكراهية، وأبوا التطبيل علناً أو خفيةً للممارسات الصبيانية البائسة، وقاوموا، في عزيمةٍ منقطعة النظير، الانجراف وراء “الشعارات البرّاقة” التي تميل إلى نبذ كافة الحلول العقلانية الممكنة الكفيلة بتجاوز الأزمة السياسية الراهنة. وبدلاً من الانكفاء على الذات أو جلدها، كما يحلو للآخرين أن يفعلوا، اختار أفراد هذه الفئة، سواءً من خلال مشاركاتهم الإعلامية في البرامج الإذاعية والتلفزيونية وقنوات التواصل الاجتماعي، أو عبر مقالاتهم الصحفيّة اليومية الجريئة والصادقة التي لا تخشى في قول الحق لومة لائم، نقول اختاروا رفع عقيرتهم دون خوفٍ أو تردٍّد، والتصدِّي للمغالطات التي يروِّجها أبناء جلدتهم ومذهبهم في خارج البحرين، في محاولة منهم لاستدرار عواطف البسطاء والمغلوبين على أمرهم، واستثارة مشاعرهم الفيّاضة من خلف الكواليس، والإيحاء لهم أنهم، لوحدهم فقط، قادرون على “الانتصار لقضيتهم”، ومصمِّمون بلا كللٍ على “استعادة حقوقهم المسلوبة”. أما الآخرون ممن يخالفونهم الرأي فهم مجرّد “أبواق طارئة” يتم إطلاقها أو إسكاتها بحسب المصلحة، فهم لوحدهم على سكة الحق، أما البقية فهم على باطل، وفي انتظارهم بؤس المصير. سوف يقول التاريخ كلمته ذات يوم في حقّ أبناء الطائفة الشيعية، أولئك الذين ذاقوا مرارة جفاء أقاربهم وأحبّتهم، وانزواء الأصدقاء والمقرّبين عنهم بسبب مواقفهم “غير المعهودة”، أي تلك التي لا تتوافق مع مضمون “الخطاب السائد” لدى مغتصبي إرادة أبناء الطائفة، وسيعلم الجيل الصاعد من الطلبة والشبيبة والعمال والنساء أن ثمة أناس وطنيون وشرفاء عاهدوا أنفسهم ووطنهم على إعلاء صوت الاعتدال والتسامح والتقارب بين أبناء الطائفتين الكريمتين على هذه الأرض الطيبة، وأنهم سوف يواصلون هذا الدرب، وسيتصدّون لكل من يحاول تقسيم المواطنين إلى فئاتٍ وجماعاتٍ متناحرة، وكل من يبتغي تنفيذ أجندات مشبوهة تصّب لصالح أعداء الوطن