هل حان الوقت كي تدرج دول مجلس التعاون الخليجي ميليشيات «الحشد الشعبي» في العراق على قائمة الإرهاب الخليجية؟ هل ستغامر دول الخليج بأمنها واستقرارها إذا ما تأخرت في إعلان ذلك القرار؟ هل ستترك دول الخليج تلك الميليشيات تكبر تدريجياً حتى تصبح خطراً على شعوبها لا يقل في نتيجته عن خطر «حزب الله» اللبناني المصنف إرهابياً بحرينياً وخليجياً وعربياً وأمريكياً؟ هل تتمدد ميليشيات «الحشد الشعبي» بأسلحتها ومقاتليها شيئاً فشيئاً في المنطقة لتعبر الحدود العراقية نحو السعودية ودول مجلس التعاون مثلما انتقلت إلى القتال في سوريا ولبنان وتدرس الآن المشاركة في القتال في اليمن؟

كل ما سبق من أسئلة، يشغل بال محللين ومراقبين، في المنطقة بوجه عام، وفي دول الخليج بوجه خاص، خاصة أنه لا يمكن التغاضي عن حقيقة أساس وهي أن تلك الميليشيات، العراقية الجنسية، الإيرانية الهوى والعقيدة، تدعمها طهران، ولن تتردد في تنفيذ مخططات حكومة «ولاية الفقيه» ضد دول الخليج، إضافة إلى أن تلك الميليشيات حصلت على غطاء شرعي من الحكومة العراقية بعدما أقر مجلس النواب العراقي قانون «هيئة الحشد الشعبي» قبل شهر ونصف تقريباً باعتبار «الحشد» تشكيلاً عسكرياً مستقلاً وجزءاً من القوات المسلحة العراقية ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، ويتألف التشكيل من قيادة وهيئة أركان وصنوف وألوية مقاتلة، وقد تم إقرار القانون وسط مقاطعة نواب تحالف القوى العراقية السني الذي عدّ إقرار البرلمان قانون «الحشد الشعبي» نسفاً للشراكة الوطنية.

لكن اللافت في الأمر أن القانون أقر فيما تواجه ميليشيات «الحشد» اتهامات بارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد السنة خاصة في المناطق التي يتم تحريرها من تنظيم الدولة «داعش».

ولا يمكن لدول الخليج أن تتجاهل أو تصمت حيال ما ترتكبه ميليشيات «الحشد» بحق العرب السنة في العراق من انتهاكات وعمليات إعدام خارج نطاق القضاء، وتعذيب واختطاف آلاف الرجال والفتيان، وارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وانتهاكات للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك جرائم حرب، دونما أدنى خشية من العقاب.

ومن هنا لا يمكن تجاهل تقارير المنظمات الحقوقية الدولية التي اتهمت «الحشد الشعبي» بارتكاب انتهاكات ضد الإنسانية واستخدام أسلحة مصدرة للعراق في ارتكاب جرائم حرب ضد العرب السنة، وآخرها تقرير منظمة «العفو» الدولية.

والمفاجأة التي حواها التقرير تمثلت في أن تلك الميليشيات لديها أسلحة مصنعة في 16 بلداً على الأقل بما فيها أسلحة صغيرة وأسلحة خفيفة وصواريخ وأنظمة مدفعية ومركبات مصفحة صينية وأوروبية وعراقية وإيرانية وروسية وأمريكية، حصلت عليها الميليشيات بموافقة مباشرة أو ضمنية من الحكومة العراقية، فإين هيبة الدولة؟!

وحتى نتأكد من تعاظم نفوذ تلك الميليشيات وتحديها لهيبة الدولة العراقية ما حدث قبل أيام عندما منعت ميليشيا «حركة النجباء» التي تقاتل تحت لواء «الحشد الشعبي» قوة أمريكية من الوصول إلى مناطق تسيطر عليها في منطقة جبال مكحول شمال محافظة صلاح الدين -بالرغم من أن عناصر القوة الأمريكية كانوا برفقة قوة من جهاز مكافحة الإرهاب الحكومية العراقية لإجراء تدريبات ميدانية تتضمن القنص والرمي بالمدفعية- وبررت الميليشيات موقفها بذريعة تنفيذ القوة الأمريكية «مخططات وأهدافاً خبيثة»، وزعمت أن «تصرفها يمثل إرادة الشعب العراقي الرافض للوجود الأجنبي في البلاد»، وطالبت الحكومة بمنع القوات الأمريكية من الاقتراب مما وصفتها بــ«المناطق المحررة»، بالرغم من أن تلك الميليشيات التي تخوض معارك ضد «داعش» في محيط مدينة تلعفر غرب الموصل، تعد من بين عدة ميليشيات أجنبية ساعدت نظام الرئيس بشار الأسد على استعادة مدينة حلب مؤخراً وتهجير سكانها من شرق المدينة. أما ما يثير السخرية ويتناقض مع ما تتفاخر به تلك الميليشيات وموقفها الذي تدعيه من «الاحتلال الأمريكي»، ما كشفته صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» من أن الولايات المتحدة تدرب ميليشيات شيعية في العراق مرتبطة تاريخياً بإيران، مشيرة إلى أن الهدف من وراء الخطوة هو الدفع بهؤلاء المقاتلين لاحقاً لدعم الحملة ضد «داعش» في الموصل شمال العراق. لكن التعويل على الموقف الأمريكي في ردع تلك الميليشيات الإيرانية، وكبح جماحها عن تهديد أمن دول الخليج العربي، كمن يصر على الحرث في البحر، فالمخطط الأمريكي منذ سقوط نظام صدام حسين في 2003 واضح في دعمه تلك الميليشيات. ولأن الحكومة العراقية لا تملك من أمرها شيئاً أمام نفوذ تلك الميليشيات فقد نفذت الأخيرة السبت الماضي مناورات عسكرية تدربت فيها على إطلاق قذائف هاون وصواريخ روسية متوسطة وبعيدة المدى، فضلاً عن هجوم مباغت شنته، في مدينة النخيب العراقية والقريبة من مدينة عرعر شمال السعودية. ووفقاً لتصريحات ضباط بالجيش العراقي فإن هناك استعدادات كبيرة وتحشيداً كبيراً من قبل منظمات «بدر»، و«عصائب أهل الحق»، و«النجباء» في مدينة النخيب، وهناك قواعد دائمة في المدينة فيها مئات المقاتلين من عناصر ميليشيات الحشد، فضلاً عن مخازن السلاح والتي تحوي أسلحة وصواريخ بعيدة المدى، إضافة إلى أن عناصر الميليشيات يستقلون عجلات رباعية الدفع تحمل أسلحة متوسطة وثقيلة وراجمات للصواريخ إيرانية الصنع موجهة صوب الحدودية السعودية.

وقد فسر مراقبون ومحللون المناورات العسكرية الأخيرة للميليشيات باعتبارها استعراض قوة أو رداً على مناورات قامت بها السعودية وعدد من دول الخليج، ومن أبرزها مناورات بحرينية سعودية قبالة السواحل الإيرانية، فضلاً عن المناورات التي جرت في مناطق قريبة من الحدود العراقية السعودية.

* وقفة:

التمهل في اتخاذ قرارات مصيرية ربما يكلف الكثير، خاصة إذا تحول القزم إلى وحش كاسر، يأكل الأخضر واليابس، ويهدد البلاد والعباد. أخشى أن تتأخر دول مجلس التعاون في ردع «الحشد الشعبي» وتتحول الميليشيات إلى رأس حربة إيرانية لزعزعة استقرار الخليج في خطر لا يقل عن «حزب الله» والحوثيين، خاصة أن الأمر لا يتوقف عند حد ميليشيات طائفية تقاتل مع الحكومة العراقية تنظيم «داعش»، وفي ذات الوقت ترتكب انتهاكات وجرائم حرب بحق السنة، لكن الأمر امتد إلى القيام بمناورات على الحدود السعودية، وسبق ذلك تحذيرات أردنية من إمكانية إقامة تلك الميليشيات حزاماً برياً يصل إيران بلبنان إن استمر تقدمها في اتجاه الحدود السورية!