القاهرة - (وكالات): يتوجه المصريون اليوم وغداً إلى مراكز الاقتراع للمشاركة لأول مرة في تاريخهم في انتخابات رئاسية لا تعرف نتيجتها مسبقاً، ما ولد في كافة أنحاء البلاد حالة غير مسبوقة من الإثارة والترقب. ودعا المجلس العسكري الذي يتولى السلطة في البلاد منذ استقالة الرئيس السابق حسني مبارك قبل 15 شهراً مجدداً المصريين إلى المشاركة في الاقتراع محذراً من أي خروج عن القانون. وقال عضو المجلس العسكري اللواء محمد العصار في مؤتمر صحافي إن “مشاركة المواطنين في الانتخابات الرئاسية هي خير ضمان لنزاهة وتأمين العملية الانتخابية وهي تقدم رسالة للعالم بأننا سنجرى انتخابات بإرادة حرة”. وشدد على أن الجيش “لن يسمح بأي تجاوز أو أي تأثير على العملية الانتخابية أو الناخبين “. ويتعين على 50.407.266 ناخباً وناخبة يحق لهم التصويت الاختيار بين 13 مرشحاً يخوضون الانتخابات. لكن المنافسة الحقيقية تدور بين 5 مرشحين فقط، اثنان منهما عملا مع حسني مبارك هما وزير خارجيته طوال عقد التسعينات الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى وآخر رئيس وزراء في عهد الرئيس السابق، القائد الأسبق للقوات الجوية المصرية أحمد شفيق. وينتمي مرشحان آخران للتيار الإسلامي هما رئيس حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي والقيادي السابق في الجماعة الذي انشق عنها العام الماضي وبات يقدم نفسه ممثلاً لـ “الإسلام الوسطي المعتدل” عبد المنعم أبو الفتوح. أما المرشح الخامس، الذي صعدت أسهمه أخيراً وجاء في المرتبة الثالثة في انتخابات المصريين في الخارج فيأتي من اليسار الناصري وهو حمدين صباحي. ولا توجد استطلاعات موثوقة للرأي في مصر. وحتى الاستطلاعات التي أجرتها بعض الصحف أخيراً لا تتيح التكهن باتجاهات التصويت إذ أظهرت جميعها أن أكثر من 40% من المصريين لم يكونوا قد حسموا أمرهم حتى نهاية الأسبوع الماضي. وحاولت الحملات الانتخابية للمرشحين الخمسة مخاطبة الهموم المختلفة والمتغيرة للمصريين. وركز عمرو موسى في دعايته على خبرته كرجل دولة سابق يستطيع إدارة البلاد بعد فترة انتقالية مضطربة وشدد على أن مصر “لا تحتمل أن تكون حقل تجارب” مشككاً بذلك ضمنياً في قدرات “مرشحي الثورة” الذين لم يعمل أي منهم في الجهاز التنفيذي للدولة مسبقاً. واعتمد أحمد شفيق بشكل أساسي في حملته على أنه سيضمن استقرار البلاد وسيوقف الانفلات الأمني الذي صاحب اهتزاز جهاز الشرطة منذ سقوط نظام مبارك في فبراير 2011. وهاجم شفيق التيار الإسلامي في محاولة لكسب أصوات الأقباط من جهة ولاستغلال بعض التراجع في شعبية جماعة الإخوان المسلمين خلال الأشهر الأربعة الأخيرة بسبب تقلب مواقفهم السياسية وخيبة الأمل التي أصابت جزءاً من الرأي العام نتيجة أدائهم المرتبك في البرلمان الذي يهيمنون عليه مع حزب النور السلفي. أما مرشح جماعة الإخوان محمد مرسي فيعتمد أساساً على ماكينة انتخابية كبيرة للجماعة، التي لاتزال أكبر القوى السياسية في مصر وأكثرها تنظيماً. ويخوض مرسي الانتخابات استناداً إلى مشروع لتحقيق “النهضة” وضعه أساساً نائب المرشد العام للإخوان الرجل القوى في الجماعة خيرت الشاطر الذي لم يتمكن من خوض السباق الرئاسي لصدور حكم ضده في عهد مبارك يترتب عليه حرمانه من حقوقه السياسية. أما عبد المنعم أبو الفتوح، الذي يحظى بدعم حزب النور أكبر الأحزاب السلفية وجزء من الليبراليين واليساريين، فيطرح نفسه مرشحاً للتوافق أو “الاصطفاف الوطني” ويؤكد أنه قادر على إنهاء حالة الاستقطاب السياسي ما بين القوى الإسلامية من جهة والقوى الليبرالية واليسارية التي شهدتها مصر بعد إطاحة مبارك. ويستهدف حمدين صباحي كسب أصوات الفقراء، الذين يشكلون الأغلبية في بلد يعيش 40% من سكانه حول خط الفقر، وظل يكرر خصوصاً خلال الأيام الأخيرة للحملة الانتخابية أنه سيكون “سنداً وظهراً للفقير”. كما حرص على أن ينأى بنفسه عن الحركات الإسلامية مشدداً على أنه “مسلم وسطي ولا أنتمي إلى الإسلام السياسي”. ومنذ أسابيع، لا حديث للمصريين إلا عن الانتخابات، سواء في الشوارع أو في أماكن العمل أو في المنازل أو على شبكات التواصل الاجتماعي. ومن المقرر أن تجرى جولة ثانية للانتخابات في 16 و17 يونيو المقبل إذا لم يحصل أي مرشح على الأغلبية المطلقة في الجولة الأولى وهو أمر مرجح. وكرر رئيس الوزراء المصري كمال الجنزوري النداء الذي وجهه المجلس العسكري أمس الأول إلى احترام وقبول نتائج الانتخابات أياً كانت. وفي القاهرة، جابت مصفحة تابعة للجيش ميدان التحرير لتدعو عبر مكبر صوت إلى المشاركة في الانتخابات. ويشارك في مراقبة الانتخابات مراقبون أجانب أبرزهم مركز كارتر. وشكت منظمات حقوقية ستقوم بمراقبة الانتخابات من قلة عدد المراقبين الذين حصلوا على تصريح من اللجنة القضائية التي تدير الانتخابات لدخول اللجان. وقال رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان حافظ سعدة في مؤتمر صحافي إن تحالف يضم 3 منظمات حقوقية تقدم إلى لجنة الانتخابات بطلب “الحصول على 13 ألف تصريح مراقبة لكن اللجنة لم توافق سوى على 9 آلاف تصريح لم يصل منها حتى الآن سوى 5 آلاف و350 فقط تصريح فقط”. لكن أبو سعده أكد أن ذلك لن “يعيق المنظمات عن مراقبة جميع اللجان من خلال نشر مراقبيها خارجها لرصد أي مخالفات”. وتتضافر جهود مختلف مؤسسات الدولة المصرية لتوفير مناخ مواتِ لتسهيل إجراء العملية الانتخابية، فقرَّرت السلطة القضائية الدفع بـ 14509 قضاة للإشراف على الانتخابات، و1200 قاضية للتثبّت من شخصية النساء المنقبات اللاتي يرفضن أن يتحقق قاض رجل من شخصياتهن. كما استعانت اللجنة القضائية العُليا المشرفة على الانتخابات الرئاسية بنحو 25 ألف موظف حكومي للمشاركة في الإشراف على العملية الانتخابية في 351 لجنة انتخابية عامة و9334 مركزاً انتخابياً، و13097 لجنة فرعية، بينها 3423 مركزاً مخصصاً للذكور، و 3196 آخرين للسيدات، و6478 مركزاً مختلطاً. وأصدرت اللجنة العُليا للانتخابات الرئاسية تصاريح لمتابعة العملية الانتخابية لنحو 2859 إعلامياً وصحافياً مصرياً وأجنبياً مقيماً ووافداً، ولـ 9534 ممثلاً لمنظمات حقوقية مصرية وأجنبية إضافةً إلى ممثلين عن جامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وممثلين ومندوبين عن 50 بعثة من البعثات الدبلوماسية المعتمدة بمصر. بدوره وفَّر الجيش المصري ووزارة الداخلية ما يقارب 300 ألف من عناصر الجيش والشرطة لتأمين مقار اللجان الانتخابية ومواجهة أي أعمال شغب تستهدف التأثير على سير العملية الانتخابية بحسب ما صرح مصدر عسكري لصحيفة “الأهرام” عبر موقعها الإلكتروني. وأُعلنت حالة الاستنفار بجميع المستشفيات والمراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة والسكان. وقرَّرت الحكومة المصرية، منح العاملين بمختلف الوزارات والإدارات والمصالح الرسمية إجازة لمدة يوم واحد بالتناوب خلال يومي الانتخابات. وفي سياق آخر، قضت محكمة جنايات مصرية بسجن 5 من رجال الشرطة 10 سنوات غيابياً في قضية قتل 5 متظاهرين بمحافظة الجيزة جنوب القاهرة خلال ثورة 25 يناير. كما قضت المحكمة بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ لرجلي شرطة في نفس القضية وبراءة 10 من زملائهم.