بينما كنت أبحث في الشأن الاقتصادي البحريني وتداعيات الأزمة المالية والدين العام، استوقفتني مداخلة للدكتور حسن العالي في إحدى الندوات التي نظمتها إحدى الجمعيات في المملكة، عندما طالب بإصدار قانون لإدارة الدين العام، وهيئة تضم مسؤولين في الدول مع كفاءات من التكنوقراط تتولى إدارة الدين العام، وقال: «من الغريب أن الهيكل التنظيمي لوزارة المالية يضم دائرة خاصة بالضرائب، علماً بأنه ليس لدينا ضرائب، بينما ليس هناك دائرة تتولى إدارة الدين العام، خاصة وأن أموراً علمية دقيقة ترتبط بالدين العام، مثل تحديد الوقت الأنسب للاستدانة وعملة الاستدانة واتجاهات السوق العالمية».

لم يكن لدي شغف نحو المعرفة الاقتصادية، وكنت كسائر المواطنين أبحث عن الخبر الاقتصادي الذي يلامسني مباشرة سواء بالزيادة أو النقص، ولكن بعد الوضع الاقتصادي الحرج الذي تعيشه المنطقة والبحرين، بت أتلمس الحاجة لكي أكون أكثر دراية بما نسمعه من مصطلحات اقتصادية، وبعد سماعي للمقطع الصوتي الذي انتشر عبر وسائل التواصل عن أحد المسؤولين الاقتصاديين الخليجيين والذي يحذر فيه المواطنين من تداعيات الأزمة الاقتصادية والأمور الواجب تفهمها في المرحلة المقبلة، آثرت أن أبحث عن المعلومات الاقتصادية بنفسي وأحللها لأعرف أين نحن؟ وإلى أين نذهب؟

سمعنا مؤخراً عن ضريبة القيمة المضافة، والضريبة الانتقائية، وسمعنا أخباراً عن إقرار الميزانية العامة، وما سيترتب على ذلك من آثار سلبية، على أثر تأخر إقرار الميزانية، ومازال المواطن البحريني يعيش «بالبركة» لا يدري ماذا سيحدث؟ ولا يعرف ما هو دوره؟ باختصار لا يعرف ما له وما عليه؟ لسبب واحد فقط وهو أنه على الرغم من سياسة المصارحة والمكاشفة التي تنتهجها الحكومة، ويوصي بها قادتنا حفظهم الله، إلا أن هناك بعض المسؤولين مازلوا غامضين، وإذا ما حدث وتحدثوا عبر وسائل الإعلام المحدودة إلى الجمهور حدثوهم بلغة لا يفقهونها، فينتشر سوء الفهم عند الجميع، ويأتي هذا وصفاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما أنت بِمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فِتنة».

نعيش أوضاعاً استثنائية على أكثر من صعيد سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي أو الاجتماعي، ونعيش ظروفاً تستوجب أن يكون المواطن شريكاً فعلياً فيها، وأن يتفهمها ويتقبلها، يعرف متى ستبدأ الأزمة ومتى ستنفرج، ويكون المواطن طرفاً أساسياً وشريكاً في حل هذه الأزمات، ولن يتمكن المواطن من أن يقوم بدوره إذا ما كانت الحقائق غائبة عنه، وكانت القرارات الجديدة «تنصب عليه» دون حول له ولا قوة.

شاهدنا بعض المسؤولين في الدول الشقيقة، وهم يحاورون مواطنيهم، ويوعونهم، ويطلبون منهم تفهم الوضع وتقبله، شاهدنا مسؤولين قاموا بدورهم على أكمل وجه، حيث تحدثوا إلى المواطنين بلغة سهلة، لغة مقنعة، وطلبوا من المواطن أن يضع يده في يدهم حتى تزول هذه الغمامة، شاهدنا مسؤولين أخبروا المواطنين بمراحل الأزمة، وتبعاتها، بأدق التفاصيل حتى بات أصغر مواطن يعي ما سيحدث ويحاول تفهم وتقبل الوضع.

أؤمن أنه من الصعب السيطرة على الرأي العام، خصوصاً في حال القرارات التي تلامس معيشته كفرض مزيد من الضرائب، أو وقف الدعم، ولكن من الممكن «إدارة» الرأي العام عبر إشراك الرأي العام في مثل هذه القرارات.