إن مساعدة المحتاجين وإغاثة الملهوفين، وإخراج الدينار والعشرة والعشرين وكفالة اليتامى وبناء المساجد نوع من أنواع الصدقة، وهو الأصل إذا أطلق لكن للصدقة مفهوم أوسع ومدلات أعمق، وبابها واسع وطرقها كثيرة وتشمل أنواعاً من الطاعات والعبادات، فكم منا ممن ضاقت عليه أسباب العيش وكان قليل ذات اليد، وكأن لسان حاله يقول: “ذهب أهل الدثور بالأجور” يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم، ولكنهم يتصدقون بفضول أموالهم، فلهذا وغيره يعلم بأن رحمة الله واسعة وفضله عميم، فالصدقة تشمل كل خير، كما يقول الله جل وعلا: (وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) وقال تعالى: (وما تفعلوا من خير يعلمه الله) وقال سبحانه: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره). ويقرر ذلك الحديث: (كل سُلامي من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين الاثنين صدقة،...) [متفق عليه]، وفي الحديث الذي بين أيدينا التركيز على تلك الأعمال التي يعمّ خيرها على الجميع، فيتحقّق بها الائتلاف بين لبنات الأمة، وتجتمع القلوب على كلمة سواء، محبة دائمة وعلاقة راسخة. ونقف اليوم مع قوله عليه الصلاة والسلام: (والكلمة الطيبة صدقة): فهو حديث عن صدقة من أفضل الصدقات، إنها الكلمة الطيبة المباركة، فكم كان للكلمة الطيبة من أثر واضح على كثير من البشر، ولكم سمعنا عن حكايات في القديم والحديث تدل على أثر الكلمة السمحة في نفوس الناس، يروي أحد السلف قصته فيقول: “كنت غلاماً حسن الصوت، وكان قد سخر ذلك في الغناء الحرام، فمر عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، ثم قال: لو كان ما يسمع من حسن صوتك يا غلام بالقرآن كنت أنت أنت!!. ثم مضى، فقلت لأصحابي: من هذا؟، قالوا: هذا عبدالله بن مسعود، فألقى الله في نفسي التوبة، فسعيت أبكي وأخذتُ بثوبه، فأقبل عليّ فاعتنقني وبكى، وقال لي: مرحباً بمن أحبه الله”، فلك أن تتصور أن كل عمل يقوم به هذا الرجل إنما هو في ميزان حسنات الصحابي الجليل، والسبب في ذلك: كلمة طيبة قالها وافقت ساعة هداية من الله. وللكلمة الطيبة وجوه متعددة وصور متنوعة، فمن الكلمة الطيبة الشفاعة الحسنة التي تقضي للناس حوائجهم وترجع إليهم حقوقهم، ومنها التسلية للمصاب لتخفف عنه بلاءه، وهي الموعظة الصادقة من الداعية والخطيب التي ترشد العباد إلى ربهم، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي كل ما يُسرّ بها السامع، وما يجمع القلوب ويؤلفها. بل إن كل كلمة تقرب إلى الله كالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد وقراءة القرآن وتعليم العلم، وغير ذلك كل كلمة طيبة فهي صدقة، وفي بعض رويات الحديث المتقدم كما عند الإمام مسلم: (يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)، ويؤكد على ذلك أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم، (اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجد فبكلمة طيبة)، حتى الكلام الطيب هو صدقة على الناس، وتؤجر عليه إذا كان خالصاً لوجه الله تعالى.