^   في عملية البحث عن المعنى؛ دخلت كهوف الكثير من التجارب المطروحة في العالم من الفكر الماركسي إلى عوالم الصوفية بكل طرقها وعناصرها ونظرياتها، إلى الهندوسية والطاوية، وكان قبل ذلك الغوص في الدين الإسلامي الذي هو جامع لكل ما طرحته الأديان السابقة، لمعنى أن يكون الإنسان إنساناً. في إحدى محطات البحث توقفت أمام الإيزوتيريك، أو علم الباطن، الوعي الكوني. يقول المهتمون بالإيزوتيريك، إنه في القدم كان الإيزوتيريك أو علم الذات الباطنية الشغل الشاغل لكل من وطأ الأرض وعاش عليها. إذ أن معرفة الإنسان لنفسه هي المعرفة الوحيدة التي كان يتوق إليها الكائن البشري ويسعى جاهداً لاكتسابها منذ ما دبّ الإنسان على الأرض، بدأ هذا الشعور الداخلي يستيقظ؛ شعور التوق إلى معرفة مكنونات نفسه. ويرى هؤلاء المهتمون أنه على مرّ الزمن، استمر هذا الشعور ينمو حيناً ويخبو أحياناً أخرى، تبعا لثقافات وحضارات الشعوب التي ازدهرت بها الأرض. لكن جوهر هذا الشعور لم يتغير، بل بقي ذاته في النفس الإنسانية. وكان إنسان الماضي السحيق يدرك ضمنياً أن معرفته لنفسه ستشمل معرفة الطبيعة والكون. لذلك اكتفى إنسان تلك الأزمنة الغابرة بالسعي الحثيث لمعرفة نفسه، تلك المعرفة التي ستؤهله لدراية وإدراك كل ما حوله. ويرى كتّاب موقع الإيزوتيريك وعلى رأسهم المشرف على الموقع الدكتور جوزيف مجدلاني إن هذه العلوم الباطنية قد ابتدأت بالانتشار من الشرق الأقصى، حيث حفظها أسلاف الحكماء الكبار في أماكن نائية لا تطالها يد البشر. ومن هنالك انطلق ما عُرف بـ “الأخوية البيضاء”. فكان على كل من شاء اكتساب معرفة الإنسان بسائر فروعها أن يتدرج بالمعرفة والتجارب والتطور الذاتي. ويضيفون أن علم الإيزوتيريك انتشر في سائر أقطار العالم بوسائل خفية أو متنكرة في معظم الأحيان، نظراً للظروف السياسية التي كانت تسود بلداناً كثيرة. فقد ظهر علم الإيزوتيريك في الشرق الأوسط عبر العلوم الدينية الإلهية.. وفي الشرق الأدنى في علم الفراسة، وتوارد الأفكار، والقوى العقلية الغامضة.. وظهر في اليونان عبر علم الأعداد، والهندسة، والفلسفة.. وفي مصر القديمة من خلال سر الخلود وسر البناء. وأيضاً بواسطة “السحر” أو السيطرة والتحكم بالعوامل الطبيعية.. وفي بلاد ما بين النهرين عبر علم الفلك والتنجيم، وأسرار الفضاء.. كذلك في بعض البلدان الأوروبية عن طريق علم النفس وعلم الكَلِم. رغم هذا التوسع والانتشار أثناء العصور القديمة، بقي العلم الحقيقي، علم باطن الإنسان، خافياً.. ولم يبارح مقره الأصيل إلا بسرية تامة، حتى دخول العصر الحالي. السؤال الذي يسأله كثيرون ممن يسمعون عن هذا العلم للمرة الأولى، ما أهميته في حياتنا اليومية. وهل يدفعنا إلى الأفضل أم إلى الأسوأ؟ من خلال قراءتي لبعض الإصدارات والمحاضرات شعرت أن الإيزوتيريك علم الوعي الإنساني أو علم الباطن، يساهم في رقي الجانب الروحي للإنسان وتطويره ودفعه إلى الجانب النوراني وفي الحياة اليومية. يكفي هذا العلم القديم الجديد بالنسبة للعصر الذي نحيا فيه، أنه يحاول توضيح المخفي والمسكوت عنه، وهو أننا أرواح تمر بتجربة إنسانية، إي أن الروح هي الأصل وما أجسادنا إلا تجلي لهذه الروح التي خلقت للعبادة وإعمار الأرض، وفي خانة العبادة نضع كل ما له علاقة إعمار الأرض منها التواصل بين الإنسان والآخر والتواصل بين الإنسان والكون. لكن هذا لا يتم إلا بالتطبيق العملي والممارسة الحقيقية للحكمة الإلهية أو الكونية. فالحب ليس كلمة، إنما ممارسة هذه الكلمة بالقول والفعل. أي أن يتحول الإنسان المحب إلى كائن من المحبة، نراه أمامنا ونلمس محبته في كل ما حولنا أنه يحولنا نحن أيضاً إلى كائنات محبة.