^  كانت النخب الخليجية، ومنذ نشأة مجلس التعاون الخليجي، تقف مع فكرة الاتحاد الخليجي -والمجلس أحد أدوات تحقيقها- بل كانت تحرض عليها رؤية وإنجازاً وأفقاً، بل وارتبط حلم الاتحاد الخليجي بحلم الوحدة العربية الكبرى في أذهان النخب العروبية باعتباره خطوة في الطريق إليها، ولكن هذه القصة تختلف في عمق تأسيسها وأبعادها مع النظرة “الشعبية” لها، لأن المثقف حمل هذا المشروع فكراً وإبداعاً وانفعالاً، وطالما ناضل من أجل هذه الوحدة كحتمية تاريخية. ورغم كل الهزات التي تعرضت لها المنطقة ظل المثقف يحمل هذه البذرة حلماً في داخله، ورغم الإحباطات المتتالية وعدم القدرة رسمياً على بلورة هذا الحلم وترجمته على أرض الواقع، فإن المثقف ظل مؤمناً بأن هذه الوحدة هي قارب النجاة الوحيد لمستقبل هذه المنطقة وأبنائها في مواجهة التحديات والأطماع الخارجية. ولذلك نستحضر على هامش انعقاد القمة التشاورية الأخيرة في الرياض والتي أحيت الآمال بانتعاشها عدداً من الجوانب لتجديد الحلم بها: - الجانب الأول يتعلق بأهمية بقاء هذا الكيان الخليجي العربي موحداً والحاجة إلى تعزيزه، تنظيماً وفعالية بغض النظر عن مستوى أدائه. ولكن، ولكي لا تصبح المنجزات الاتحادية المحدودة في كمها ونوعها عرضة للاهتزاز، فإن المطلوب ترسيخها وتدعيمها وتنمية معطياتها بتعزيز القاعدة المجتمعية لمواطني الخليج، هذه القاعدة التي تشكل البنية الأساسية والعمود الفقري لهذه الإنجازات، سواء تلك التي أكملت هياكلها وبدأت تعطي ثمارها في الواقع الفعلي كبعض المؤسسات الاقتصادية أو الأكاديمية أو تلك التي هي قيد الدرس والإنشاء، فلا شيء يحسس المواطن الخليجي العادي أو يقنعه بأهمية الاتحاد حاضراً ومستقبلاً سوى أن يرى الإنجازات قد سلكت طريقها في نسيج همومه وحياته اليومية، وفي الوقت الذي يتفهم فيه الجميع أهمية الأمن في هذه المنطقة والمشاريع الأمنية المطروحة لتحقيق الحماية الكافية للأرض والمكتسبات، لا ينبغي أيضاً أن نغض الطرف عما يحبط هذا المواطن، ويمس بأمنه المعيشي، هذا المواطن الذي يشكل واسطة المعادلة من حيث هو الركيزة الأساسية لكل منجز أو معطى اتحادي، عندئذ سيشعر هذا المواطن بأنه قد كبر ليس على مستوى حدود البلد فحسب وإنما على مستوى الوطن الخليجي باتساعه وبمدى ما يوعد به من أحلام وطموحات وربما اتسع أكثر وفتح جناحيه ليكون نموذجاً بامتداد الوطن العربي القومي عامة. - الجانب الثاني يتعلق بالحاجة إلى جعل الثقافة والنخب في صلب عملية الاتحاد تجربة مجلس التعاون على الصعيد بدءاً بإعادة صياغة الأجهزة الثقافية في المجلس بحاجة إلى إعادة صياغة وهيكلة بما يتناسب مع الوقائع والأحداث الجديدة، وإعادة النظر في طريقة التعامل مع المثقفين والمبدعين الذين يجب أن تتاح لهم الفرصة كاملة للتعبير عن آرائهم فيما يخص الثقافة وصلاح أمورها وتطوير فعاليتها في وعي الناس، حيث إن وضعها اليوم دون المستوى الأدنى المطلوب، ومع الإقرار بأن إنجازات مهمة وكبيرة قد تحققت على أكثر من صعيد، غير أن المسالة على صعيد المضمون المعرفي والثقافي، و البحث العلمي ظلت دون طموح المثقفين سواء على مستوى التنظيم أو على مستوى البنية أو على مستوى الفعاليات، خاصة في ظل سيطرة خطاب ثقافي أحادي يرفض التعددية الثقافية ويخشى الانفتاح، وينظر بريبة إلى المطالبة بإرساء قيم التنوع والاختلاف والتسامح والعقلانية والإصرار على إقامة مواجهات وهمية بين الأصالة والمعاصرة .. - الجانب الثالث يتعلق بالدور المطلوب من المثقف والمكانة التي يجب أن يحظى بها في قلب الكيان الخليجي الموحد، فكراً ورؤية وإنجازاً، فلا يعقل أن يظل المثقف في المقاعد الخلفية، فمكانه الطبيعي أن يكون في المقدمة، ولا نتصور أن أية إصلاحات أو خطط اتحادية حقيقة وجادة تروم النهوض بهذا الكيان لا يكون المثقف أحد مكوناتها وأحد أهم الممسكين بمدخلاتها ومخرجاتها.