^ تصريحات رئيس مجلس الشورى الإيراني والنائب حسين شهرياري وغيرهما من مسؤولين إيرانيين رفضاً لمشروع الاتحاد الخليجي، وبالأخص البحريني الخليجي، واعتباره يهدد الأمن القومي والمصالح الإيرانية، يدل بوضوح على حالة الصدمة الإيرانية والضربة القاسمة التي وجهت لآمالهم وأطماعهم في البحرين والمنطقة، والتي يلخصها ذلك الحديث السافر (أن البحرين إذا أرادت أن تتحد فالأولى بها أن تتحد مع إيران لأنها المحافظة الـ 14)، والذي لا يستحق لوقاحته حتى لتفنيده. فتاريخ البحرين وانتماؤها لشبه جزيرة العرب محفوظ ومعروف للجميع، ولقد أعادها آل خليفة للحضن الخليجي العربي وحرروها مع رجالهم وأيدهم من داخل البحرين من أعيان ورجال وعوائل وعلى رأسهم (أحمد بن محمد آل ماجد الجشي البلادي) وأخرجوا الاحتلال الفارسي الطارئ لهذه الأرض العربية الحرة المتمثل في حكم نصر آل مذكور عامل حاكم أصفهان علي مراد خان. المتابع لتلك التصريحات والهستيريا التي اجتاحت مجلس النواب الإيراني فندد 190 نائباً بالاتحاد واعتبروه سيوحد الشعب ضد المحتلين! يدرك حالة الإرباك التي انتابت إيران على المستوى الرسمي والشعبي لتتعرى من آخر ورقة توت وكياسة سياسية وتدعو لمظاهرة شعبية على أراضيها رفضاً لذلك الاتحاد!! ولا غرابة في الأمر فهذا الاتحاد الذي دعا له خادم الحرمين الشريفين وتجاوب معه قادة دول مجلس التعاون عندما يتحقق سيكون بمثابة صفعة على وجه المخطط الإيراني الطامع لاختطاف البحرين من حضنها الخليجي وعروبتها وبإمكان أصحابه أن يضعوه في أكثر الأماكن الملائمة له وهو أقرب سلة مهملات. نقول عندما يحدث هذا الاتحاد، ولا نقول إذا ما حدث!! لأن حدوثه مؤكد إن شاء الله لا يتطلب سوى بعض الوقت لدراسته بشمولية ووضع الآليات التنفيذية والتشريعات والصياغة المناسبة والتعديلات التي ستدخل على النظام الأساسي لمجلس التعاون، والتي وصفها الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي بدراسة تفاصيل التفاصيل كي يمهد الطريق لقيام الاتحاد على أرضية صلبة تكون منطلقاً لاستمراره ونجاحه بدلاً من التسرع الذي قد يترك الباب مفتوحاً لشيطان التفاصيل لأن يعرقل مسيرته عندما يتحقق. فهذا الاتحاد كان الهدف الذي لأجله أنشأ القادة الرواد المجلس قبل 31 عاماً والذي تنص المادة الرابعة من وثيقة تكوينه على (تحقيق التنسيق والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها). إذاً فالفكرة ليست بدعة طارئة، لكن ظروف المرحلة أعادت طرح الهدف وبإلحاح نتيجة المتغيرات العربية والتحديات الإقليمية والأطماع الإيرانية والأدوار الأمريكية المريبة وغيرها. كما إن الاتحاد يتوافق وما هو سائد من التوجه نحو تشكيل التكتلات السياسية والاقتصادية، ولعل الاتحاد الأوروبي الكنفدرالي أكبر مثال على أهمية التوجه نحو التكتل مهما كانت قوة الدول وعظمتها، ولنا في ألمانيا وفرنسا وغيرهما مثالاً على ذلك، هذا الشكل الكنفدرالي الذي يحقق تكامل ووحدة اقتصادية وأمنية وسياسية خارجية موحدة هو الأقرب لشكل الاتحاد الخليجي القادم، الذي لا أعتقد أن دوله وشعوبه التي خلقت لنفسها منذ نيلها الاستقلال قبل أربعين سنة خصوصيات فيما يتعلق بوضعها الداخلي السياسي والاجتماعي وشكل الدولة وطبيعة تعاطي سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية وغيرها مستعدة أن تتجرد من كل مكتسباتها لتصبغ بحالة واحدة أياً كانت. كذلك فإن أياً من الأنظمة والشعوب لن تتقبل التخلي عن سيادتها الحالية لتكوين وحدة فيدرالية شبيهة بوحدة الإمارات السبع بدولة الإمارات العربية!! الأكيد أن هذا ليس مطروحاً الآن وليس في المستقبل المنظور وربما البعيد أيضاً، لكن الاتحاد الكنفدرالي قد لا يكون مطروحاً فقط كخيار بل كضرورة بقاء واستدامة وشرط ازدهار ومنافسة وحتمية تنمية وتطور. ولعل ما يضمن لهذا الاتحاد النجاح هو الرغبة الشعبية الخليجية التي هي ولا شك موجودة وستكون الحاضن الأكبر لهذه الخطوة المباركة. فهذه الشعوب المتصلة بالدم والنسب والمحبة والإحساس الفطري بالانتماء لبعضها ليس بحاجة لتحفيز لجهة الاتحاد، لكنها بحاجة ولا ريب لشرح لشكله وطبيعته وانعكاسه على حياتها وظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهو الأمر الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، فهناك اختلافات خليجية بارزة فيما يتعلق بالأوضاع السياسية الداخلية كالممارسة البرلمانية والاجتماعية كأوضاع المرأة، والاقتصادية والخدماتية كمستوى المعيشة، وكلها أمور مؤثرة في حياة الناس ولابد أن يتم اطلاعهم على ما سيحل بها من تغييرات إن وجدت. يبقى أن هناك تساؤلات مشروعة حول التحديات التي يمكن أن تقف في وجه هذا الاتحاد، وبالأخص أن هناك مشاريع أقرت منذ سنوات لكنها لم تر النور أو تفعل كما هو مطلوب؛ كالاتحاد الجمركي والعملة الموحدة ومشاريع الربط الكهربائي والقطار وغيرها، وهي في اعتقادي ليست مدعاة تشاؤم بل دوافع أخرى تؤكد أهمية الإسراع بتنفيذ مشروع الاتحاد من خلال مزيد من العمل الجاد والبناء على ما سبق وما تحقق من منجزات وهي عديدة، وتذليل الصعوبات أمام ما تعثر من مشاريع من أجل الوصول للهدف الأسمى المتمثل بست دول تعد وطناً واحداً