^ كان لافتاً الخبر الذي نشرته “الوطن” الأسبوع الماضي بإحدى صفحاتها الداخلية مع ملخص له في الأولى، وهو خبر يرقى بالفعل للصفحة الأولى كونه شهادة حق في زمن رديء وكونه تنبيهاً مهماً من رجل دين عاقل، ولأنه احتوى معلومة في غاية الأهمية تبين العلاقة الطردية بين زعزعة الأمن وتعثر التنمية. فالخبر الذي جاء على شكل تغطية مختصرة لمحاضرة ألقاها الشيخ مجيد العصفور بمجلس العصفور في بوري أبرز جانباً من التعقل الذي يمتاز به بعض رجال الدين. الشيخ مجيد اهتم بالتأكيد على التمسك بقيم التسامح وقبول الآخر ورأى أن هذين الأمرين من شأنهما أن يحفظا النسيج الوطني، ودعا إلى تحقيق ذلك على أرض الواقع بين كافة أطراف وشرائح المجتمع، خصوصاً في ظل الأوضاع الراهنة والضغوطات التي تحيط بالمنطقة، واهتم ببيان أن المجتمع البحريني (جدير) بهذا التعايش لأنه مجتمع يتميز بالتعددية الفكرية والدينية. محاضرة الشيخ مجيد كانت تحت عنوان “ولا تنازعوا فتفشلوا”، وجاءت ضمن سلسلة محاضرات برنامج “رياض الجنة” الذي ينظمه قسم البحوث والمعاهد والمراكز الدعوية بإدارة الشؤون الدينية، وفيها يدعو الشيخ مجيد بشكل مباشر إلى تعزيز قيم التسامح والتكافل والانفتاح على الآخر من أجل حفظ النسيج الاجتماعي. الشيخ العصفور قال أيضاً “إن زعزعة أمن المجتمعات وإثارة الفتنة يؤدي إلى ضعفها (حقيقة) وأن هذا يؤدي بالضرورة إلى الانقسام الطائفي (حقيقة أخرى) الذي يؤدي بدوره إلى ضعف النظام الذي يحفظ عوامل القوة في الوطن (حقيقة ثالثة)، ما يسهم في غياب الأمن ومن ثم توقف عجلة التنمية حقيقة رابعة وخامسة)”، وقال كلاماً آخر مهماً أكد به أهمية الأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى النجاح تحقيقاً لاستقرار المجتمع ورفع شأنه، كما ورد في الخبر. هذه الحقائق التي أشار إليها الشيخ مجيد ينبغي أن يضعها الجميع نصب عينيه وهو يعمل لهذه الجهة أو تلك، لهذه الجمعية السياسية أو تلك، لهذا الفكر أو ذاك. لا بأس أن يطرح الجميع وجهة نظره ويبين موقفه ويعبر عن أفكاره، ولا بأس أن يطالب ويناقش بل ويصرخ إن شاء لكن شريطة ألا يؤدي قوله أو فعله إلى زعزعة أمن المجتمع أو يتسبب في إثارة الفتنة (التي هي أكبر من القتل)، وشريطة ألا يؤدي ذلك إلى التسبب في انقسام المجتمع انقساماً طائفياً ليتم بعد ذلك تفسير كل حركة وكل سكنة تفسيراً طائفياً يزيد من الانقسام ويؤخر التوصل إلى حيث الخروج من هذه الأزمة التي عصفت بهذا الوطن الجميل وبناسه الطيبين الذين ظلوا طويلاً آمنين ومحبين لبعضهم البعض ومتكافلين. لعل الرسالة الأولى التي يود الشيخ مجيد إيصالها -والتي أساسها التعايش السلمي بين مختلف شرائح المجتمع والتمسك بقيم التسامح وقبول الآخر- هي قيام كل فرد وكل جهة بوزن وتثمين كل كلمة وكل فعل قبل أن يصدر عنهم، والتأكد من عدم تجاوز ما هو متعارف عليه بين أهل البحرين منذ السنين الطوال والتأكد من أنه لن يؤثر قيد أنملة في النسيج الوطني، حيث قدر الناس في هذه البلاد أن يتعايشوا وأن يظلوا متعايشين حتى النهاية كما كانوا منذ البداية. أما الرسالة الثانية التي حرص الشيخ مجيد على التأكيد عليها فهي أن الاستمرار في مثل هذه الحال التي وصلت إليها البلاد يؤدي بالضرورة إلى غياب الأمن وأن غياب الأمن يشل عملية التنمية. ليس الشيخ مجيد العصفور الوحيد الذي يؤمن بمثل هذه الأفكار النيرة ويدعو إليها فهناك مثله آخرون ينبغي على وسائل الإعلام اكتشافهم والاستفادة منهم، فالحاجة ماسة إلى كل صوت عاقل. صح ولد عمي؟