^ يراود الكثيرون “الأمل” سواء في الداخل السوري أو بالخارج في أن تكون “الانشقاقات” هي الوسيلة القاصمة لظهر نظام “بشار الأسد” وأن تؤدي لإسقاطه . ويعبر هذا الأمل عن مدى الخيبة بل والحسرة التي تكتوي المواطن السوري جراء استمرار القمع الوحشي وحرب الإبادة التي يمارسها النظام السوري ضده دون أن تحرك ساكناً في دول العالم التي اكتفت بتصريحات التنديد وبيانات الشجب والاستنكار دون اتخاذ خطوات جدية ملموسة يمكن أن تردع هذا النظام . وراح هذا الخارج ينفخ في هذا الأمل ويزيده بريقاً ولمعاناً أمام المواطن السوري فيشيد ويرحب بهذه “الانشقاقات” على اعتبار أنها مؤشرعلى قرب انهيار ذلك النظام في سلوك يؤكد عجزه عن التحرك الجاد وإلهاء الشعب السوري بأساليب وأدوات أخرى لا ترتبط به ولا تقع على عاتقه فيضمن بذلك التخفيف من حدة الانتقادات الموجهة إليه ويبدو وكأنه غير مسؤول ولو أخلاقياً عما يدور داخل سوريا . ويستند هذا “الأمل” إلى ما حدث مؤخراً من موجة انشقاقات عن النظام السوري من قبل مسؤولين رفيعي المستوى، من بينهم وكيل وزارة النفط، إضافة إلى عدد كبير من ضباط الجيش وصل إلى خمسين ضابطاً على الأقل خلال أسبوع واحد فقط وشملت ستة برتبة عميد وأربعة برتبة عقيد، وامرأة برتبة ملازم أول. كل هذه الانشقاقات وما سبقها خلقـــــت تفاؤلاً بأن تسير ســـــــوريا علــــــى غـــــرار ما حدث في ليبيا ، حيث وفرت الانشقاقات عن نظام “معمر القذافي” أجواء ملائمة وهيأت الأرضية اللازمة لإسقاط النظام بتقويتها للمعارضة وإضعاف الروح المعنوية لقوات القذافي وجنــــوده كما إنهـــــا شجعت على التدخل العسكري الخارجي. وباعتقادي أن هذا الأمل وإن كان مشروعاً ومفهوماً أيضاً في ظل الحصار المفروض على المواطن السوري ومعاناته سواء من جانب النظام ووحشيته أو بسبب الإهمال والصمت الدولي “الفاضح” على معاناته، إلا أنه مبالغ فيه بدرجة كبيرة ولا يعبرعن واقع حقيقي . صحيح أن الانشقاقات الحاصلة عن نظام بشار الأسد تعزز المعارضة المسلحة بانضمام ضباط ورتب عسكرية قد تفيدها في التنظيم والتحرك والقتال كما إنها قد تكشف وجود انقسامات طائفية بالجيش السوري بين الجنود السنة والمسؤولين الكبار الذين ينتمون في معظمهم إلى الطائفة العلوية الحاكمة، خاصة في ظل الأنباء التي تشير إلى أن انشقاق بعض الضباط كان نتيجة لتهديد متزايد من قبل مسؤولين أرفع منهم بالطائفة العلوية. إلا أنه من الصحيح أيضاً أن هذه الانشقاقات ورغم مرور أكثر من عام على الاحتجاجات ضد النظام السوري تبقى رمزية بعض الشيء ولم تصل بعد إلى حجم ونوعية ما حصل في ليبيا، لذا فمن الصعوبة أن تمثل حالياً أو في المستقبل القريب تحدياً حقيقياً لحكم الأسد الذي استطاع عسكرة الدولة والهيمنة على المواقع القيادية المدنية منها والعسكرية عبر تعيين أشخاص يثق تماماً في ولائهم ودعمهم “الأعمى” له ولسياساته وهو ما أدى إلى مرور وقت طويل لكي ترى ظاهرة الانشقاقات النور في سوريا وإبقائها في المستويات الدنيا أو المتوسطة من الموظفين والضباط حتى الآن على خلاف ما حصل في ليبيا من انشقاق قادة عسكريين وسفراء ووزراء ومسؤولين كبار في مراحل مبكرة من الثورة الليبية. كما إن هذه “الانشقاقات” قد تضيف أعباء جديدة على المعارضة بتعميق الانقسام الحاصل فيها وقد تخلق صراعات بينها على القيادة والزعامة على نحو ما حصل في ليبيا أيضاً ومن ثم الانشغال بقضايا خلافية داخلية بعيداً عن الصراع الرئيس ضد بشار وزمرته، وهو ما يقلل فرص صمودها واستمرارها طويلاً في مواجهة جيش منظم وقوي يدين بالولاء ومرتبط باستمرار بشار الأسد على خلاف ما كان حاصلاً في ليبيا، حيث كان اعتماد القذافي بالأساس على المرتزقة وخاصة الأفارقة وهو ما يعني ضعف الولاء والانتماء للنظام ورهن ذلك بإغداق الأموال . خلاصة القول، إن الأمل في إسقاط بشار الأسد ونظامه عبر الانشقاقات يبدو ضعيفاً وسيستغرق وقتاً طويلاً ، بل إن هذه الانشقاقات قد تأتي بنتائج عكسية ولا تؤدي إلى النتيجة المرجوة منها لعوامل عدة تتعلق بقوة النظام السوري ومركزيته وطائفيته كما ترتبط بضعف المعارضة وانقسامها وبالفتور الدولي وعدم رغبته في التدخل الحاسم لإنهاء الأزمة السورية