^ خلال الأيام العشرة الماضية تم تسريب العديد من التفاصيل والمواقف لحكومات دول مجلس التعاون بشأن مشروع الاتحاد الخليجي، وهي مواقف بعضها تتوافق مع الاتجاهات الشعبية العامة تجاه المشروع نفسه، وبعضها الآخر يتعارض تماماً مع هذه الاتجاهات. لن نتطرق هنا لمثل هذه الأسباب التي تدفع لاختلاف المواقف بين القيادات والشعوب الخليجية، ولكننا سنثير عدداً من المسائل التي يمكن أن تؤدي إلى إيجاد عدة عوائق أمام مشروع التكامل الخليجي الجديد. خلال العقود الماضية عاشت بلدان المجلس حالة من التنافس والصراع الإقليمي على مستوى المنطقة. فكيانات الخليج العربي حديثة التأسيس بالمفهوم الحديث رغم امتدادها التاريخي لقرون عدة، وفي النصف الثاني من القرن العشرين واجهت حالة من التنافس فيما بينها للحصول على القوة والنفوذ السياسيين في النظام الإقليمي الخليجي، وصار شكل هذا النظام واضحاً للغاية. ولكن منذ النصف الثاني لتسعينيات القرن العشرين بدأت بعض الدول الخليجية الخروج عن هذا النظام في أسلوب يقوم على التمرد على القوة الأعظم داخل النظام الإقليمي الخليجي، وكان من نتائج هذا الأسلوب مواجهات عسكرية محدودة للغاية بين بعض دول مجلس التعاون انتهت بإعادة ترسيم الحدود بشكل لم تعتد عليه المنطقة. الآن يطرح مشروع الاتحاد الخليجي، ويبدو أن صراع القوة بين مجلس التعاون الخليجي عاد مجدداً، فظهرت نعرات البحث عن القوة مجدداً، وتم تجاهل الأخطار والتحديات الداخلية والإقليمية والدولية التي تواجه كيانات الخليج الصغيرة، وإن امتلكت من الثروات الطبيعية والبشرية والأموال الكثير. الجديد في صراع القوة بين دول مجلس التعاون الخليجي الآن مسألتين، الأولى أن القوة السياسية لم تعد لدى النخب الحاكمة كما السابق، فحتى لو كانت بعض المجتمعات الخليجية لا تتمتع بآليات لتفعيل الإرادة الشعبية في مؤسساتها الدستورية، فإن القوة السياسية انتقلت من النخب الحاكمة إلى الشعوب بفضل تطور شبكات التواصل الاجتماعي. أما المسألة الأخرى فهي وجود خطط سياسية غربية لإعادة تشكيل المنطقة، وتغيير الأنظمة السياسية القائمة، وهي خطط كانت موجودة سابقاً، ولكنها مفعّلة الآن وقيد التنفيذ بعلم حكومات وشعوب دول مجلس التعاون الخليجي. وفي ظل هذا التحدي الذي يتعلق بمستقبل كيانات دول المنطقة، فإنه من غير المنطقي تماماً أن يتم التعامل مع هذا التحدي بمنطق الهوس بالقوة أو منطق الصراع نحو النفوذ والقوة السياسية من قبل الكيانات الخليج. فالتحديات لا تتعلق بمشاكل مؤقتة، وإنما تتعلق بمشاكل ترتبط بمستقبل الوجود الكياني لهذه المنطقة وشعوبها. في ضوء هذه الحقائق فإنه ليس من المجدي التلكؤ تجاه مشروع الاتحاد الخليجي، أو التحفظ عليه، وبعدم مواجهة المعطيات السابقة لا أعتقد أنه بإمكان دول المجلس الاستمرار ككيانات قائمة في المنطقة بعد 50 عاماً من الآن إذا لم تتعامل معها بجدية تامة.