كتب – جعفر الديري: يستعد الفنان سيد حسن الساري، لافتتاح معرضه الشخصي الرابع. ويعد العدة للمشاركة في مهرجان أصيلة هذا العام، كما أنهى مؤخراً مشاركته بملتقى الفنانين العرب بالقاهرة. الفنان حسن الساري، يركز في الجزء الثاني من لقائه بالوطن الثقافي، على هموم جيله من الفنانين، وطبيعة العلاقة التي تربطه بجيل الرواد. كما يتحدث بصراحة عن أبرز ما ينقص جيله، ومدى توظيفه الثقافة والمعارف في الأعمال الفنية، فإلى هذا اللقاء... العريض متابع لتجربتي ^ لم يبرح الفنان الكبير عبدالكريم العريض، يثني عليك وعلى تجربة محمد المهدى.. كيف تصف العلاقة التي تربط فناناً من جيلك بفنان كبير من جيل الرواد؟ - إن ملازمتي لجمعية البحرين للفن المعاصر لأكثر من اثني عشر عاماً؛ جعلتني أكون قريباً جداً من روادها. وقد أتاح لي وجود العريض في الجمعية بشكل يومي مرتين بالنهار، أن ألتقي به مرتين يومياً، فكانت العلاقة التي جمعتنا على مدى هذه السنوات. وبما أن العريض مثقف كبير؛ يكون الحديث معه مسلياً ذا طرفة. كما إنه كان متتبعاً عن قرب لتجاربي الفنية، وكان كثيراً ما ينتقدني انتقاداً لاذعاً؛ حين أصر على مواصلة عمل ما بصيغة محددة، حتى أنتهي منه فيصل إلى الاقتناع بما قدمت، أو يحتفظ بفكرته الأولية. إن العلاقة التي تربط فنانين من أجيال مختلفة؛ لا أجدها صعبة، خلاف آخرين يجدونها مستحيلة. وإذا كان العريض قد أثنى على تجربتي، فذلك تحقق عبر متابعته لها ولاختلافها على مدى الأعوام السابقة، وليس من منطلق العلاقة التي تربطني به، فهو لم يتوقف عند الثناء على شخص أو شخصين؛ بل أثنى على عديد من التجارب وأمسك عن أخرى. وشخصياً لا علاقات سيئة لي مع أي من الفنانين الآخرين، إنما يختلف حجمها من شخص لآخر، رغم أن العلاقات بين أجيال مختلفة تكاد تكون نادرة. ^ ماذا عن العلاقة التي ربطتك ولاتزال بمحمد المهدي، هل لاتزال تشكل ثنائياً رائعاً، ماذا يجمع بينكما، ألا تفكر في الانعتاق؟ - إن ارتباطي بالمهدي كان المشوار الأول لي تقريباً في الساحة الفنية. وكانت هناك مشاركات قبل أن نتعرف على بعض، لكن عندما كنا نعمل كثنائي كانت هناك جدية أكثر، إذ سعينا لعمل معرضنا الأول بجمعية البحرين للفن المعاصر في العام 2004، ومن ثم بالرواق في المعرض الثاني العام 2006 وكذلك المعرض الثالث بدولة قطر العام 2011. ولنا مشاركات فردية لا تربطنا ببعض في كثير من الأحيان، لكن كثير من الفعاليات توجه لنا الدعوات فتجمعنا نظراً لارتباط اسمينا ببعضنا. والطريف في الأمر أن الناس لا يميزون بين اسمينا؛ ففي إحدى السنوات فاز المهدي بجائزة، ووجهت لي التبريكات، وفي أخرى فزت ووجهت له التبريكات، لذا أصبح الأمر بالنسبة لنا اعتيادياً، بمعنى آخر “مسألة ليس لها حل”. إن العمل بشكل ثنائي، أفضل الأعمال؛ إذا كان هناك توافق، نظراً لأن كثيراً من الأمور؛ تحتاج إلى يد مساعدة. والتوافق بين شخصين يكون أكبر، وكذلك الترتيب بين حلقة قريبة؛ على عكس ما إذا كانت هناك أعداد أكبر. ورغم نجاح هذه التجربة؛ إلا أنه لا يوجد هذا الثاني؛ إلا فيما ندر، عباس يوسف وجبار الغضبان نموذجاً، وسوى هذين لا أجد ارتباطاً بين اسمين. تراجع مستوى الاطلاع ^ هل تعد فناني جيلك من المطلعين على روافد الفن العالمي؟ - يعد الفن العالمي هو نقطة الارتكاز التي انطلقت منها الفنون من محيطها القريب؛ حتى اتسعت دائرتها لتغزو جميع أنحاء العالم منذ اختلاف مراحله. وإن كانت في بداياتها تعتمد على التصوير الكلاسيكي والديني في الكنائس؛ إلا أنه سرعان ما أحس الفنانين الأوائل بالاجتهاد والحاجة للخروج نحو تجارب أكثر جرأة، ومنهم بيكاسو مثلاً. الفنانون الذين ظهروا بعد عمالقة الفن كانت لهم اجتهادات كانت محل الإعجاب، إذ إنهم وظفوا الفنون السابقة وعالجوها بلمساتهم التي تأخذ حساً خاصاً وإن كان مقارباً إلا أنه يمتاز بشيء مختلف يختص به الفنان. ولما أخذت تجارب بيكاسو تنتشر بين أساليب الفنانيين الآخرين؛ استفادوا منها كمرفد مهم وعالجوها بخصيتهم. هناك أيضاً تجارب الانطباعيين على غرار بول سيزان، وكذلك التأثيرية في نموذج فان جوخ، وتمازج الاتجاهات التي أخذت الفن إلى عالم ليس له خاصية الاستقرار في نمط، ما جعل من الفنانيين اللاحقين يقعون تحت رحمة هيجانهم، فلا يجد الفنان نفسه إلا بين تلك الأمواج العاتية، محاولاً الجمع بين خصوصيات عدة في نماذجه الفنية. إذا نظرنا إلى الأجيال السابقة، فسنجد أن هناك دلائل تشي بوجود تراجع بهذا الخصوص. فإذا عبرنا إلى فترة الرواد في الستينات، مروراً بالجيل الثاني، وصولاً للجيل الثالث عند نهاية التسعينات، فسنقرأ كيف أن التحولات كانت في تصاعد، لكنها نزلت بشكل أقرب للفجائي. شخصياً اطلعت على بعض مما كتب عن الحركة التشكيلية بالبحرين وبعض دول المنطقة، وعن تجارب الفنانين الغربيين. لكن لا يوجد لدي شيء أحسد عليه، نظراً لارتباطي بالدراسة الجامعية لفترة طويلة، حيث درست دبلوم الهندسة ومن ثم بكالوريوس التاريخ، بالإضافة إلى بعض القراءات الأدبية والشعرية التي كنت أميل لها كثيراً، فكنت أربط بعض المواضيع التي أدرسها أو أقرأها بالرسم؛ ففي فترة دراستي هندسة الديكور العام 2004 طرحت موضوعاً يحاكي الأسواق والأحياء الشعبية وعمارتها، كذلك أوظف الحبكة القصصية الشيقة في غموض بعض الأعمال. ^ ماذا عن التفاعل الثقافي بينكم كتشكيليين؟ - يبدو أن التفاعل ضئيل جداً بين الفنانين مع بعضهم، وإمكان التعرف على الآخر؛ لا يرتقي إلى الشيء المطلوب من حجم تبادل المعرفة والتعرف عن قرب. ويعود ذلك برأيي إلى العناصر التي تدخل دون نضج في المعرفة وتستمر أيضاً في السطحية، لتختلط الأوراق مع بعضها دون فرز الجيد من الرديء، خصوصاً وأن كثيراً من الفنانين يلتزمون الصمت. لقد جلست مع فنانين من أجيال مختلفة وتحدثت معهم؛ لكن التبادل يكون عقيماً أكثر الأحيان، وإن جاء بفائدة محدودة، لكن ذلك لا يجعلني أقول إنه لا علاقة ثقافية عند الفنانين، لكنها علاقات للأسف، لا ترقى إلى مستوى العلاقة الثقافية المتينة، التي تشعرك بأنك موجود بالفعل في نطاق دائرة ثقافية تستطيع أن تعطيك شيئاً يثريك، ويضاف إلى رصيدك المعرفي. ركود عالمي ^ هل ترى أن الفن التشكيلي في البحرين تراجع؟ - لا أعتقد بتراجع الفن البحريني، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار؛ ما وصل إليه في الأعوام السابقة، ربما توقف عند حد معين أو أخذ في تطور بسيط جداً والتكرار، لكن ما يجعلنا ننظر له على أنه تراجع؛ هو الحركة الفنية التي أخذت بالركود بشكل واضح في العالم، وظهور كثير من المتطفلين، مما جعل لخلط الأوراق أثر سلبي. علينا أيضاً أن نأخذ بعين الاعتبار أن عدد الفنانين في الجيل الأخير؛ كان قليلاً جداً، لكن في الجيل اللاحق ظهرت على السطح تجارب مختلفة كسرت التكرار، وبما أن العدد الجديد قليل، أخذ بعين الاعتبار هذا الأمر وهو بطء الحركة التشكيلية، قياساً بالعقود السابقة؛ التي كانت ساحة ساخنة وحركة نشطة، بدءاً بالستينات قبل أن تكون هناك جمعيات رسمية، ووصولاً إلى تأسيس أسرة هواة الفن والأدب، وبعدها جمعية البحرين للفن المعاصر الأولى في الخليج في العام 1971، وكذلك مشاركة الرواد في معرض “كريفن كراريز” الذي يعد الأول على مستوى المنطقة، ويعرض في أكثر من دولة، حيث برز الفنان حسين السني حينها بعمل القلاف. وجميع تلك العوامل النشطة تعطي صورة مختلفة عن حركة بطيئة، كانت نشيطة في السابق.