^   كان آية الله الشيخ حسين علي منتظري من أبرز المنظرين لمسألة ما يعرف بولاية الفقيه المطلقة، وأشهر المراجع الشيعية المعاصرين وأحد أبرز مؤسسي نظام الجمهورية الإيرانية وخليفة للخميني قبل أن يتم عزله من منصبه بفترة قليلة من وفاة الأخير، ثم فرضت عليه الإقامة الجبرية نتيجة اعتراضه على تنصيب علي خامنئي مرشداً للثورة. وقد توفي المنتظري عام 2009م تحت الإقامة الجبرية، وقبل وفاته بأشهر قليلة، وفي تاريخ 22 ديسمبر 2009، صرح علانية «إن ولاية الفقيه المطلقة من العناوين البارزة للشرك». جاء ذلك أثناء استقباله للدكتور إبراهيم يزدي رئيس حركة «نهضة الحرية» الإيرانية المعارضة، حيث تطرق المنتظري في ذلك اللقاء إلى مخالفته لنظرية ولاية الفقيه المطلقة قائلاً «إن رأي الفقيه مقدم على آراء الآخرين في مجال الفقه الشرعي فقط، أما فيما يخص المسائل المتعلقة بالشؤون السياسية وبناء العلاقات مع الدول فهذا ليس من اختصاص الولي الفقيه، ويجب أن تترك هذه المسائل لأصحاب الاختصاص»، مضيفاً «حين جرى إعادة النظر في الدستور الإيراني منتصف الثمانينيات عارضت توسيع صلاحيات الولي الفقيه وتحويلها إلى ولاية مطلقة لاعتقادي أن الرسول الأكرم ذاته لم يكن يحظى بالولاية المطلقة، فالآية القرآنية تأمر الرسول بالعمل وفق القانون الإسلامي لا حسب رأيه، ولهذا فإن القول بولاية الفقيه المطلقة تعد من جملة العناوين البارزة للشرك». وكان المنتظري يرد بهذا الرأي على الذين يؤيدون السلطة المطلقة التي يمارسها مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي والتي تعد تجاوزاً على الدستور والقانون، حيث يستندُ أنصار خامنئي على رأي الخميني بشأن ولاية الفقيه المطلقة التي قال فيها «إن تأسيس الحكومة وإدارتها جزء من الولاية المطلقة للرسول، وهي من الأحكام الأولية المقدمة على جميع الأحكام الفرعية بما فيها أحكام الصلاة والصوم والحج»، لقد استخدمت كلمة «ولاية الفقيه المطلقة» لأول مرة في إيران من قبل الخميني سنة 1982م وذلك بعد مضي ثلاث سنوات من انتصار الثورة ضد الشاه واستقرار الحكم لرجال الدين وتصفيتهم لجميع القوى والتيارات المشاركة بالثورة. فبعد عامين من طرح الخميني موضوع ولاية الفقيه جرى تنصيصها في الدستور الإيراني، الأمر الذي أدى إلى بروز معارضة شديدة من جانب عديد من المرجعيات الشيعية ورجال السياسة، الذين رأوا في هذا الموضوع تعزيزاً لسلطة الخميني وخطراً على الحياة السياسية في إيران، حيث من شأنه أن يؤدي إلى إلغاء الدستور وإدارة البلاد بواسطة الأحكام العرفية التي يصدرها الولي الفقيه، وهذا ما هو حصل وحاصل فعلياً. تاريخياً يعد الفقيه الشيعي محمد بن مكي العاملي (ولد في قرية جزين جنوب لبنان عام 729هـ وقتل في دمشق سنة 786هـ وسمى عند الشيعة بالشهيد الأول) هو أول من طرح نظرية ولاية الفقيه وعين نفسه نائباً للإمام المهدي والمهيئ لظهوره، وكان أول من استخدم مصطلح «الفقيه الجامع للشرائط في الفقه الشيعي»، وأول من أفتى بضرورة إعطاء الخمس للفقيه الجامع للشرائط، وأول من قال بعدم جواز إقامة صلاة الجمعة في ظل غيبة الإمام المهدي الغائب، وأن الصلاة لا تصح إلا بوجود المهدي المنتظر. غير أنه لم يناقش موضوع ولاية الفقيه بشكل مستقل وتفصيلي في أي من كتبه، لكنه تطرق لها بشكل عابر في كتابه «اللمعة الدمشقية- سنة 782هـ» الذي هو من كتب الفقه الأساسية التي تدرس في الحوزة الدينية الشيعية، وذكرها أيضاً في مقدمة كتابه «ذكرى الشيعة - سنة 784هـ». لقد عمل محمد بن مكي بعد عودته إلى قريته جزين سنة 760هـ، التي كان غادرها إلى العراق بهدف طلب المزيد من العلم، على بث دعوته، وعين له وكلاء في المدن والبلدات اللبنانية لنشر عقائده وأفكاره وصار له أتباع ومريدون، لكن سرعان ما أخذ بتغيير هدفه وتحولت حركته الفقهية إلى عصابة مسلحة تسعى للوصول إلى السلطة. لهذا بدأ بعض أنصاره البارزون بالابتعاد عنه متهمينه بالغلو والانحراف في الفكر والعقيدة مما دفعه إلى الإفتاء بقتل بعضهم، وأبرز من جرى قتلهم من أصحابه المنشقين بحكم هذه الفتاوى شخص يدعى «محمد اليالوشي»، الأمر الذي دفع أنصار اليالوشي وعلى رأسهم «تقي الدين الخيامي» للتعاون فيما بعد مع سلطة المماليك في دمشق لإلقاء القبض على بن مكي، وبعد القبض عليه قامت سلطة المماليك بجمع تواقيع سبعين من أعوانه ووكلائه إضافة جمع تواقيع المئات من علماء وشيوخ الإسلام وحكموا بارتداد بن مكي وجرت محاكمته بتهمة الارتداد وإثارة الفتن. .. للحديث بقية