^ رغم تعطش المواطن الخليجي لسماع نبأ إعلان الاتحاد الخليجي عشية القمة التشاورية الرابعة عشر التي عقدت في الأسبوع الماضي بمدينة الرياض برئاسة خادم الحرمين الشريفين، إلا أن تأجيل الإعلان لم ينعكس سلباً على اتجاهات قطاع كبير من المواطنين الخليجيين الشرفاء المتحمسين لفكرة الاتحاد بين دول الخليج العربية، ولم يغير اتجاهاتهم فهؤلاء جميعاً مؤمنين بإخلاص قادة دولهم وسعيهم الدؤوب نحو العمل في كل ما يحقق أحلام وطموحات شعوبهم، ولم يشككوا لحظة واحدة في إخلاص هؤلاء القادة الذين أثبتوا للبعيد قبل القريب أنهم يعملون من أجل رفاهية شعوبهم، حتى بات المواطن الخليجي محسوداً من قبل كثير من الشعوب على تمتعه بالعديد من المزايا التي توفر له مقومات العيش الكريم التي يفتقدها المواطن في العديد من الدول. فالثروة النفطية التي منّ الله بها على الدول الخليجية تم توظيف عائداتها في المشاريع التنموية المختلفة من تعليم وصحة وإسكان وطرق وغيرها من المشاريع التى أوجدت بنية تحتية متطورة ومتقدمة تضاهي بعض الدول المتقدمة إن لم تكن تتفوق عليها، هذه حقائق موجودة على الأرض يلمسها المواطن الخليجي في كل قطر من أقطاره. لذا فإن فكرة الاتحاد التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين تأتي في سياق حرص القادة وتطلعهم نحو تحقيق المزيد من الإنجازات التي تصب في صالح المواطن. من هنا نقول للشامتين لا تفرحوا بتأجيل إعلان الاتحاد ولتعلموا أن كل تأخيرة فيها خيرة لدول مجلس التعاون ولا يذهب تفكيركم بعيداً ولا تأخذكم الظنون في تفسير الأسباب التي جعلت القادة يرجؤون الإعلان عن الاتحاد في قمتهم التشاورية الأخيرة، فالمسألة لا تتعدى سوى إعطاء مزيد من الوقت لبحث المسألة من جوانبها المختلفة بتعمق أكبر وإزالة كل العقبات التي من شأنها التأثير على بنية المولود الجديد والخوف بأن يأتي مشوهاً وهذا أمر لا يتمناه القادة. وهذا ما صرح به المسؤولون الخليجيون في تعليقاتهم على قضية التأجيل. فحسب رأي هؤلاء فإن قادة الخليج يريدون من وراء تأجيلهم وضع الأسس الكفيلة التي تضمن وجود الأرضية الصلبة التي يقوم عليها الاتحاد لتكون انطلاقته قوية وراسخة كالجبل ما تهزه الرياح القادمة إليه من كل الاتجاهات وخصوصاً تلك الآتية من خلف جبال زاجروس، فالقضية باختصار ليست كما صورها البعض ممن يتمنون فشل المشروع، ويسعون بكل وسيلة وتحت ذرائع ومبررات وحجج واهية إلى إفشاله قبل أن يولد، وكما ساق بعضهم بأن الأمر يعود إلى خلافات بين القادة هو الذي أرجأ الإعلان عن الاتحاد. نقول لهؤلاء لا يوجد خلافات بين القادة وإنما هناك اختلافات إزاء بعض المسائل المتعلقة بالاتحاد، وهذا ما جعل بعض الدول الخليجية تتحفظ على بعض النقاط وطلبت إعطاءها بعض الوقت لدراسة الموضوع من زواياه المختلفة، وهذا في رأينا حق مشروع للدول، لكن من حيث المبدأ فإن جميع الدول الخليجية مع فكرة الاتحاد ماعدا سلطنة عمان التي تتحفظ بشدة على هذه الفكرة، وبطبيعة الحال لها مبرراتها التي قد نعذرها فيها وفي الوقت ذاته نخالفها فيه؛ لأننا كخليجيين نشعر أن الأخطار والتحديات والتهديدات التي تواجه الدول الخليجية واحدة، وهذا يتطلب من كل الدول الخليجية مواجهتها ككتلة واحدة دون أن تتخلف إحداها عن الركب؛ لذا فإننا ندعو من كل قلوبنا سلطنة عمان وغيرها من الدول التي لديها بعض التحفظات أن تعيد النظر في قراءة المشهد الخليجي وأن تركز في قراءتها على التحديات والمخاطر التي نعتقد أنها كفيلة بأن تدفع الدول الخليجية قاطبة إلى حتمية الدخول في الاتحاد؛ لأن في هذا الاتحاد قوة لها وعمق استراتيجي لدولها وهذا ما يؤكده السياسيين والخبراء الاستراتيجيين الذين يصفون المشهد الخليجي في ظل الاتحاد بأنه سيكون قوة استراتيجية ضاربة في المنطقة. أما الوقوف أمام دعوات المتشككين الذين يرفضون فكرة الاتحاد ويبررون رفضهم بحجج واهية لا تتناغم مع طموحات الشعب العربي في الخليج الذي ينشد الوحدة منذ استقلال دول الخليج العربية عن بريطانيا في عام 1971م، فإن المنطق والعقل يدعوانها إلى عدم الانصات لأصوات النشاز الذين يغردون خارج السرب الخليجي لحاجة في نفس يعقوب؛ لأننا من جهة نعلم تمام العلم أن مشروع الاتحاد يصطدم مع أجنداتهم ولا ينسجم مع أحلامهم، وهو من جهة ثانية، لا يرضي ملالى إيران ولا ساستها الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بمجرد سماعهم أن دول مجلس التعاون في طريقها إلى تطوير منظومة التعاون والارتقاء بها نحو الاتحاد، فجن جنونهم وزاد هلعهم وراحوا يطلقون التصريحات الاستفزازية، كما ظهر ذلك واضحاً في تصريحات رئيس مجلس الشورى الإيراني وأحد نوابه اللذين عارضا فكرة الاتحاد. ما يثير استغرابنا ليس تصريحات الإيرانيين ومن يسير في فلكهم بشأن الاتحاد، فنحن نعرف مسبقاً ردود فعلهم ومواقفهم من قبل أن يصرحوا بها، وهذا ليس بالجديد عليهم، لكن ما يثير تعجبنا ويحز في نفوسنا في الوقت ذاته هو أن تخرج علينا أصوات محسوبة علينا ومن أبناء جلدتنا وترفض الاتحاد، وتحكم عليه بالفشل قبل أن يولد، وهذا في رأينا حكم فيه تناقض صارخ مع عقيدة القومية العربية التي يؤمن بها والتي تدعو إلى الوحدة بين البلدان العربية، كما نشتم فيه رائحة الأيديولوجية التي ألقت بظلالها بوضوح في رأي أحد مؤسسي حركة القوميين العرب الذي لم يكن موضوعياً في مبرراته التي ساقها في مقال له بإحدى الجرائد الكويتية حول رفضه لفكرة الاتحاد. لذا لم يكن موفقاً في طرحه حتى وإن صفق له مريدوه وليعلم هو وغيره أن الاتحاد قادم؛ لأن فكرته نابعة من شعوب المنطقة وأن مبادرة القادة بتنفيذ هذه الفكرة على أرض الواقع ما هي إلا انعكاس لرغبة شعبية وتحقيق لحلم كان يراود الخليجيين منذ فترة طويلة وجاء الوقت الذي يرون فيه الحلم على أرض الواقع.
970x90
{{ article.article_title }}
970x90