كتب – جعفر الديري: يمتلك الفنان سيد حسن الساري، تجربة فنية متميزة، استطاعت أن تطرح لونها الخاص؛ بعد سنوات من التجريب والاطلاع. تميل مجموعاته الفنية التي اشترك بها في عدة معارض خاصة ومشتركة؛ في الداخل والخارج، وحصد بها كثيراً من الجوائز، للمدارس الحديثة أكثر من المدارس الأكاديمية، وهو أمر يرجعه الساري؛ إلى سنوات قضاها في دراسات متعمقة كثيرة، أكدت له أن الفن حصيلة العمل المتراكم؛ وأن الفكرة والتقنية متلازمان. ورغم إن الساري كثيرا ما يرسم الشخوص، إلا أنه لا يخشى الرتابة، لإيمانه بأن الشخوص عنصر مهم أقرب لإيصال الفكرة من أي عنصر آخر، ولأن أمامه متسعاً من الحرية، يجده في الغوص في العمق المحير للعمل؛ تارة بالتلاعب اللوني وأخرى بجعل حالات شادة أو حالات متناقضة في التكوين. حول مجموعاته الفنية، وطابعها الخاص، كان للوطن هذا اللقاء مع سيد حسن الساري، حيث أضاء كثيراً من جوانب تجربته الفنية... فإلى هذا اللقاء... ^ رغم أن أغلب الفنانين ينطلقون من البيئة والتراث، إلا أنك سرعان ما تركت هذه «الثيمة»، وتوجهت للونك الخاص.. ألا تخشى المغامرة؟ - للتوضيح فقط؛ فان العوامل المؤدية لتوجه الفنان هي التأثيرات المحيطة به بشكل رئيس. فإذا اعتبرنا أن الفنانين توجهوا لرسم البيئة والبدء بها كطريق نحو المدارس الأخرى والتوجهات التي تتبعها في المدارس الحديثة؛ فهي من منطلق التأثير والتأثر، ولم تكن هي سبيل كما كان متعارفاً قبل للوصل للفنون الأخرى؛ عبر التدرج بوسائل رتيبة؛ فهنا تسقط قاعدة (الغاية تبررها لوسيلة). ويظهر على الساحة الفنية؛ أن الساري انطلق من المنطلق الذي عرضه في المعارض العامة أو الخاصة؛ من مجموعاته الفنية التي تكون أقرب للمدارس الحديثة من المدارس الأكاديمية؛ التي تتعلق برسم التراث والبيئة والخصائص المتعلقة بالبيئة المحلية. وبما إن هذا السؤال تم طرحه؛ فوجب التنويه إلى أنني لم أجازف بطرح الأساليب التي ظهرت بها؛ لأنها لم تأت عن طريق الصدفة أو العبث؛ إنما جاءت بعد دراسات متعمقة وكثيرة، امتدت لسنوات عديدة، وبعد دراسات أكاديمية، وكذلك من خلال رسم البيئة والتراث. إذ كنا نخرج للرسم المباشر في أنحاء القرى الشمالية. لكن من خلال الموجات؛ التي أثرت على المنطقة في «ثيمة» معارضها التي تأخذ المنحنى الفني الحداثي أكثر منه للواقعية و»الثيمات» لمتعلقة بالتراث، لم أعرض تلك الدراسات أو تلك المواضيع التي تم رسمها في فترات سابقة وكذلك في الفترات اللاحقة، كما إنني لا زلت أرسم الطبيعة بمرسمي، وسبق أن رسمت كثيراً من هذه المواضيع ذات الحجوم الصغيرة، وعرضت مجموعة منها في معرضي الشخصي الثاني بجامعة البحرين، عندما كنت طالباً أدرس التاريخ وقتها. العالمية تقود خطاي ^ بعيداً عن المبالغة، وكذلك لكي لا نبخسك حقك من التقدير كفنان مجتهد؛ ماذا أضاف حسن الساري، وماذا أضاف جيله؟ - مع أن هذا السؤال يفترض أن يوجه للآخرين، وليس لي، لكي لا أضطر للحديث عن نفسي، سأجيب عليه باختصار. إن دخولي الفن وحصولي على عديد من الجوائز في فترات مبكرة؛ عنى لي كثيراً من الأمور، وحمّلني كثيرا من الاهتمام الجاد للتطلع نحو التصاعد، في ظل تسارع الحركة التشكيلية العالمية والتسابق، وكذلك الدوران في نطاق يعيد نفسه أو يقارب بكثير باستعادة المواد المطروحة سابقا التي تناولها الغرب أولا ثم انتقلت للشرق، عن طريق الهجرات الفنية للمغتربين من الفنانين الذي خرجوا من بلدانهم واستقروا في دول الغرب والعراق نموذجا. وأعتقد أن المشوار لا زال في بداياته، وآمل أن أرى ثمرة جهدي يوماً. ^ لماذا تركز كثيرا على الشخوص؟ ألا تخشى الرتابة؟ - إن المجموعة التي تمت معالجتها في موضوع العذراء؛ ترتبط ارتباط مباشراً بالشخوص لتكون مكملاً لتعبيرية اللون. والشخوص هي عنصر مهم وأقرب لإيصال الفكرة من أي عنصر آخر، كذلك لكونه العنصر الأكثر استخداماً عند أكثر الفنانين، وإن اختلف التوظيف أو الأسلوب المتبع. لذا فإن الشخوص هي مكون واسع في التوظيف، يكون تحد للفنان لكونه حساسا في كيفية التعامل معه وتوظيفه بشكل صحيح وفي المكان المناسب. وربما تعتمد أعمالي على الشخوص بشكل رئيس، لكن لدي عديد من التجارب لا تحوى عنصر الإنسان، وقدمت مجموعة منها العام 2007 بمعرض البحرين الذي تقيمه وزارة الإعلام، وحصلت وقتها على الجائزة التقديرية عن هذه المجموعة، كما قدمت عملين أيضاً في معرض العذراء لم يكن الإنسان حاضراً فيها غير أثره. فتوظيف أكثر من عنصر في العمل يجعل العمل شيقا أكثر بالنسبة للمتذوق، وإن كان كثير من الفنانين يعتمدون على الاختصار الشديد في توظيفهم اللوني وعدد «الثيمات» التي يتكون بها العمل. وبما أن لكل فنان توجه يجده أقرب له؛ فإن الإنسان كلما تهربت منه؛ فرض نفسه علي مرة أخرى، فهو أشبه بكابوس يتربع على عرش أعمالي. أما الرتابة فلا أخشاها مطلقاً، لأن هناك متسعاً من الحرية؛ أستطيع أن أجدها في الغوص في العمق المحير للعمل؛ تارة بالتلاعب اللوني وأخرى بجعل حالات شادة أو حالات متناقضة في التكوين، وأكون مستعداً للتخلص من أي قاعدة فنية ممكن أن تقيديني تحت وطأة قانونيتها. «العتمة والضوء المباغت» ^ «العتمة والضوء المباغت»؛ ثيمة تتكرر كثيراً في أعمالك؟ هل استقيتها من اطلاعك على الفن الغربي مباشرة؛ أم تتبعت مكانها في الفن البحريني، وطورتها إلى أسلوب خاص بك؟ - ظهرت هذه الثيمة عندي؛ عندما كنت شغوفا برسم الطبيعة. ومعظم الأعمال التي كنت أتناولها هي التي كانت تحتوي على هذين العنصرين بشكل رئيسي، وحتى الأوقات التي كنت أرسم فيها دراسات من خلال الرسم المباشر مع الطبيعة؛ كنت أختار الأوقات التي ترمي فيها الشمس بظلال الكتل على مساحات واسعة من الأرض، فكانت أشبه بانبثاق النور من الأرض ذاتها، عندما تغطي الكتل الزراعية ظلالها على المساحات المحيطة بها. وهذه الخاصية لم تتوفر في الفن البحريني بشكل واضح، لكنها ظهرت بالفعل في الفنون الأوروبية في الأعمال الكلاسيكية، وكذلك عند الفنانين الروس، حيث استخدام الألوان المعتمة وتسليط الضوء على كتل صغيرة في العمل شبيهة بالدراما المسرحية وألعاب الباليه. وتبرز بوضوح أيضاً في بناء المجسمات، التي يكون عرضها مباشرة في الهواء الطلق لتأخذ إحساسها المتقلب والجميل مع اختلاف الأجواء، خصوصاً عندما تكون علاقاتها مباشرة مع ضوء الشمس. لقد كان «أوغست رودان» يركز على هذه الخاصية؛ بالابتعاد عن السطح الأملس، حيث جعل به كسرات تخلق جمالاً عندما تتعرض للضوء.