^   كلما انفلت زمام الغرائز السياسية تتأكد رغبتنا العاقلة أن الحل الوحيد لما يحصل في البحرين هو في استخدام أكبر قدر من العقل، واستخدام أقل الجرعات من العاطفة، لأن الجنون لا يناسب إخماد لهيبه إلا العقل ولا شيء سواه. ما قد يعطل انفراج الأزمة في البحرين، هو دخول المجانين على الخط، لأن المجنون لا يرى إلا نفسه ولا يرى أبعد من أرنبة أنفه، أما (العقل) فهو آخر ما يحلم به كل مجنون. فالمجنون يصرخ بقدر جنونه لا بقدر ألمه أو ألم الآخرين، ومن هنا فإن تسليم (العقلاء) زمام أمورهم للمجانين، أو لكل من يدخل في خانتهم فهو مثلهم إن لم يكن أسوأ منهم. ليس المجنون من يخرج إلى الشارع على غير هدى، وليس المجنون من يخرج بثياب رثة وقذرة، وليس هو الشخص الذي يمارس سلوكياته خارج القواعد الإنسانية، أو يتلفظ بما لا يليق من الكلام، فهذا الشخص يطلق عليه العلم، بأنه (مريض) نفساني، يمكن له أن يتشافى من مرضه، لكن مجنوننا ربما يحمل شهادة دكتواره، أو ربما يكون مهندساً أو مثقفاً أو فناناً، فالعلم والشهادة والمكانة الاجتماعية لا تنتج بالضرورة عاقلاً، ربما تنتج مختصاً في مهنة فقط، لكن من المؤكد أن الحالات المتطورة على صعيد النفس البشرية، وعلى مستوى الإبداع الخلقي والثقافي، لا تصنعها شهادة ولا أي نوع من أنواع الوجاهة المجتمعية الزائفة، حتى لو كانت سيرته الذاتية أو ما يعرف اليوم بـ (CV) تملأ ألف (سكسويل وسكسويل)، لأن مفهوم الجنون لدينا مختلف تماماً، إذا ما قسناه بمسطرة السياسة والمصلحة الوطنية. لا نحتاج إلى مزيد من العناء كي نثبت صحة نظريتنا حول فلسفة الجنون، فجولة سريعة في تويتر، تعطيك هذا الانطباع، ليس هذا مقياسنا فحسب، بل نستطيع أن نستنطق جنون العقلاء في المجالس والشوارع والأعمال والأسواق والمقاهي الأمريكية والشعبية، وفي كل بقعة يختفي منها صوت الحكمة. من خلال هذا المنطلق، نستطيع أن نقرر عملياً، كيفية سوء استخدام أشرف الأجهزة التي وهبنا إياها خالق الخلق، ألا وهي العقل، فالأحداث السياسية والطائفية رسمتْ لهذا الجهاز المميز، وظيفة أخرى غير التي خُلِقَتْ لأجله، حتى وجدنا العقلاء في البحرين، يُعدون على الأصابع، أما البقية فإنهم أكثر تبعية لمنطق القوة والغلبة والكثرة، أما الحقيقة فإنها أصبحت مغيبة في ظل تلك العتمة المجنونة. في كل مرة من مرَّات التأمل، يأخذنا الخوف على الوطن من أولئك المجانين الذين يدوسون فوق كل نور يمكن أن يطل من نافذة العقلاء، نأتي هنا لنؤكد بعد كل محنة وبعد كل منعطف تاريخي خطير، مدى حاجتنا إلى عقلاء البحرين من الطائفتين أو من كل الطوائف، ليبينوا لكل المجانين، أن كل ما يقومون به اليوم، لا يعد سوى انتحار جماعي ودفن لتاريخ وطن، وصدق من قال ( الجنون فنون وقلة العقل مصيبة)!!