^ الجزر العربية الثلاث كيف أصبحت إيرانية وهي عربية؟ ولماذا ترفض الدولة الإيرانية عرض قضية الجزر على أية محكمة دولية؟ هذه الجزر التي تم احتلالها عسكرياً في صبيحة يوم الثلاثين من نوفمبر عام 1971م وتحولت إلى ثكنة عسكرية إيرانية بعد أن أزالت إيران معالم الجزيرة العربية وطردت سكانها العرب ونشرت عتادها العسكري لتغيير هويتها بعد احتلالها. وبما أن الجزر عربية فلماذا لا يتم إرجاعها إلى أصحابها العرب؟ وما هو الفرق بينها وبين العدو الصهيوني الذي احتل فلسطين وأجزاءً عربية أخرى؟ نحن لا نلوم هنا الدولة الإيرانية فقط؛ بل أيضاً هنالك الدور البريطاني، فبريطانيا لا تخرج من الأراضي التي استعمرتها إلا وتخلق فيها مشكلة أزلية، خرجت من الأراضي الهندية في عام 1948م فقسمت الهند إلى جزأين ووضعت بينهما أرض كشمير ليتنازعوا عليها إلى الأبد، وخرجت من الشام وأعطت فلسطين للصهاينة، وخرجت من الخليج العربي وسلمت الجزر العربية الثلاث إلى إيران، وذلك من أجل أن يبقى الوضع في المنطقة مضطرباً دائماً. وبعد رحيل شاه إيران وقيام النظام الإيراني الثوري استبشر العرب خيراً، إلا أن النظام الجديد استكبر وطغى وتفنن في عرض عضلاته على أقطار الخليج العربي، ولم تختلف أهداف العمامة عن أهداف التاج الشاهنشاهي، حيث مازال النظام الإيراني متمادياً في إطلاق التصاريح الاستفزازية تجاه مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية وسائر أقطار الخليج العربي، ويتدخل في شؤونهم الداخلية؛ بل إنه يُحرض شعب المنطقة ضد قياداته ويدعم احتجاجاتهم ومطالباتهم السياسية وذلك ليس حُباً فيهم بل من أجل تنفيذ أجندته العدوانية ولتفريس المنطقة العربية الخليجية أرضاً ومياهاً. بجانب الأهمية الاستراتيجية للموقع الجغرافي للخليج العربي فإن الجزر العربية الواقعة قبالة مدخله تتمتع بمميزات استراتيجية مهمة، حيث تشرف هذه الجزر على الشريان المائي والملاحي الذي يُمثله الخليج العربي المرتبط ببحر العرب والمحيط الهندي من جهة الشرق والبحر الأحمر من جهة الغرب، ولقدرة هذا الموقع في التحكم بتصدير النفط من مناطق إنتاجه إلى الدول المستوردة في أوروبا وأمريكا واليابان، حيث يعبر 86% من صادرات النفط عبر مضيق هرمز من خلال شواطئ الجزر العربية الثلاث. مما جعل من احتلالها والسيطرة عليها هدفاً سعت إليه إيران. وفي خطاب للشاه محمد رضا بهلوي في نوفمبر عام 1972م في طهران (أن الخطوط الدفاعية للبحرية الإيرانية تتجاوز نطاق الخليج “الفارسي” وخليج عدن وتمتد إلى المحيط الهندي، وأن القوات البحرية الإيرانية يجب أن تزداد عدة مرات خلال السنوات القادمة لتحقيق استراتيجيتها البعيدة المدى). ومع رحيل الشاه فإن السياسة الإيرانية تجاه منطقة الخليج العربي لم تتغير في الجوهر والهدف، ورغم كل محاولات التفاهم التي بذلتها دولة الإمارات العربية المتحدة مع الحكومة الإيرانية إلا أن إيران أصرت على موقفها الاحتلالي لهذه الجزر. لقد أصبحت الجزر العربية الثلاث من الأراضي العربية المحتلة منذُ يوم الثلاثين من نوفمبر عام 1971م ليومنا هذا، بجانب شقيقاتها الأحواز، فلسطين، لواء الإسكندرونة، سبتة ومليلية، العراق، الجولان ومزارع شبعا اللبنانية، ولا تختلف نوايا إيران عن نوايا من احتل الأراضي العربية الأخرى. فبعد احتلالها للجزر قامت بتهجير أهلها، وألقت عليهم منشورات تحذرهم من المقاومة، ولم تحترم بذلك المذكرة التي وقعتها آنذاك مع حكومة الشارقة عام 1971م. وهذا الأمر ليس وليد العصر الحديث، بل هو نتاج صراع عربي - فارسي قديم الأزل ولن ينتهي أبداً إلا بانتهاء أحد الشعبين (العربي أو الفارسي)، ومخطط إيران الأبدي هو أن تصبح هي الدولة المركزية في المنطقة وتجتث اسم (العربي) للخليج، وإن احتلالها لهذه الجزر أحد أجزاء هذا المخطط، ومعظم تصريحات المسؤولين الإيرانيين تؤكد أن الجزر العربية الثلاث هي (جزء لا يتجزأ من التراب الإيراني وستبقى كذلك إلى الأبد)، وإن (ادعاء بعائدية هذه الجزر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة أمر لا أساس له إطلاقاً) و(إن هذه الجزر هي كالخليج - فارسياً) و(إن إيران لن تسمح لأحد بتغيير سيادتها الوطنية ووحدة أراضيها)! مقابل هذا التمسك باحتلال أراضي الغير فإن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمانبارست يقول إن (التصريحات الإماراتية حول ملكيتها للجزر الثلاث غير متزنة، وإنها جزر إيرانية وستبقى كذلك)، في الوقت نفسه يدعو حكومات أقطار مجلس التعاون للخليج العربي (التعاون مع إيران لمواجهة إسرائيل)! كيف يكون ذلك؟ أليس هذا تناقضاً استراتيجياً وسياسياً؟ أم تناسى هذا المتحدث أن الدولة الإيرانية والعدو الصهيوني وواشنطن يتشاطرون العداء للعرب؟ فالذي يُطالب بتحرير الأرض العربية لا يحتل أرضاً عربية أخرى؟ فلماذا لا تدك الصواريخ الإيرانية التي تصنعها بين الفينة والأخرى حصون فلسطين المحتلة؟ فإيران لا ينتهي مخططها باحتلال الأراضي العربية، بل بتأسيس الأحزاب والجمعيات الدينية والمراكز البحثية والشبابية والثقافية والمراكز الصحية والمدارس والجامعات من أجل تحقيق حُلمها بإعادة الإمبراطورية الفارسية العتيدة ونشر فكرها المناوئ للحق العربي والمفرق للدين الإسلامي. إن الحكومة الإيرانية تعرف ذلك يقيناً وصدقاً بأن الجزر العربية الثلاث هي جزر عربية تاريخياً وجغرافياً، وأن وضع اليد على حقوق الغير لا تعني ملكيتها، فهذه الجزر هي أراضٍ عربية وهي جزء لا تتجزأ من التراب العربي، وجزء عزيز على قلب كل عربي، والاحتلال ليس له تعريف آخر، وهو مرفوض في كل الأعراف السياسية والإنسانية والدينية. كما إنه لا يوجد فرق بين المحتلين، سواء كانوا يهوداً أم نصارى أم مُسلمين، فكما هي فلسطين والجولان ومزارع شبعا أراضٍ عربية محتلة كذلك الأحواز والجزر العربية الثلاث هي أيضاً أراضٍ عربية محتلة، وحتى بعد مئات وآلاف السنين من الاحتلال لن تكون الجزر العربية أراضٍ إيرانية أبداً. فعدم الرغبة في تفاوض الحكومة الإيرانية بشأن عائدية الجزر ورفضها اللجوء إلى محكمة العدل الدولية يعني بشكل واضح وجلي بأنها لا تريد إرجاع هذه الجزر إلى أصحابها الحقيقيين. في الوقت الذي ترفض فيه هذه الحكومة تقديم أي مساعدات للمواطنين الإماراتيين في جزيرة أبو موسى وهُم يعيشون في أوضاع مؤلمة وقاسية. والقضية ليست سوء فهم بل هي بكل بساطة أرض يجب أن تعود إلى أصحابها، وسوف تعود، ومهما طال أمد الشوكة الإيرانية في الخاصرة الخليجية العربية سيحين بإذن الله نزعها. لقد ظلت دولة الإمارات العربية المتحدة على موقفها الحكيم ونهجها السليم في اختيار المطالبة القانونية والتأكيد على الحل الذي يجب أن يتم بالحوار والتفاهم وفقاً للقانون الدولي، وهي تحتفظ بكل الوثائق التاريخية التي تثبت حقها وسيادتها على هذه الجزر العربية. والمأمول أن تستجيب الحكومة الإيرانية لذلك إذا كانت فعلاً معنية بأن تكون جزءًا من هذه المنطقة، وبلداً إسلامياً مجاوراً ويحتفظ بحق الجوار وحُسن الجوار وما يمليه عليها الإسلام الحنيف في هذا المجال، ولا يضيع حق وراءه مطالب.