^ تأجل صدور بيان إعلان النوايا في شأن الاتحاد بين دول مجلس التعاون بسبب الحرص على تلافي أخطاء قد تقوض بنيانه، كما حدث لمشاريع وحدة أخرى مما استدعي ضرورة بحث “تفاصيل التفاصيل”، حيث أمر القادة باستمرار عمل اللجان ومناقشة مشروع الاتحاد الخليجي في قمة استثنائية لاحقاً. كما قال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، حيث نتمنى حقاً أن لا نكون قد خرجنا من هياكل مجلس التعاون السابقة وترحيل البنود من قمة إلى أخرى لندخل في نفق دراسة التفاصيل وتفاصيل التفاصيل. لكن ما هو جدير بالملاحظة أن الأمير سعود الفيصل لم يكد ينتهى مع أمين مجلس التعاون الدكتور عبداللطيف الزياني من مؤتمرهما الصحافي حتى شرع مناوئو الوحدة الخليجية في شن الانتقادات وإطلاق صيحات التشفي من الخليجيين الذين لم يعلنوا الوحدة، كما كان متوقعاً، وكان من تفسيراتهم: 1- تأخر إعلان الوحدة يعود لضغوط الرفض الشعبية من داخل دول المجلس. 2- أخذ قادة المجلس مأخذ الجد الموقف الإيراني الحازم من قضية سلب البحرين سيادتها وذوبانها في الوحدة. 3- انكشاف حقيقة عدم وجود خطر يستدعي الوحدة، وأن مجلس التعاون هو الصيغة القصوى المقبولة للعمل الخليجي. لم تعلن الوحدة الخليجية لا بشكل جماعي ولا بين دولتين أو ثلاث في القمة التشاورية 14، لكنها ما زالت عالقة في هواء دول المجلس، باعتبارها المطلب الشعبي قبل أن تكون قراراً رسمياً، فالوحدة في حد ذاتها استكمال لمسيرة الإصلاح السياسي الخليجي على مستوى إقليمي، وإذا كان للربيع العربي أشكال عدة في العواصم المجاورة؛ فالوحدة الخليجية هي لون زهوره على ضفاف الخليج، كما إن تأصلها وقابلية تحقيقها ترجع إلى أن نواة الوحدة تقبع في ثنايا النظام الأساسي لمجلس التعاون، حيث تقول الفقرة الرابعة عن أهداف المجلس “تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها”. لقد تشكّل مزاج خليجي وحدوي كان من مؤشراته عفوية الموقف الخليجي الشعبي والرسمي من التدخل الإيراني في مملكة البحرين الشقيقة، كما كان من مؤشراته الغضب الخليجي بسبب زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لجزيرة أبو موسى، وقوله بإيرانيتها وبفارسية الخليج، ثم بجعلها عاصمة إدارية لما حولها ونشر قواته فيها. إن التحدي الكبير هو تفهم الشارع الخليجي لما وصل إليه قادة المجلس في القمة 14 في الرياض، وتقدير الآراء التي ترى ضرورة إيجاد آليات محكمة لتحقيق التكامل الاقتصادي والسياسي والأمني ليخدم دول الخليج الأصغر والأفقر في الموارد قبل الأكثر ثراء والأكبر حجماً، فالتكتلات الكبيرة محكمة التكوين هي القادرة على فرض مصالحها وتوجهاتها، ولنا أن نتصور كتلة اقتصادية الناتج الإجمالي لدولها يبلغ 1.4 تريليون دولار، وهو ما يوازي نصف الإنتاج القومي العربي. سيعود قادة مجلس التعاون في قمة تشاورية قريبة، كما قال الأمير سعود الفيصل، وكما نتوقع ستقر الوحدة الخليجية لعدم زوال الأسباب التي دفعت لطرحها في الأصل وهي: 1- تبدد الوهم بالأمن الاستراتيجي تحت مظلة اتفاقيات التعاون مع الغرب، حيث مزق هذا الوهم التدخل الإيراني السافر في شؤون المجلس في البحرين والكويت والإمارات، ورافق ذلك ارتباك موقف بعض دول الغرب أمام مفجرات الصراع لقصور مشين في نظرتهم وفهمهم لما جرى في البحرين. 2- الأمن الجماعي الخليجي هو صمام الأمان، والاتحاد هو الهيكل الأمثل والأسلس للتكامل العسكري، حتى لا يصبح دخول قوات درع الجزيرة لبلد خليجي تدخل أجنبي كما سوّق المعارضون للتعاون الخليجي. 3- لا زلنا نتحاشى السقوط في ثقب سود “Black Hole” تشكل بفعل الانسحاب الأمريكي العجول من العراق، وعدم الاستقرار في سوريا واليمن. 4- عدم جدوى التعامل الخليجي الفردي مع الأزمات والقضايا الدولية العابرة للحدود. 5- كهيكل استنفذ أغراضه؛ لم يعد لمجلس التعاون قِبَلٌ بمواجهة استحقاقات إقليمية معقدة تتطلب جبهة أكبر مساحة وأوضح في اشتراطات تعاقداتها مع بعضها البعض. إن للخليجيين إرثاً في إقامة أشكال من الوحدة بينهم، ولم يفشلوا مرة واحدة في إقامتها كلما أجبرتهم الظروف على ذلك، فقد نجحت وحدة تكوين المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في 23 سبتمبر 1932م، وقامت دولة الإمارات العربية المتحدة 2 ديسمبر سنة 1971م، كما قام مجلس التعاون في 25 مايو 1981م، قد يكون من المبكر استقراء أبعاد ودلالات تأجيل الاتحاد الخليجي أو موعد قيامه، لكن المؤكد أن المزاج الوحدوي الخليجي ما زالت تعبق به خطب صلاة الجمعة وتغريدات الشباب على تويتر.