^   مرت الذكرى الرابعة والستون لنكبة احتلال فلسطين وسط صمت ونسيان عربي مخيف للغاية، فهل بدأنا نتخلى عن قضايانا المصيرية؟ سيجيب الجميع أن القضية باقية في الضمير العربي، لكن الأولوية الحالية للقضايا الراهنة كقضايا الثورات وتأسيس أنظمة جديدة، وبرامج الإصلاح التي صارت هدف المواطن العربي، ومتابعة الثورة السورية التي لم يتوقع أحد أن تطول إلى هذا الحد وتنزف دماً بهذه الغزارة، وستعلو الأصوات بالانشغال بالخطر الإيراني الذي يحتل أراضي عربية ويزرع التوتر في أراض أخرى وهو المسؤول عن تفجر الحالة الطائفية في المنطقة بما يسهم في دعم مشاريع التقسيم الغربية للمنطقة!! وسيبقى السؤال قائماً هل هذه أعذار مقبولة لما يشبه حالة التجاهل لقضية احتلال فلسطين؟ متى كانت المنطقة العربية خالية من المشكلات والأحداث الكبيرة حتى يصبح الانشغال أمراً مستجداً؟! نحن لم نرسخ في محفوظات الأجيال الجديدة أن تاريخ 15/5/1948م (رشيق الإيقاع - ثقيل الوقع) كان يوماً كارثياً على العرب، عملت قبله جماعات (آيديولوجية) ممثلة في الصهيونية اليهودية على وضع اليد على دولة مكتملة بشعب وبأجهزة سياسية إدارية بدعوى المطالبة بالحق التاريخي فيها، ونحن لم نرسخ في وعي الأجيال الجديدة خطر الفكر العنصري الذي ينتصر لعرق ودين واحد باعتباره الأسمى والأفضل والأحق بالامتيازات الكونية والأجدر ألا ينتقد، ولم نربِ في عزيمتهم أن من يتنازل عن حقه مرة سيتطاول الطامعون في قضم باقي حقوقه لقمة لقمة. اليوم والوطن العربي يرزح تحت الاحتلال الإيراني للأحواز العربية والجزر الإماراتية ويتقاسم الاحتلال بالنفوذ مع الولايات المتحدة الأمريكية في العراق؛ فإن هذه ضريبة القبول باحتلال فلسطين، اليوم والوطن العربي يخشى من تفجر قضايا حقوق الأقليات وما نجم عنها من تفجر الحالة المذهبية والدينية في معظم دوله؛ فإن هذا ضريبة القبول بالتعايش مع ورم عنصري للأقلية الصهيونية في القلب العربي، فلا تستعجبوا من تفشي الورم في باقي جسدكم، اليوم ونحن لم نفق من ذهولنا بتقسيم السودان ونعيش صدمة مطالبات البعض بتقسيم اليمن والعراق وليبيا ونرقب على فزع مشاريع مازالت في طي ملفات الغرب حول تقسيم السعودية ومصر، فعلينا ألا ننسى.. لقد قبلنا بقرار التقسيم الأول عام 1948م الذي تمدد عام 1967م. اليوم والجميع يتعلل بالقضايا الداخلية والإصلاح والفساد والأنظمة التي سقطت، فلنتذكر دور بعض الأنظمة في دعم الكيان الصهيوني في الإطباق على حصار غزة ومحاربة حماس باسم الإرهاب ووقف إيصال المعونات للشعب الفلسطيني الجائع الجريح المريض، والدخول في أشكال مختلفة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وعقد صفقات مشبوهة لتصدير اليهود إلى فلسطين عبر عمليات سميت أحياناً ببساط الريح، والالتفاف على سلاح مقاطعة البضائع الإسرائيلية، كل هذا انصياعاً للتوجيهات الأمريكية وتنفيذاً لها دون المساومة على مقابل يخدم مصالح الشعوب العربية. حين نقرأ مأساة النكبة بالمنهجية السابقة، فإننا ندرك لا محالة أن مشكلات الوطن العربي هي مشكلات بنيوية تتطور وتتوسع في شكل حلزوني وأن منشأ معظم هذه المشكلات -إن لم يكن كلها- هو القبول بقيام دولة الكيان الصهيوني وتجاهل حق شعب في العودة إلى أراضيه ومنازله وحقوله التي اغتصبت بأسهل مما يشرب كوب الماء البارد، ليست هذه مبالغة على الإطلاق، فقد قلت لكم في البداية إن الأجيال العربية المتتالية لم تتعلم أن من يتنازل عن حقه مرة سيتطاول الطامعون في قضم باقي حقوقة لقمة لقمة. ^ تحية لإضراب الأسرى الفلسطينيين من نافلة القول كي نفهم مشكلاتنا البنيوية وسلسلة التنازلات التي تورطنا بها دون أن نعي؛ أن من المستهجن أن ينشغل العالم كله، بل من المؤلم أن تنجرف الجميعات الحقوقية العربية بالانشغال بإضراب عبدالهادي الخواجة عن الطعام وتصبح القضية الحقوقية الأولى في الوطن العربي عند البعض!! عبدالهادي الخواجة يواجهة تهمة أمنية كبرى تتعلق بالأمن القومي لمملكة البحرين، وقُدم لسلسلة محاكمات عادلة، بل وتبديل ملف قضيته من محكمة إلى أخرى، ويحظى بسجن يتجاوز في جودته المعايير الدولية، وله الحق في لقاء أسرته أسبوعياً، وله الحق في الجلوس مع جيش من محاميه، وهو اليوم يخوض معركة الإضراب لإطلاق سراحه، وحين تدهورت صحته -كما يقال- أدخل جناحاً خاصاً في المستشفى (فيه تلفزيون) ويقرأ الجريدة المفضلة له يومياً، وسُمح لبعض السفراء وأعضاء الجمعيات الحقوقية الدولية بلقائه للاطمئنان على صحته، ناهيك عن السماح لأسرته، بالطبع، في لقائه!! تخيلوا أن ما يزيد على 2500 أسير فلسطيني يخوضون نضالاً بالإضراب عن الطعام للمطالبة بوقف السجن الانعزالي في حقهم، ولتمكينهم من لقاء أهاليهم، ولوقف الاعتقال العشوائي، ولمطالبة الكيان الصهيوني ببدء تحقيق إداري في أسباب اعتقال المئات منهم، والسماح للأسرى الجامعيين بدخول امتحاناتهم، والسماح للأسرى بمشاهدة القنوات الفضائية التي منعوا من مشاهدتها، وللسماح لهم بزيادة استلام مبالغ نقدية من أهاليهم، وكان الرد الإسرائيلي بقمع الأسرى الفلسطينيين وبعزل قياداتهم أولاً ثم التوسع في عزل باقي الأسرى لإرغامهم على فك الإضراب، وكان الرد الغربي والعربي صمتاً وتجاهلاً إلا ما ندر!! فشتان بين إضراب الخواجة -المتهم الذي يحظى بمحاكم عادلة- وأسباب إضرابه ومطالبه، وبين إضراب الأسرى الفلسطينين -المعتقلين عشوائياً دون إجراءات إدارية صحيحة ودون محاكمات والقابعون في سجون معزولة- وأسباب إضرابهم ومطالبهم!! وتبدو المفارقات مضحكة، حد الغثيان، حين يتبجح البعض من الحقوقيين البحرينيين والعرب أن السجان الإسرائيلي أرحم من السجان البحريني؛ فالأول استجاب لبعض مطالب الأسرى وأفرج عن بعضهم، بينما السجان البحريني يتعنت في الإفراج عن عبدالهادي الخواجة، فما لهولاء الحقوقيين!! كيف يحكمون؟! عجبي!!!