كتب - عبدالرحمن محمد أمين: عندما أجريت لقاءً مع أحد ممن عايشتهم خلال منتصف القرن الماضي تعود بي الذاكرة إلى الوراء، حيث كان العمل من أجل الوطن وإعلاء شأنه، وليس من أجل المال. لذلك كان مصير الأعمال هو النجاح. واليوم اذ ألتقي زميلاً سابقاً لي في نادي شعلة الشباب بالمحرق، أتذكر أموراً كثيرة غابت عني وعن أبناء هذا الجيل. وهو الفنان إبراهيم سعيد الغانم، الذي مارس العديد من الأنشطة الرياضية والمسرحية، ويحتفظ ولايزال بكثير من المقتنيات والصور في معرضه الشخصي. في السطور الآتية نحلق مع إبراهيم الغانم، ونتوقف عند أهم محطات حياته. يقول إبراهيم الغانم: أنا من مواليد فريق الجلاهمة بالمحرق عام 1942، ولدت على يد القابلة “أم جان”، وبدأت دراستي عام 1949 بمدرسة أبوعبيدة الجراح بالمحرق لسنة واحدة فقط، وبعدها انتقلت إلى مدرسة رأس رمان بالمنامة من عام 1950 إلى 1958، وحصلت على الشهادة الابتدائية، بعدها التحقتُ بمدرسة الهداية الخليفية بالمحرق ليوم واحد فقط، بسبب سوء سلوك الطلبة، وعدت إلى المنامة، ودرست حتى الصف الأول ثانوي. وكان من الطلبة الطبيب الدكتور عيسى محمد أمين. بعدها ذهبت إلى دولة الكويت للدراسة، وبعد إكمال إجراءات الدراسة ذهبت إلى القسم الداخلي فإذا بي أفاجأ بقرار إغلاق سكن القسم إلا لمواطني سلطنة عمان، فلم أتمكَّن من الدراسة وتحمل مصاريف السكن، فعدت ثانية إلى البحرين، حيث التحقت بالعمل لدى شركة نفط البحرين عام 1961، بقسم التكرير بنظام النوبات براتب شهري 36 دينار، حتى تقاعدت عن العمل عام 2002 براتب تقاعدي 800 دينار. ويضيف الغانم: تزوجت عام 1967 وأقمت حفل زفافي في مقر نادي شعلة الشباب بالمحرق، وأحيت “دزة الزفاف” الفنانة فاطمة الخضارية، من مقر النادي إلى بيت الزوجية. ولي من الأبناء سبعة، ولدان وخمس بنات، أربع منهن تزوجن. وبنيتُ شققاً لأولادي، وهم على وشك الزواج، وهم والحمدلله يحملون شهادات جامعية عالية؛ وإحدى بناتي طبيبة جراحة، والأخرى مساعدة مديرة مدرسة، ونواف يدرس القانون، وعلي خريج جامعة الشيخ خليفة بن سلمان (هندسة كمبيوتر)، والحقيقة أنَّ زوجتي حفظها الله هي ساعدي الأيمن، وكانت عوناً لي في تربية أبنائي، وتحمل تكاليف حصولهم على هذه الدرجات المتميزة. المشي رياضتي المفضلة وبشأن هواياته يقول الغانم: أمارس حالياً رياضة المشي، وهي المفضلة عندي، أبدأها بعد صلاة الفجر وحتى بزوغ الشمس، إلى جانب التمارين السويدية. وأنا مولع بالزراعة، حيث خصصت جانباً من منزلي لزراعة بعض أشجار الفواكه. وخلال شهور الصيف الحارة، أقضي أغلب وقتي في شاليه أحد الأصدقاء من الرفاع، وأذهب أحياناً لزيارة زملائي رواد نادي الحكمة للمتقاعدين، وقبل أن أتقاعد كنت مولعاً بالسفر، حيث زرت بريطانيا وهولندا ومصر وسوريا والأردن والمغرب والهند، إلا أنني توقفت عن السفر منذ عام 1985، نظراً للاهتمام بتربية أولادي الذين درسوا جميعاً على حسابي وحساب زوجتي. ومن الأمور التي أهتم بها: المواعيد، ويقلقني كثيراً من يخلف موعدا، لدرجة أني أترك أولادي وأذهب بدونهم، في حالة تأخرهم عن الموعد المتفق عليه. كنّا أفضل بالأمس ويعبِّر الغانم عن ألمه لحال الناس اليوم، ومقارنة بالأمس، يقول الغانم: كنا في السابق في مقتبل العمر، تربطنا أواصر المحبة والألفة و المساعدة. وكان النسيج الاجتماعي أقوى من السابق. وكانت الفرجان تضمُّ العوائل العريقة المعروفة في المحرق، فكان أفراد عائلتنا يعيشون في فريج واحد يضمُّ عائلات شويطر والمعاودة والبنائين من غير النظر إلى الانتماء الديني والمذهبي. وكل ما أتمناه الآن ويتمناه كل محب ومخلص لهذه المملكة الغالية، أنْ نعود إلى سابق عهدنا وأنْ تعود البحرين إلى أفضل مما كانت عليه. ومن الذكريات الحلوة التي لا أنساها، أننا كنا مجموعة من الأصدقاء، نجتمع بعد مغادرتنا مقر نادي شعلة الشباب عند دكان بوعابد المشهور بعمل “بستك بو عابد”، والذي كان يتوافد عليه الزبائن من كل نواحي البحرين بسبب شهرته الكبيرة وطريقة طبخته الفريدة، التي لازالت إلى الآن سراً لم يكتشفه أحد. موقف طريف ويحكي إبراهيم الغانم عن موقف طريف صادفة، ويقول: في إحدى المرات، وأثناء عرضنا لإحدى المسرحيات على مسرح كيفان بدولة الكويت، شعرت بألم شديد في بطني، فطلبت من مخرج المسرحية وبقية الممثلين اختصار العرض، وإلا سأنزل عن المسرح، وقد استجابوا لطلبي. في نادي الشعلة حول علاقته بنادي شعلة الشباب بالمحرق، يقول الغانم: كان هذا النادي من أنشط الأندية. مارست فيه، لعبة حمل الأثقال وكمال الأجسام، وكان مدربنا عبدالله بوعابد، ومن اللاعبين أتذكر، علي ضيف، عبدالله أحمد عبدالسلام “عبدالله السلال”، وأحمد عبدالرحمن العوضي. وكانت أنشطة النادي متنوعة، ومنها إصداره مجلة الشعلة، التي كانت أكثر من مجلة حائطية، وكان رئيس تحريرها عبدالرحمن أمين. كما كان يهتم بالتمثيل وعرض المسرحيات الهادفة، التي نالت إعجاب الناس ومنها مسرحية: نهاية أسرة وجمعية الشحاذين، من تأليف الكاتب المرحوم محمد الماجد، وممثليها: المرحوم عبدالله الجميري، صالح حسن المحميد، صالح شمسان، جاسم الزري، وعلي حسن المحميد. وكان الفنان راشد عبدالله المعاودة يعمل بنشاط وحيوية، كمؤلف ومخرج لمعظم المسرحيات خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي. الانتقال إلى مسرح «أوال» وحول تجربة الانتقال إلى نادي الاتحاد يقول الغانم: عندما توقف نادي شعلة الشباب عن العمل، نظراً لتفرق معظم أعضائه بسبب ظروف أعمالهم وعوائلهم، طلب مني خليل الصادق، الانضمام إلى نادي الاتحاد للبدء في الحصول على إجازة إنشاء مسرح باسم “المسرح البحريني” عام 1971، بالاشتراك مع خليفة العريفي، راشد نجم، والمرحوم حسن علي النيباري. بعدها تمَّ استبدال اسم المسرح إلى مسرح “أوال”، وكنت من مؤسسيه. وكان أول مقر له فريق العمامرة بالمحرق، لبعده عن محطة السيارات القديمة، وكان آخر مقر لنا في المحرق، فوق معرض سيارات العوضي، قبل أنْ ننتقل إلى أم الحصم. وحالياً مقر المسرح في العدلية، مقابل مبنى نادي الخريجين. ونقوم حالياً بالإعداد لمسرحية “أبناء للبيع”، من إعداد خليفة العريفي وإخراج طاهر محسن. وهي مرشحة للعرض في مهرجان الخليج بسلطنة عمان. ويتابع الغانم: شاركت في مسرحيات عدة منها، سوق المقاصيص، البراحة، درب العدل، وفي مسلسلات، حزاوي الدار، سعدون، وسرور، أما بشأن مسرحيات الأطفال، فشاركت في عامر والقرد، الوطن الطائر، وعويشة باربي، وهي من أبرز مسرحيات الأطفال التي عملت فيها، وشخصياً أفضل العمل في مسرحيات الأطفال. وأتذكر من الممثلين الذين عملت معهم وأرتاح لهم: عبدالله ملك، يوسف بوهلول، أحمد مبارك، وعبدالله وليد. وأعتقد أنَّ أفضل المسرحيات التي شاركت فيها هي: سوق المقاصيص، البراحة، ونار يا حبيبي نار. وسبق لي أنْ شاركت في معظم مسرحيات ومسلسلات مسرح أوال وأغلبها من تأليف وإخراج أحمد يعقوب المقلة، عبدالله يوسف، ومصطفى رشيد. وآمل بناء مقر دائم للمسرح على الأرض المملوكة لنا قرب مستشفى الملك حمد بالبسيتين، ولنا أمل كبير في مساعدة الحكومة الموقرة ووزارة الثقافة في تشييد المبنى. حال لا تسر وبالنسبة لحال المسرح والممثلين اليوم، يقول الغانم: كان هناك دعم كبير من وزارة الإعلام للمسارح. وكان وزير الإعلام المرحوم طارق عبدالرحمن المؤيد، يمثل دعماً قوياً لنا، وكان يهتم كثيراً بالدراما البحرينية، وكان يفاجئنا بزيارتنا في منتصف الليل، لمساندتنا. لكن للأسف، فإنَّ الدراما البحرينية تراجعت كثيراً بعده. ونحن اليوم نلمس النجاح الكبير للحركة المسرحية في كل دول الخليج، حيث معظم المؤلفين والمخرجين يبيعون مؤلفاتهم على محطات تلفزيونات الخليج، بسبب المردود المالي الكبير، لكن تلفزيون البحرين لا يقوم بإجراء مقابلات مع كبار الممثلين ممن له باع طويل في التمثيل، بينما يجري مقابلات مع ممثلين جدد لا يملكون الخبرة مقارنة بالقدامى.