، إن الأمة لا تصاب من الخارج، ولا تحيط بها الشدائد، ولا تلحقها النكبات وتحيط بها الفتن، إلا بعد أن تصاب من الداخل، فالحصن الحصين للأمة في الأزمات يكمن في الإيمان بالله وحده وصدق التوكل عليه وحسن الاعتماد عليه وتفويض الأمور إليه والاستمساك بشرعه، ثم في تآزر المجتمع وتماسكه والتفافه حول قادته ودعاته وعلمائه، ولقد رأينا أن الأزمات يخف أثر وقوعها، ويقل خطرها على التمسك واجتماع الكلمة، حين ينبري العقلاء لتهدئتها وبيان الحق. باجتماع الكلمة وألفة القلوب تتحقق مصالح الدين والدنيا، ويتحقق التناصر والتعاون والتعاضد، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ، وقال تعالى: وَأَنَّ هَ?ذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ، وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى? وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ، وقال جل جلاله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ، وفي الحديث عن النبي : ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تدعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) متفق عليه، وقال : ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا)) رواه البخاري؛ ولذلك كان أعظمَ ما نهى الله عنه ورسوله الفرقةُ والاختلافُ: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَ?ئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ، وفي الحديث عن النبي قال: ((لا تختلفوا فتختلف قلوبكم))، وقال عبد الله بن مسعود : (الخلاف شرٌ كله)، وقال الحسن : (أيها الناس، إن الذي تكرهون في الجماعة خير مما تحبوه في الفرقة). معانٍ عظيمة واجبة كل وقت، وهي آكد في أوقات الشدائد والأزمات والفتن، حفاظا على حوزة المسلمين وحراسة للوطن والدين؛ لأن اجتماع الكلمة قوة المسلمين، واختلاف الكلمة ضعف لهم. عن الحارث الأشعري أن النبي قال: ((آمركم بخمس الله أمرني بهن: بالجماعة، وبالسمع والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله، فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلامِ من عنقهِ إلى أن يرجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم))، قالوا: يا رسول الله وإن صام وصلى؟! قال: ((وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، فادعوا المسلمين بأسمائهم، بما سماهم الله جل جلاله: المسلمين، المؤمنين، عباد الله عز وجل)) حديث صحيح رواه أحمد والترمذي. فأين هذه المعاني من تلك الفرق والأحزاب التي ساهمت في تفريق الكلمة وتقسيم المسلمين وعدم اتفاقهم لإقامة الدول والمحافظة على مكتسباتهم؟! من إزالة الطغيان وطلبٍ للعدل والأمان، بل أصبحوا يتقاتلون فيما بينهم ويتآمر عليهم المنافقون لإجهاض منجزاتهم بالفرقة فيما بينهم. عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله موعظةً وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنت الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعةٍ ضلالة)) رواه أبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". فتأملوا -إخوتي- هذه النصوص، ومدى قوتها في الدعوة إلى وحدة الكلمة وضرورة اجتماعها بالرغم من منغصات الحياة؛ ولذلك فإننا نحذر المسلمين عامة وشبابنا خاصة من الإخلال بهذا الأمر بالتأثر بالشائعات الكاذبة والأراجيف المغرضة التي يديرها إعلامٌ لا يريد بالأمة خيرًا، والأفكار الوافدة الهدامة التي تنشر عبر الفضائيات وعبر شبكة المعلومات تستهدف الطعن في الدين والأخلاق، وتبث الفرقة والاختلاف والخوف والهلع، وتقدح في الولاة والعلماء بلا وجه حق، فالتكاتف واجبٌ مع القادة والعلماء والعقلاء، والتعاون معهم على بيان الحق وعلى تنفيذ الشريعة ورعاية المصالح.